«إنه حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية». فقرة من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى التاريخية التى ألقاها خلال القمة العربية ببغداد، والتى تلخص بإيجاز موقف مصر الثابت، الذى لا يتزعزع ولا يتغير مهما كانت الظروف من القضية الفلسطينية. الكلمة فى مجملها لم تكن معبرة عن الموقف المصرى فقط، بل عبرت عن الصوت الشعبى العربى والإسلامى الدولى.. كلمة أقل ما توصف به أنها شجاعة وقوية، لا تصدر إلا من زعيم لدولة بحجم مصر، لا يساوم ولا يراوغ ولا يتراجع عن موقفه فى قضية مصيرية. كلمة صادقة قادرة على قلب الموازين ورصاصة أخيرة فى معركة الكرامة والعزة.. تحمل معنى ومغزى ورسالة مهمة للعرب وللعالم أجمع. الكلمة لم تكن مجرد خطاب رسمى، بل كانت موقفًا واضحًا، يضع حلًا عادلًا للقضية فى زمن يتراجع ويتراخى فيه الكثيرون، هذه الكلمة التى جاءت فى وقت بالغ الحساسية، حيث تنخفض فيه الأصوات وتعلو الحسابات، فى ظل ما يمارسه الاحتلال على غزة من جرائم ممنهجة، وممارسات وحشية، تفتك بالمدنيين، ويحول البيوت إلى ركام، والحياة إلى صرخات، والكرامة إلى نداء استغاثة، بهدف طمس وإبادة الشعب الفلسطينى وإنهاء وجوده فى غزة. الكلمة التى جاءت فى وقت اكتفى فيه البعض بالمشاهدة أو التنديد الخجول، وظهر عجز وضعف النظام العالمى.. اختارت مصر أن ترفع صوت الحق عاليًا منحازة للعدل، معلنة رفضها القاطع لممارسات الاحتلال وما يرتكبه من جرائم فاقت الحدود، وكشفت زيف المبادئ الحقوقية فى مواجهة القيم الإنسانية. اختارت مصر أن تعلن بأعلى صوت أنها لا حياد عن العدل أو تهاون فى الحق، وأنها ترفض أى محاولة لإبادة أو تهجير الفلسطينيين، أو تحويل قضيتهم إلى مجرد أزمة إنسانية. إن أهمية الكلمة فى هذا التوقيت لا تكمن فى مضمونها فحسب، بل فى رمزيتها، بأن هناك من لا يزال يرى أن الصمت فى وجه القتل خيانة. فى النهاية فإن الكلمة التى تنبع من ضمير حى يمكن أن تكون أقوى من ألف صفقة، وأبقى من كل التحالفات. ومصر بكلمتها تكتب موقفًا لا ينسى فى دفتر التاريخ العربى.