حين تضيق الصدور، وتتكاثف الغيوم فى سماء القلب، ويثقل الحزن كاهل الروح، يبحث الإنسان عن مخرج، عن بصيص نور يهتدى به وسط العتمة. لكن مع الأسف بعض النفوس، حين تعجز عن رؤية ذلك النور، تنزلق فى هاوية اليأس والقنوط، وهناك تكمن الخطورة. فاليأس ليس مجرد حالة شعورية عابرة، بل هو أرض خصبة تنمو فيها وساوس الشيطان، ومنفذ خطير يتسلل منه إلى أعماق الإنسان، ليهدم ما تبقّى فى داخله من رجاء وثقة، ويغتال الأمل شيئًا فشيئًا. إن اليأس، بما يحمله من استسلام داخلى وانكسار روحي، هو أولى خطوات الانهيار النفسي، ولحظة الانفصال عن الإيمان واليقين بالله. فى تلك اللحظة المظلمة، يخيّل للإنسان أن جميع الأبواب قد أُغلقت، وأن لا أمل يُرتجى، فيتسلل صوت الشيطان هامسًا فى داخله: "لا جدوى... لا أمل... استسلم"، وهنا يبدأ السقوط الحقيقي. ولحظات اليأس ليست مجرد ضعف مؤقت، بل قد تكون فتنة عظيمة، تفتح أبواب الانحراف والتيه لمن لم يُبادر بإغلاقها بالرجوع إلى الله. فكلما ازداد الظلام، ازداد احتياجنا إلى نور الرجاء، وإلى إيمان عميق يُطمئن القلب بأن الله أقرب إلينا مما نظن، وأن رحمته لا تحدها حدود. وقد شدّد القرآن الكريم على خطورة هذه الحالة، لما تحمله من سوء ظن بالله، وغفلة عن حكمته، وجهل بوعده الذى لا يُخلف. فجاء التحذير الربانى واضحًا فى قوله تعالى:"وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" (الحجر: 56)،"إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: 87). وفى المقابل، جاء وعد الله تعالى ليُبدّد ظلمة اليأس، ويُضيء دروب الرجاء: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5، 6).إنها ليست مجرد آية تُتلى، بل قاعدة إيمانية راسخة، تبشّر بأن كل عسر مهما اشتد، لا بد أن يصاحبه يُسر، وأن بعد كل ليلٍ فجر، وبعد كل ضيقٍ فرج. وعلينا أن ندرك إن مواجهة وساوس الشيطان تبدأ من الداخل؛ من قلوب لا تعرف اليأس، ومن نفوس تُجابه البلاء بثبات، وعقول تُحسن الظن بربها، وتأبى أن تفتح للشيطان بابًا.