جميعنا يعلم أن أعباء الحياة الزوجية لا تقتصر على طرف واحد فحسب، بل هى مشاركة بين الزوجين لبناء علاقة صحية ومستقرة، فالمشاركة الزوجية لا تعنى فقط تقاسم المهام المنزلية، بل تمتد لتشمل الدعم العاطفي، واتخاذ القرارات المشتركة، وتربية الأبناء، ولكن على الرغم من معرفة ذلك، إلا أن بعض المجتمعات لا تزال تنظر إليها كتنازل أو خروج عن الأدوار التقليدية. هذا ما نسلط عليه الضوء فى السطور التالية مستعينين بآراء الخبراء مع السماع لبعض التجارب الواقعية التى تؤكد أن الحياة المشتركة لا تزدهر إلا حين تُبنى على التعاون والتفاهم. النساء: احتواء مشاعرنا مفتاح الحب التربية المشتركة تترك بصمات إيجابية فى شخصية الأبناء وقد كشفت دراسة أمريكية أن الأزواج الذين يقومون بالمساعدة فى الأعمال المنزلية مثل غسل الملابس أو الأطباق تربطهم علاقة زواج أقوى بشريكة حياتهم، بل يشعرون أيضًا بتحسن فى صورتهم تجاه أنفسهم وأكثر سعادة فى زواجهم، وتعلق د. عائشة حسن، المستشارة السلوكية والتربوية، على ذلك مشيرة إلى أنه للأسف الشديد لاتزال مجتمعاتنا تعانى من اعتقاد سائد بأن الأعمال المنزلية هى مسئولية المرأة فقط، رغم ما أثبتته الدراسات والتجارب الواقعية من أن مشاركة الزوج فى هذه الأعمال لا تخفف فقط من الأعباء عن الزوجة، بل تسهم أيضًا فى تعزيز الروابط الأسرية وخلق جو صحى ومحترم داخل البيت. مؤكدة أن المشاركة الزوجية تُحدث فارقًا كبيرًا فى العلاقة بين الطرفين، إذ تخلق شعورًا بالسعادة والمساواة والدعم، وتقلل من الإحساس بالإجهاد أو الظلم لدى الزوجة، ما يؤدى بدوره إلى زيادة مشاعر الحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، كما تنخفض وتيرة المشاحنات اليومية الناتجة عن ضغوط الحياة عندما يشعر كل طرف أن الآخر يشاركه المسئوليات ويتفهم حجم ما يقوم به.. وتشير إلى أن قيام الأب بأدوار مثل الطهى أو التنظيف أو الاهتمام بالأبناء يساهم فى كسر الصور النمطية عن كون هذه المهام «نسائية فقط»، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تغيير المفاهيم المجتمعية المتجذرة، كما ترى أن الأعمال المنزلية قد تكون فرصة مثالية للحوار والتواصل بين الزوجين، حيث يمكن من خلالها تبادل الحديث ومشاركة تفاصيل اليوم، ما يعزز العلاقة ويقوى أواصر القرب والحميمية بينهما. رسائل غير مباشرة وتوضح د. عائشة أن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل الوعى المجتمعي،لذا يجب الاهتمام بتقديم أعمال درامية تقدم رسائل غير مباشرة حول هذا الأمر، فهذه الرسائل تساعد الأم فى غرس مفهوم التشاركية لدى الأبناء، وتدفع الوالدين إلى التفاهم والاتفاق على إظهار هذا النموذج التربوى أمام أطفالهم، مما يجعلهم قدوة حقيقية، ويساهم فى ترسيخ القيم وخلق جيل واع بالتربية السليمة، لا مجرد رعاية روتينية. وفيما يتعلق بالأزواج الذين يعانون من غياب المشاركة، تشير إلى ضرورة فهم منظومة الزواج من الأساس، مؤكدة على أهمية أن تختار المرأة شريك حياة مناسبًا يحمل نفس القيم والرؤية، ويكون قادرًا على ممارسة دوره كأب وشريك حقيقي، كما تشدد على أهمية وجود اتفاقيات مسبقة قبل الزواج حول تقسيم الأدوار، بحيث يتم توزيع المهام بطريقة مرنة وتوافقية، دون نقد أو إجبار أو مقارنات، ما يضمن استمرار العلاقة بروح من التعاون والتفاهم. مرآة نضج ومن جانبه، يشير د. إسلام الحسيني، إخصائى الطب النفسي، إلى أن «الزواج شراكة، لا إدارة منفردة»، وعلى الرغم من أن هذه العبارة قد تبدو مألوفة، لكنها تختصر جوهر العلاقة بين الزوجين، فالحياة الزوجية الناجحة لا تقوم فقط على العواطف أو الواجبات المحددة سلفًا، بل على روح التفاهم والمشاركة، لتمتد إلى اتخاذ القرارات اليومية، وتحمل مسئوليات الأبناء، ومواجهة تحديات الحياة جنبًا إلى جنب. ورغم التحولات التى شهدها المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة، خصوصًا على مستوى التعليم وخروج المرأة لسوق العمل، إلا أن عددًا كبيرًا من النساء مازلن يعانين من غياب الدعم النفسى والعملى من أزواجهن، وبعض الرجال دون وعى منهم، مازالوا يتمسكون بصور نمطية قديمة عن دور المرأة والرجل فى البيت، يرون فيها الرجل هو «المعيل» فقط، والمرأة المسئولة الوحيدة عن تفاصيل المنزل والأبناء، هذه التصورات لا تنبع دومًا من قسوة أو رغبة فى تحميل المرأة ما لا تحتمل، بقدر ما هى انعكاس لتنشئة اجتماعية قائمة على أدوار جامدة ومتوارثة. هذا فضلا عن أن غياب المشاركة الفعلية داخل البيت يُشعر المرأة بالوحدة والإنهاك العاطفي، وهذا الإحساس لا يظهر فجأة، بل يتسلل تدريجيًا نتيجة تراكم التفاصيل اليومية الصغيرة التى تغيب عنها روح التعاون، قد