فى تصريح جرىء، توقع «بيل جيتس»، أحد أبرز رواد التكنولوجيا فى العالم، أن الذكاء الاصطناعى سيؤدى خلال أقل من عشر سنوات إلى تقليص الدور البشرى فى مجالات جوهرية مثل الطب والتعليم، بل وقد يصبح البشر «غير ضروريين فى معظم الأمور»، تصريح يثير جدلًا واسعًا، ويؤكد أن الذكاء الاصطناعى يزحف بجنون وبسرعة على كل الميادين، مما يدفعنا جميعًا المهتمين بمجال الكتابة والإبداع أن يسأل كلٌ منا الآخر: ماذا سيحدث إذا كنت تتجول بين أرفف الكتب ووجدت نفسك وجهًا لوجه مع غلاف رواية مكتوب عليه: رواية: بقلم الذكاء الاصطناعى، (هل اقتربنا من ذلك)؟، بالتأكيد سيدفعنا الشغف إلى الشراء والاقتناء، وستجذبنا الرغبة فى المعرفة والاطلاع على كل ما هو جديد، وخوض تجربة قراءة مختلفة، خاصة بعد أن تجلى تأثير الذكاء الاصطناعى المدوى فى مجالات الاقتصاد والتجارة والأسلحة، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر وفى سيناريو مرعب بدأت المخاوف من فقدان السيطرة المرتبطة بدخول الذكاء الاصطناعى مجال الفكر والتفكير والإبداع، وكتابة الروايات وما تحمله من مشاعر وعواطف وخيالات. كانت البداية فى العام الماضى بعدما كشفت الأديبة اليابانية «رى كودان» الحائزة على جائزة « أكوتاغاوا»؛ أرقى جائزة أدبية فى اليابان، أن برنامج الذكاء الاصطناعى «تشات جى بى تى» تولى كتابة 5% من روايتها الفائزة «طوكيو تو دوجو تو»، أو «برج الرحمة فى طوكيو»، المدهش أكثر هنا هو ما أوردته لجنة التحكيم فى حيثياتها أنها: «تبلغ درجة من الكمال يصعب معها العثور على أى خلل فيها»، من هنا بدأت تساؤلات عديدة تطرح نفسها بقوة على الجميع، وتشغل مساحة كبيرة من مناقشات المهتمين بالكتابة، ومن هنا أيضًا توجهت إلى نخبة من المبدعين بسؤال: هل سيحتل الذكاء الاصطناعى مكانة العنصر البشرى فى كتابة الرواية؟. اقرأ أيضًا | ذكاء اصطناعي ساخر.. الصين تفضح أوهام عودة التصنيع الأمريكي| فيديو العُمق الوجدانى البداية كانت مع الروائية هناء متولى، التى أكدت أنه: «يمكن للبعض استخدام الذكاء الاصطناعى فى مُحاكاة بناء الروايات، لكنه لن يحل محل المبدع، لأن الإبداع ينبع من الوعى، والمشاعر، والذاكرة الإنسانية، الذكاء الاصطناعى قد يحلل الأساليب وينتج نصوصًا متماسكة إلى حد ما، لكنه يفتقر إلى الحدس، والعمق الوجدانى، والخيال الضرورى للخلق الفنى، ومع ذلك، لا يجب اعتباره تهديدًا، فهو لا يخلق من منطلق ذاتى، بل يعمل وفق توجيه المُستخدم، يمكن أن يكون أداة فَعَّالة فى البحث مما يوفر الوقت والجهد، لكن الاعتماد الكبير عليه قد يضعف الإبداع البشرى، من الجائز أنه قد يضىء الطريق، لكنه لن يستطيع المشى عوضًا عن الكاتب، فالرهان الحقيقى هو قدرة الإنسان على توظيفه بذكاء دون فقدان هويته الإبداعية».. هذا ما أكده أيضًا الروائى أحمد المرسى، قائلًا: «لا أظن أن هذا قابل للحدوث، لأن الرواية والأدب فى العموم ليس مهنة ولكنه فن، والذكاء الاصطناعى غير قادر على محاكاة فن أصيل، حتى وإن استطاع «الخلق» فإنه لن يلقى القبول، ببساطة لأن الفن ليس متعلقًا بالفنان فقط، ولكن بتفاعل الفنان ومتذوق هذا الفن معًا، من الممكن أن يرسم الذكاء الاصطناعى لوحة جميلة، ولكن لا أحد سيقطع تذكرة من بلاده إلى متحف اللوفر ويقف طابورًا بالساعات ليشاهدها مثل الموناليزا؛ فالقيمة ليست جمالية فقط، ولكن القيمة فى قدرة الإنسان على صُنع هذا الجمال، الإنسان هو الفاعل الأساسى فى تلك المعادلة»، ويضيف «المرسى»: قارئ الرواية لا يبحث فقط عن الحدث والحبكة الدرامية، لكنه يتفاعل بشكل كامل، يتسلط على عقل الكاتب، يتفاعل مع لغته، يبحث عن نفسه فى السطور، ويتساءل هل هناك إنسان آخر يشاركه الألم فى هذه الدنيا بنفس الطريقة، الأحزان، المخاوف.. إلخ، وأنهى «المرسى» إجابته مؤكدًا أنه «عندما نقرأ رواية فإننا نتواصل مع وعى كاتبها، وأعتقد أن الذكاء الاصطناعى غير قادر على تكوين وعى». الروح الإنسانية توجهت بالتساؤل نفسه إلى الناشرة نورا رشاد، وأضفت إليه جزءًا آخر، وأصبح السؤال: هل سيحتل الذكاء الاصطناعى مكانة العنصر البشرى فى كتابة الرواية، وهل من الممكن كناشرة أن يأتى اليوم الذى تنشرين فيه رواية من تأليف الذكاء الاصطناعى؟