تشهد السياسة الأمريكية تحولات جذرية إذ أن التوجه الأمريكى انتهى إلى نقطة أبعد ما تكون عن النقطة التى ابتدأ منها، فقد بدأ ترامب متشددا مطالبا بترحيل سكان غزة وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية أو ما أطلق عليه «ريڤيرا» أخرى، ولكن التوازنات دفعت ترامب صاحب الخطاب المتشدد إلى التفاوض مباشرة مع حماس من أجل الإفراج عن أسير أمريكى، وهو ما يعكس تحولا جوهريا فى السياسة الأمريكية التى كانت تحظر التفاوض مع من تصنفهم على أنهم إرهابيون. ثم جاءت الخطوة الثانية على التوازى مع هذه الخطوة، وهى مفاوضات مع الحوثيين انتهت بإيقاف الضربات المتبادلة بين أمريكا والحوثيين، دون أن تشترط أمريكا بإيقاف الضربات على إسرائيل، وذلك محظور آخر تتخطاه أمريكا وهو يعنى أن اسرائيل لم تعد فى نظر أمريكا قادرة على حماية المصالح الأمريكية دون تأديب الخارجين على حدود الطاعة لأمريكا. فإذا جمعت كل هذه المعطيات مع ما تسرب عن البيت الأبيض من أن الرئيس الأمريكى قد أوقف وجمد التعامل مع نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأن الرئيس الأمريكى فى جولته الخليجية لم يحصل لإسرائيل نصيب من هذه الزيارة. عندئذ لابد أن نستنتج أن نتنياهو قد أحرق كل أدواته فى الخارج مع أقوى حليف له وأن وجوده فى السلطة قد أصبح عبئا على السياسة الإسرائيلية وأن إزاحته ضرورة لاستئناف التنسيق والتعاون بين أمريكا وإسرائيل ذلك ملمح أول، فإذا أضفت إلى ذلك تراجع الرئيس الأمريكى عن قرارات الجمارك التى فرضها على الصين وعلى بعض الدول الأوروبية فإن علينا أن نستنتج أن السياسة الأمريكية فى عهد ترامب تشهد تحولا جوهريا رغم الخطاب المتشدد الذى يفضله ترامب وأن اللعبة أصبحت مفهومة، ترامب يرفع سقف التشدد إلى أعلى درجة ثم يتراجع. ما نشهده الآن فى العالم هو تغيير أساسى فى توزيع القوى، بعد ما جاءت نتائج المواجهة الهندية - الباكستانية لكى تفرض على العالم جميعه وأمريكا خصوصا أن تعيد النظر فى قدرات الصين العسكرية والاقتصادية. إننا نشهد عودة إلى مرحلة العالم متعدد الأقطاب بعد أن عانينا جميعا من تعسف واستبداد القطب الواحد. ويا أهلا بالمستقبل.