حين تلتقى الدولة بمبدعيها، لا يقف اللقاء عند حدود المجاملة الدبلوماسية، بل يكون اعترافًا بالقيمة، وتجسيدًا لفكرة الوطن الممتد خارج حدود الجغرافيا، من هنا جاء استقبال د. أحمد هنو، وزير الثقافة، للنجم العالمى مينا مسعود، فى لحظة ذات دلالات رمزية، تؤكد أن الانتماء لا يُقاس بمكان الإقامة، بل بما يُجسِّده صاحبه من تمسّك بالجذور، واعتزاز بالهوية، وإحساس بالمسئولية فى تمثيل بلده فى ساحات التأثير العالمى. فى زمن باتت فيه الهويّة تذوب على موائد التنازل، تحت ضغط الشهرة والمال، ويُعاد تشكيلها وفقًا لأذواق السوق العالمى، تمسك مينا مسعود بلغته الأم، وذاكرته المصرية التى يحملها فى أدواره وتصريحاته، النجم الذى خطف أنظار العالم بدوره فى فيلم «علاء الدين» لم يسمح لاستوديوهات هوليوود بابتلاع ملامحه أو هويته الثقافية، بل ظلّ يرفع اسمه العربى، ويتحدث عن جذوره المصرية فى كل مناسبة، ويبحث عن الأدوار التى لا تبيع الإنسان العربى بثمن رخيص، بل ترفعه وتمنحه صوتًا، هذا الوعى هو ما يجعله، ليس فقط نجمًا حفر لنفسه موقعًا على الساحة العالمية، بل سفيرًا فنيًا يحمل رسالة. لذلك لم يكن غريبًا أن تعلن وزارة الثقافة اختياره ممثّلًا للثقافة والفنون فى الخارج، ليس فقط باعتباره نجمًا سينمائيًا مشهورًا، بل لما يُظهره من وعى عميق بجذوره، واحتفاءً بدوره فى تقديم صورة مشرقة عن مصر، فهو وجهٌ مشرق للقوة الناعمة المصرية، التى تسعى وزارة الثقافة إلى مدّ جسور التفاعل بينها فى الداخل والخارج، ووجوده فى مهرجان القاهرة السينمائى ليس فقط تكريمًا لنجم عالمى، بل رسالة مفادها أن أرض الكنانة تفتح ذراعيها لأبنائها المبدعين، وتراهم جزءًا من قوتها الثقافية. وتقديرى أن تكريم مينا مسعود يجب أن يُدرج ضمن استراتيجية ثقافية تستثمر رموز النجاح من المصريين حول العالم، فهؤلاء يمكن أن يتحوّلوا إلى سفراء يسهمون فى صياغة صورة مصر الحديثة فى عيون الآخر، بعيدًا عن الخطاب الرسمى الجامد. إن الحضور الفنى والإنسانى للفنان مينا مسعود يُعيد تعريف مفهوم «النجم العالمى»، ليس كمن يلمع فقط، بل من يعكس الضوء إلى بلده الأم، وسعادته بالتكريم الذى وصفه بأنه «الأقرب إلى قلبه»، يُلخّص معادلة النجاح الحقيقى: أن تصل إلى العالم دون أن تُغادر ذاتك.