، أجابت «نورا» قائلة: «الذكاء الاصطناعى قد يصبح أداة مساعدة فى كتابة الرواية، لكنه لن يحل محل العنصر البشرى تمامًا، الإبداع الأدبى يعتمد على المشاعر والتجارب والرؤية الفريدة، وهى عناصر يصعب على الذكاء الاصطناعى مُحاكاتها بعمق حقيقى، قد يساعد فى توليد الأفكار أو تحسين الأسلوب، لكنه يفتقر إلى الروح الإنسانية، وكناشرة، لا أستبعد أن يأتى يوم تُنشر فيه رواية مكتوبة بالكامل بالذكاء الاصطناعى، خاصة لأغراض تجريبية أو تجارية، لكن بالنسبة لى، أؤمن بأن الأدب انعكاس للإنسانية، وسيظل للكاتب الدور الأهم فى خلق روايات تحمل بصمة فريدة وعمقًا حقيقيًا». أما الناشر أحمد مهنى، فأكد أن «الذكاء الاصطناعى أصبح أمرًا واقعًا لا يمكن إنكاره، وخلال أعوام قليلة جدًا سيتطور الأمر بشكل لا نتخيله، نحن نرى بالفعل روايات تم الاعلان أنها مكتوبة بالذكاء الاصطناعى، ونسمع عن كتب فى الغرب تم تأليفها بمساعدته، ولكن سيظل الإبداع البشرى المحرك الذى يوجه الذكاء الاصطناعى نحو الابداع، فالإنسان هو الذى يطلب ويسأل ويعدل إنتاجه، لكن فى المستقبل ربما يتغير كل شىء، وعن إمكانية نشره رواية من تأليف الذكاء الاصطناعى، قال «مهنى» إنه «حتى الآن لم تتم مناقشة موضوع نشر كتب مكتوبة بالذكاء الاصطناعى مناقشة واعية ومتفحصة، وبالتالى لا يمكن تقديم وجهة نظر مكتملة فى هذا الموضوع، والأمر يحتاج إلى دراسة واعية». إجابة مُحيرة الناقد الكبير حسين حمودة، أكد أنه «لا يتصور أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يحل محل المبدع البشرى فى أى مجال من مجالات الإبداع، ربما يمكن فى المستقبل أن يكون الذكاء الاصطناعى مفيدًا إلى حد قريب أو بعيد فى بعض المجالات الإبداعية، كأن يقدم فوائد كثيرة فى مجال الموسيقى، أو الفن التشكيلى، أو حتى الأدب، لكن هذه الفوائد لن تتخطى حدود الاقتراحات، أو التصميمات الأولية، التى يعمل عليها المبدع بعد ذلك، وقد جربت عددًا من برامج الذكاء الاصطناعى، منها «شات جى بى تى»، و«كوبايلوت»، وأخيرًا «دييب سيك»، وطلبت منها جميعًا أن تكتب قصصًا قصيرة تدور حول تناول لتجربة بعينها (كان منها قصص عن تجربة الحب بين رجل شرقى وامرأة غربية)؛ والنتائج كانت متقاربة المستوى، وكلها كانت محدودة القيمة إبداعيًا، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على طلب كتابة الروايات، ربما تنجح هذه البرامج فى كتابة تتشابه مع كتابات الروايات التجارية محدودة القيمة، ولكن من الصعب جدًا أن تبدع نصًا روائيًا حقيقيًا. أما د. محمد شومان، أستاذ تكنولوجيا الإعلام، فأكد أن هذا السؤال مطروح على نِطاق واسع، وهناك وجهات نظر مختلفة، فهناك من يرى أنه أصبح من المعتاد أن يُستخدم الذكاء الاصطناعى فى تأليف الروايات، وكذلك كتابة السيناريوهات والأفلام، والحقيقة أننى أشك فى قدرة الذكاء الاصطناعى على التأليف؛ وابتكار نص روائى جديد وله أبعاد غير مسبوقة، فهو سينتج فقط ما تم تغذيته به من أفكار وحبكات وسرديات وقصص مختلفة، لكن هناك توقع أنه خلال سنوات قليلة قادمة سيتم إنتاج نوع جديد من الذكاء الاصطناعى قادر على التفكير والنقد والإبداع، سنرى فى المستقبل إلى ماذا سنصل؟ .. ويبقى السؤال إلى فترة قصيرة وقريبة، كان الاعتقاد الراسخ هو صعوبة بل واستحالة أن يقترب الذكاء الاصطناعى من عالم الفنون والإبداع؛ لما فيهما من خيال وخلق يتمتع بهما العنصر البشرى فقط، لكن بعد الزحف التكنولوجى الرهيب، هل يتحول المستحيل إلى سراب؟!