مع التوسع المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم تعد هذه التكنولوجيا مجرد أداة للابتكار، بل تحوّلت إلى عنصر فاعل في تشكيل مستقبل البشرية. تكنولوجيا قد تُحدث طفرة تنموية في بعض الدول، بينما قد تهدد استقرار مجتمعات أخرى. بوتين: من يملك الذكاء الاصطناعي يملك العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان من أوائل القادة الذين أشاروا بوضوح إلى خطورة الذكاء الاصطناعي إذا خرج عن السيطرة. في تصريحات شهيرة له، قال إن "من يسيطر على الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم". تصريح يعكس حجم التحدي، ويفتح النقاش حول السباق المحموم بين الدول الكبرى لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة، قادرة على التأثير في الاقتصاد، والإعلام، وحتى اتخاذ القرار السياسي. مصر تدخل السباق: استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي مصر لم تتأخر في اتخاذ خطوات عملية، الدولة أطلقت النسخة الثانية من "استراتيجية الذكاء الاصطناعي 2025–2030"، والتي تهدف إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم، الصحة، الزراعة، والخدمات الحكومية. وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة شاملة للتحول الرقمي، يؤكد فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أن المستقبل الاقتصادي لمصر لن يتحقق دون توطين التكنولوجيا وبناء كوادر وطنية قادرة على التعامل مع أدوات المستقبل. الإمارات... ريادة إقليمية في الذكاء الاصطناعي دولة الإمارات العربية المتحدة أثبتت نفسها كمنصة إقليمية تحتضن الحوار العالمي حول الذكاء الاصطناعي. ففي دبي، أُقيم ملتقى الذكاء الاصطناعي التوليدي بمشاركة نخبة من الخبراء وصنّاع القرار، وناقش استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم، الإعلام، والصحة. كما شهد "أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي" تنظيم عدد من الفعاليات العالمية مثل "مؤتمر الآلات يمكنها أن ترى"، و"بطولة الهندسة التوليدية العالمية"، بمشاركة أكثر من 2000 خبير وباحث. هذه الفعاليات تعكس رؤية الإمارات لبناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية المستدامة. التحولات القادمة في سوق العمل الذكاء الاصطناعي لن يؤثر فقط على الاقتصاد، بل سيفرض واقعًا جديدًا على سوق العمل. العديد من الوظائف التقليدية معرضة للاختفاء، بينما سيظهر طلب متزايد على مهارات جديدة تتعلق بتحليل البيانات، البرمجة، والإبداع التكنولوجي. هذا التغيير قد يؤدي إلى اعتماد أكبر على نمط "العمل من المنزل"، وربما يجبر بعض الفئات على التقاعد المبكر. وهنا يبرز سؤال: هل ستقوم الدول بتوفير دخل أساسي أو معاش تكنولوجي للفئات المتضررة؟ وهل لدينا بنية قانونية كافية لحماية حقوق هؤلاء؟ الذكاء الاصطناعي... أداة تنمية أم هيمنة؟ هناك رأي متزايد بأن الدول أو الشركات التي تمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد تمتلك قدرة شبه مطلقة على التأثير في القرار العالمي. فمن يملك البيانات يملك القوة، ومن يتحكم في الخوارزميات يملك التأثير. وفي ظل غياب ميثاق دولي ينظم استخدام هذه التقنيات، تزداد المخاوف من أن يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة للتنمية إلى وسيلة للهيمنة. الذكاء الاصطناعي ليس مستقبلًا بعيدًا... إنه واقع نعيشه اليوم. والدول التي تتعامل معه بجدية ستكون في موقع القيادة، بينما قد تجد الدول المتأخرة نفسها على الهامش. مصر والدول العربية أمام فرصة تاريخية لتأمين مكان في خريطة المستقبل، شريطة الاستثمار في العقول، والتشريع، والتوازن بين التقنية والعدالة الاجتماعية.