لا ينبغى أن ننظر للسلم المجتمعي من جانب المستأجرين، ونتجاهله من جانب الملاك، فالسلم المجتمعى لن يتحقق الا باحترام حقوق الطرفين. أتمنى ان يتم حسم قانون الايجار القديم هذه المرة، وألا يتم ترحيل المشكلة، كما يحدث منذ عشرات السنين، حيث يتم تجاهل تعديل قانون خطير صدر فى ظروف مختلفة، حيث كانت الشقق لا تجد من يستأجرها، كان عدد المصريين 20 مليونا، والمعروض يفوق المطلوب، وكانت الجنيهات القليلة التى يحصل عليها «صاحب العمارة» من ايجار الشقق تجعله من كبار الأثرياء.. والحقيقة ان كلا من المالك والمستأجر «معذور»، ولن يمكن تحقيق العدل المطلق مهما حاولنا لأن استمرار تجاهل الوضع طوال هذه السنوات كان خطأ كبيرا.. وربما تتضح الصورة أكثر إذا تتبعنا رحلة قانون الايجارات القديم، ففى عام 1941-صدر قانون يمنع المالك من رفع قيمة الإيجار أو طرد المستأجر، بسبب ظروف الحرب وقتها، ومع بداية الستينيات صدرت سلسلة متتالية من التخفيضات على القيمة الإيجارية لجميع الأماكن السكنية وغير السكنية، كان ابرزها صدور القانون رقم 7 لسنة 1965 لتخفيض الإيجارات بنسبة 35 %. وهو الوضع الذى قلب الصورة، وتحول معه اصحاب العمارات من كبار الاثرياء إلى مظاليم مكتوفى الأيدى تجاه املاكهم، فالعقود ممتدة الى الابد، والايجار ثابت الى ما لا نهاية، رغم أنه لا توجد سلعة فى الدنيا يتم تثبيت سعرها على مدى اكثر من ستين عاما، بل تشهد ايضا عدة تخفيضات، وكأن العجلة تدور بالملاك ضد حركة المجتمع، وارتفاع الاسعار، والتضخم ، وزيادة السكان. وفى عام 1996 صدر قانون الإيجار الجديد رقم 4، والذى أطلق حرية التعاقد بين المالك والمستأجر فيما يخص «القيمة الإيجارية ومدة العقد»، وأصبح العقد شريعة المتعاقدين، ولكن المشكلة أن هذا القانون يسرى على جميع العقود التى تحرر بعد إصداره فى يناير 1996، بينما بقيت مشكلة عقود الإيجار القديم دون حل! ورغم الظلم الواقع على الملاك، فالمستأجرون أيضا معهم العذر، فالسكن هو المأوى والحماية، ومعظم المستأجرين-وليسوا جميعهم-لا يملكون القدرة على شراء سكن بديل بنفس المواصفات، ونسبة كبيرة ايضا تعجز عن شراء اى مسكن آخر، ولو بمواصفات أقل فى ظل الارتفاع الرهيب فى اسعار العقارات. القضية معقدة، لكن الحلول ليست مستحيلة. المشكلة فى رأيى أن القضية تثار دائما فى شكل خناقة بين الملاك والمستأجرين، يزيد من سخونتها ممثلو الطرفين، الذين لا يطرحون حلولا حقيقية تقترب من العدل، بل يسعى كل منهم لتحويل الطرف الذى يمثله إلى مجنى عليه، واتهام الطرف الآخر بالجشع والطمع، وتهديد السلم المجتمعى! أتصور ان هذه المشكلة يجب دراستها بأسرع وقت من لجنة محايدة صغيرة العدد، يتم اختيار افرادها بعناية، وبشرط ان يكون اصحابها محايدين تماما، ليسوا ملاكا ولا مستأجرين، ولا ممثلين لهم، لأنه ثبت بالفعل أن المصلحة الشخصية تفرض نفسها دائما فى هذه القضية.. اتصور ايضا ان حدود الامتداد القانونى يجب ان تتوقف على الزوج والزوجة والابناء غير المتزوجين الذين يعيشون داخل الوحدة، ولا تمتد اطلاقا لأى انساب أخرى حتى وإن أقاموا داخل الوحدة مع صاحبها الأصلى. وأتصور كذلك ضرورة رفع الايجار بنسب متفاوتة تراعى الى حد ما طبيعة المنطقة، وبما يحقق صورة اقرب الى العدل بين الطرفين.. وأن يكون لمستأجر الوحدة الاولوية والشفعة فى حال رغبته فى شراء الوحدة، اذا اراد المالك بيعها. والحقيقة اننى اندهش كثيرا ممن يرون ان الملاك لا حقوق لهم لأنهم ورثة، وهى رؤية ضد شرع الله، فكثير من الاراضى والمحلات والعقارات والاموال آلت لأصحابها بالوراثة، ومن حقهم الاستفادة بما شرعه الله. وفى النهاية، فإننا لا ينبغى أن ننظر للسلم المجتمعى من جانب المستأجرين، ونتجاهله من جانب الملاك، فالسلم المجتمعى لن يتحقق الا باحترام حقوق الطرفين.