منذ قرون، كان الفن مقتصرا على البشر فقط، يتطلب موهبة فريدة، وإحساسا عميقا، ولمسة إبداعية خاصة, لكن من كان يصدق أن يأتي يوم نرى فيه الآلات تمسك بالفرشاة وترسم لوحات تشكيلية تضاهي أعمال أعظم الفنانين، وتنافس عمالقة الفن مثل فان جوخ وبيكاسو؟. في عصر الذكاء الاصطناعي، تغيرت المفاهيم، وظهرت روبوتات قادرة على الإبداع، تثير الدهشة والإعجاب، بل وتباع لوحاتها بملايين الدولارات, مما يؤكد أننا أمام ثورة فنية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي الذى بات قادرا على التسلل إلى مجالات لم يكن من المتخيل أن يغزوها, ومازالت أصداء بيع لوحة الروبوت «آى دا» التي تم بيعها مؤخرا والتي تخطت المليون دولار تشغل اهتمام النقاد فى الأوساط الفنية والجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي. ما كان يوما ساحة حصرية للمبدعين من البشر، أصبح اليوم فضاء مشتركا بينهم وبين الذكاء الاصطناعي, لم تعد فرشاة الفنان وحدها ترسم لوحات تخلد في المتاحف، بل دخلت الروبوتات على الخط، محدثة ثورة غير مسبوقة في عالم الفن التشكيلي. لكن هذا هو الواقع الجديد الذي فرضته الروبوتات الفنية، وأبرزها «آي-دا» و»سوزو»، حيث أثبتتا قدرتهما على الرسم والتلوين بأساليب معقدة تضاهي براعة أعظم الفنانين في التاريخ, وإنتاج لوحات فنية لا يمكن تمييزها عن أعمال كبار الرسامين. حيث أبهر «آي دا»، الروبوت الفنان العالم بدقته في الرسم واستخدامه للألوان بمهارة مدهشة, فهذه الروبوتات لا تنسخ اللوحات فحسب، بل تبتكر أنماطا جديدة، مما يؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل تحول إلى فنان مستقل قادر على إنتاج أعمال خاصة به. تظهر الروبوت «آي دا» في هيئة امرأة ترتدي شعر مستعار أسود مصفف على شكل بوب، وترتدي قميص وسروال جينز, اسم الروبوت هو إشارة إلى مبرمجة الكمبيوتر Ada Lovelace»». و وصف روبوت «آي دا»، بأنه أول فنان روبوت في العالم، يملك القدرة على رسم لوحات معقدة باستخدام كاميراته الخاصة وتحليل البيانات البصرية, وقد جذبت أعماله أنظار النقاد وجامعي التحف الفنية على حد سواء. فعندما بيعت إحدى لوحات «آي دا» في مزاد عالمي بمبلغ تجاوز المليون دولار، لم يكن الأمر مجرد ضربة حظ، بل إشارة إلى أن الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي أصبحا منافسين حقيقيين للفنانين التقليديين, وقد تم عرض أعمال هذا الروبوت في معارض عالمية مثل جامعة أكسفورد ومتحف التصميم بلندن، حيث استقطبت اهتمام الجمهور والنقاد, اللوحة تحمل عنوان «AI God Portrait of Alan Turing» والتي تعبر عن عالم الرياضيات «آلان تورينج» الأب الروحي للذكاء الاصطناعي وأول من وضع الأساس لأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي. اعتمدت الروبوت الفنانة على تحليل 15 صورة مختلفة لوجه تورينج، ثم قامت بدمجها رقميا، ومعالجتها بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد قبل أن تضيف لمساتها النهائية بالفرشاة. التجربة أثارت اهتمام المختصين فى هذا المجال، وظهرت فى الآونة الأخيرة العديد من الروبوتات التى تتمتع بقدرة فائقة على الرسم, بعض هذه الروبوتات تمت برمجتها لتعمل بيد آلية تحمل فرشاة رسم، بينما يعتمد بعضها الآخر على الطباعة الرقمية