النهاية لم تأت بعد ولكن جماعة الإخوان المسلمين تتآكل تدريجيًا ولم تعد قادرة على استعادة ما خسرته فى مصر والعالم العربى، وخسارتها الكبرى أن الشعوب تعلمت أن الدين لله والوطن للجميع. تجربة حكمهم فى مصر كانت وبالًا عليهم، بعد انكشاف هشاشة مشروعهم السياسى فى خضم الرغبة الجامحة لاعتلاء السلطة، والرفض الجماهيرى الواسع لفكرهم وتكتيكاتهم ومشروعهم القائم على التمكين لا المشاركة، وتغيّر المزاج الشعبى، ولم يعد يرى فى الإخوان بديلًا نقيًا بل نسخة أكثر خطرًا. وفتح سقوطهم المدوى فى مصر كل الجراح ولم تعد الجماعة كيانًا موحدًا، وهى تتآكل ذاتيًا بين جبهتين متصارعتين: فى الخارج التمويل والنفوذ فى اسطنبول ولندن، وفى الداخل انقسامات حادة بين القيادات التاريخية والشباب، واتهامات متبادلة بالخيانة والعمالة. كانت الضربة المميتة هى ثورة المصريين عليهم عام 2013، وسقطت كل الشعارات التى تأسست عليها الجماعة منذ قرابة قرن على يد حسن البنا، حاملة شعار «الإسلام هو الحل» ومُعلنة نفسها وصية على الدين والمجتمع والسياسة، ولبست ثوب الدعوة بينما كانت تخطّط للسلطة، وكان سقوطها مدويًا فى أكثر من بلد، ورفعت الدول التقليدية الداعمة غطاء الحماية والتمويل. كان طريق الإخوان مفروشًا بالورود بعد 25 يناير للعودة إلى المجتمع فى محبة وهدوء وسلام، ولكنهم أذاقوا البلاد كئوس الدم فكانت نهايتهم، ورفعوا كل شعارات الخيانة وإقصاء الآخرين ومناصبة القوى السياسية والاجتماعية العداء، وأثبتت كل التجارب أن مصر كبيرة جدًا عليهم لأنها دولة وليست جماعة. الذى حدث فى مصر فى عام اليقظة 2013 وما تلاه، وثقة المحاكم المصرية فى محاكمات عادلة لقيادات الإخوان، وكشفت مستندات اختراق أجهزة الدولة وفى مقدمتها الجيش الشرطة وتسليح التكفيريين فى سيناء لتصبح أقوى من القوات، واستعراض قوتهم بقيام عناصر من الإخوان والجبهة السلفية والجماعة الإسلامية برفع علم القاعدة على مبنى الأمن الوطنى برفح. أما رئيسهم المنتخب الذى أقسم على احترام الدستور والقانون، فلم يكن أكثر من جاسوس فى قصر الحكم، وساهم فى اختلاس المستندات الخطيرة وإفشائها لدولة أجنبية، وتأجيج الصراع والوصول بالبلاد إلى حالة من الفوضى العارمة، وكانت البروفة هى حصار مؤسسات الدولة السيادية. السيناريو الأقرب للواقع حول مستقبل الإخوان هو أن الجماعة تتآكل تدريجيًا، وتتحول إلى مجموعات صغيرة متفرقة فاقدة للتأثير الشعبى، أو التحول بالكامل إلى العمل السرى كما حدث من قبل، والتركيز على اختراق المجتمعات استغلالًا للأزمات المعيشية لكن دون فاعلية حقيقية فى ظل الرقابة الأمنية والإلكترونية. والسيناريو الآخر هو ارتداء عباءة منظمات المجتمع المدنى والمنابر الإعلامية والشبابية، وإن كان هذا التصور محكومًا بالفشل فى ظل الانتباه لهذه المحاولات التى تم تجريبها فى السابق.