تشعر المرأة بأنها تحارب وحدها فى ميدان الحياة، بينما شريكها غائب عن الساحة، حتى لو كان موجودًا جسديًا. من واقع الحياة ومن على أرض الواقع، يسرد الحسينى أنه فى إحدى الجلسات العلاجية، عبرت سيدة عن هذا الشعور قائلة: «لا أطلب من جوزى أن يغسل الأطباق، بل فقط أن يشعرنى بأن البيت بيته وأبناؤنا مسئوليتنا معًا»، هذه الكلمات البسيطة تلخص إحساسًا متكررًا لدى كثير من النساء، من مختلف الطبقات الاجتماعية. بينما تتحدث سيدة أخرى: «عندما يمرض أحد أطفالنا، أشعر أننى وحدى فى المعركة، هو يسأل من بعيد، لكنه لا يسهر، لا يقلق، لا يحمل عنى جزءًا من الإرهاق». حتى النساء العاملات، اللواتى يبذلن جهدًا مضاعفًا داخل وخارج المنزل، لا يسلمن من هذا التهميش، تروى طبيبة شابة قائلة: «أعود من عملى منهكة، لأجد كل شيء بانتظاري، ولا أحد يرى أننى أيضًا إنسانة تحتاج من يحتويها»، هذا النوع من الإرهاق النفسى لا يتعلق فقط بتقسيم المهام، بل بعدم الشعور بالتقدير والمساندة، وهو ما قد يؤدى إلى فتور العلاقة وربما انهيارها على المدى البعيد. نماذج إيجابية لكن رغم هذا الواقع الصعب، هناك نماذج إيجابية تستحق أن تُروى، فهناك أزواج فهموا أن الزواج لا يعنى فقط توفير المال أو اتخاذ القرارات الكبرى، بل أيضًا الحضور اليومى والمشاركة الفعلية فى تفاصيل الحياة، فيقول أحد الأزواج فى جلسة حوارية: «من أول يوم زواج وانا قررت مشاركة زوجتى فى جميع مهام البيت وإدارته معا وألا يكون عبئا على فرد وحده وكان ذلك سر السعادة التى تتواجد دائما فى منزلنا». ويعلق الحسينى على ذلك بأن الرجل صاحب هذه العقلية المستنيرة يستطيع أن ينشئ جيلا سويا قادرا على أن يحيا حياة صحية متوازنة ويصبح لديه القدرة على مواجهة التحديات، فالطفل الذى يرى والده يشارك والدته سيشب وهو يعتبر هذه المشاركة أمرًا طبيعيًا لا تنتقص من رجولته، والبنت التى ترى والدتها تُحترم وتُستشار فى القرارات، ستنمو وهى تتوقع علاقة قائمة على المساواة والاحترام المتبادل، لا التبعية. القوامة والسكن وفى هذا الصدد، تتحدث حنان عمران، واعظة بالأزهر الشريف، عن أن الشرع يؤكد أن الحياة الزوجية ميثاق غليظ كما وصفها الله عز وجل فى كتابه العزيز(وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)؛ لذلك وضع الشرع مجموعة من الحقوق والواجبات للحياة الزوجية لو التزم بها الطرفان فإنهما يصلان لبر الأمان، فوكل الشرع للزوج مهمة القوامة والتى تعنى القيام على شئون أسرته ورعايتهم، وكذلك العمل خارج المنزل لتوفير النفقات اللازمة لهم (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ). ووكل للمرأة مهمة السكن، وتربية الأبناء، وإدارة المنزل، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وهنا نلحظ أن المهام التى وكلها الله للطرفين تتناسب مع طبيعة وتكوين كل واحد منهما فيكون النتاج هو أسرة متكاملة، يتعاون أفرادها على أن كل فرد فيها واجباته دون تقصير. ولو تتبعنا الهدى النبوى فى تعامل النبى فى بيته مع زوجاته وأبنائه فكان صلى الله عليه وسلم يعاون زوجاته فى أعمال المنزل كما قالت السيدة عائشة عندما سُئِلت: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعمَلُ فى بيتِه ؟ قالت: كان يَخيطُ ثوبَه ويخصِفُ نعلَه ويعمَلُ ما يعمَلُ الرِّجالُ فى بيوتِهم. كما كان صلى الله عليه وسلم يشاور زوجاته ويأخذ برأيهن لو كان صائبًا كما حدث يوم الحديبية وأخذه بمشورة السيدة أم سلمة رضى الله عنها، حيث قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحَابِهِ:( قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، قالَ: فَوَاللَّهِ ما قَامَ منهمْ رَجُلٌ حتَّى قالَ ذلكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ منهمْ أحَدٌ دَخَلَ علَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا ما لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أتُحِبُّ ذلكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا). وعلى ذلك فإن المشاركة بين الزوجين تخلق بينهما نوعا من الترابط الحسى والمعنوى وهو ينكعس إيجابا على علاقتهما الزوجية وكذلك على أبنائهما، ومن أهم عناصر المشاركة بين الزوجين هى المشاركة فى تربية الأبناء، فمن الأخطاء الجسيمة أن يتحملها طرف دون الآخر؛ لما لذلك من تبعات فى المستقبل، فكل من الأب والأم له بصمته فى شخصية أبنائه لا يقوم بها أحد نيابة عنه حتى لو كانت الأم لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث (والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسئولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهى مسئولةٌ عنهم).