أو تقنيات الرسم الافتراضي، مما يجعل إمكانياتها غير محدودة. تعتمد هذه الآلات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم العميق، حيث تمتلك كاميرات متطورة تحلل الأشكال والألوان قبل أن تحولها إلى ضربات فرشاة رقمية أو حقيقية, الروبوت «آي دا»، على سبيل المثال، يستخدم ذراعه الميكانيكية لرسم لوحات بناء على بيانات تحليلية ومعالجة متقدمة للصور، ما يجعله قادرا على إعادة إنتاج المشاعر والظلال بأسلوب فني متطور. أما الروبوت «سوزو»، فهو ابتكار آخر أثبت أن الفن والذكاء الاصطناعي يمكنهما التفاعل بشكل مثمر, تم تطويره ليكون شريكا للفنانين، بحيث لا يحل محلهم، بل يعمل كمساعد إبداعي يفتح آفاقا جديدة للتجريب والتعبير الفني. تعتمد هذه الروبوتات على خوارزميات معقدة لتحليل مئات الآلاف من اللوحات الكلاسيكية والمعاصرة، مما يمكنها من إنتاج أعمال جديدة بلمسات مستوحاة من روائع الماضي, بفضل التعلم العميق، أصبحت هذه الأنظمة قادرة على محاكاة أساليب فنانين مثل فان جوخ وبيكاسو، بل وحتى ابتكار أنماط جديدة. ومن الأسئلة الشائعة التى تثير فضول المهتمين بهذا المجال هو كيف تعمل روبوتات الذكاء الاصطناعي؟ روبوتات الذكاء الاصطناعي هي روبوتات قادرة على العمل بشكل مستقل دون تدخل بشري، بالاعتماد على أجهزة استشعار وكاميرات وتقنيات متقدمة، تساعدها في فهم البيئة المحيطة واتخاذ القرارات وتنفيذ المهام. كما تعمل بالاعتماد على خوارزميات تعلم الآلة، والشبكات العصبية، لتحليل البيانات باستمرار واتخاذ القرارات. ورغم النجاح المتزايد للفن الاصطناعي، ينقسم النقاد حول مشروعيته كفن حقيقي, يرى البعض أن الإبداع يتطلب وعيا ومشاعر، وهو ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي, بينما يجادل آخرون بأن الفن لطالما كان انعكاسا للأدوات المتاحة، وأن التكنولوجيا ليست سوى امتداد جديد للتعبير البشري. وحتى لا يشكل الذكاء الاصطناعي خطرا يهدد الهوية الفنية يجب استخدامه وتطويعه بذكاء ليصبح أداة مساعدة يمكن للفنانين استغلالها لإضافة أبعاد جديدة إلى أعمالهم، ومع ذلك يخشى البعض من تراجع الطلب على الفن البشري لصالح اللوحات المولدة رقميا. مع هذا الجدل الواسع في الأوساط الفنية, لا يمكن إنكار أن هذه التكنولوجيا أحدثت تحولات كبرى، أبرزها, تغيير سوق الفن حيث أصبحت اللوحات المرسومة بالذكاء الاصطناعي تجذب اهتمام الجمهور، مما أدى إلى ظهور سوق فنية جديدة بالكامل, واندماج الفن والتكنولوجيا عندما بدأ الفنانون التقليديون في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي كجزء من أدواتهم، مما أتاح فرصا جديدة للتجريب والإبداع. مع تطور هذه التكنولوجيا، قد نجد أنفسنا أمام عصر جديد من الفن، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي شريكا أساسيا في الإبداع وابتكار لوحات قد تعيد رسم مستقبل الفن. فهل نرحب بهذا التغيير أم نحاول مقاومته؟.. ربما لن نحصل على إجابة قاطعة اليوم، لكن المستقبل بلا شك سيحمل المزيد من المفاجآت في هذا المجال، وفرص كبيرة للتعاون بين الإنسان والآلة، بدلا من الصراع بينهما, وربما نشهد قريبا معارض مشتركة تضم أعمال فنية من إبداع البشر والروبوتات جنبا إلى جنب. اقرأ أيضا: «الأم».. ملاك الرحمة في لوحات الفنانين