مفهوم الوحدة يمنح الإنسان شعورًا بالطمأنينة، وليت المسلمين يطبقون هذه الوحدة عمليًا فى ظاهرهم وباطنهم. أعتقد أن جميع الأزمات التى يواجهها العالم الإسلامى تنبع من افتقاد وحدة القلوب.. رغم الأمر الصريح فى القرآن، نجد بعضهم يبحث عن مبررات للخلاف، بدلًا من إحسان الظن ببعضهم البعض.. قضية مهمة يؤكد عليها الشيخ سعيد مكرم عبد القادر زاده رئيس مجلس علماء طاجيكستان، ويتطرق فى حواره إلى جهود مجلس حكماء المسلمين فى تعزيز قيم التعايش والتعاون دينيا وعالميا، ولا يغفل عن أهمية تطوير أدوات الفتوى باعتبار ذلك واجبا لتقديم خطاب دينى متزن يخاطب العقول. اقرأ أيضًا | تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو قضية فلسطين ليست مجرد شأن يخص الفلسطينيين وحدهم، بل هى قضية تهم مليارى مسلم، خاصة بعد أحداث غزة التى أسفرت عن ظهور مخططات للتهجير والتشريد. كيف تقيمون احتجاجات الشعوب العربية والإسلامية ضد هذه المخططات؟ - لم يقتصر رد الفعل على الشعوب العربية والإسلامية فحسب، بل تفاعل معه الناس من مختلف مؤسسات المجتمع البشري، بغض النظر عن معتقداتهم، مع هذه القضية الملتهبة. لقد وقفت دولتنا إلى جانب الفلسطينيين فى محنتهم، لأن التعاطف مع المنكوبين رسالة إنسانية سامية. لقد أدان رئيس جمهورية طاجيكستان هذه الفوضى عبر منابر المنظمات الدولية الكبرى، ودعا المجتمع الدولى إلى الإسراع فى استعادة الاستقرار فى فلسطين. ومع ذلك، فإن هذا الوضع بالغ التعقيد ومليء بالتحديات، بحيث لا يمكن إنهاء إراقة الدماء والصراع بمجرد رفع الأصوات أو إصدار قرارات أممية. إن استقرار الشرق الأوسط لا يعتمد فقط على إرادة دول المنطقة أو الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل يتطلب دورًا فعالًا من كل الدول. الحل العادل لهذه القضية يكمن فى تأسيس دولتين مستقلتين فى هذه المنطقة إحداهما إسرائيل والأخرى فلسطين. وقد صدرت قرارات عن الأممالمتحدة بهذا الشأن، غير أن تدخل بعض الدول التى تسعى لتحقيق مصالحها الجيوسياسية يعقد مسار السلام ويهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة. وحدة المسلمين فريضة وأمر إلهي، وهى أشد وجوبًا فى عالم لا يعترف إلا بلغة القوة - إلا أن يشاء الله رحمة. كيف يمكن تحقيق هذا الاتحاد عمليًا؟ -صدقتم، إن وحدة المسلمين، كما ذكرتم، فريضة وأمر إلهي، ولا ينبغى أن ننسى أن كرامة الإنسان فى الشريعة لها قيمة عليا. فالله لا يحب الظلم، وسيعاقب الظالمين على أفعالهم. لذا، ينبغى على المسلمين الالتزام بتعاليم الشريعة فى حياتهم الفردية والاجتماعية. إن مفهوم الوحدة يمنح الإنسان شعورًا بالطمأنينة، وليت المسلمين يطبقون هذه الوحدة عمليًا فى ظاهرهم وباطنهم. أعتقد أن جميع الأزمات التى يواجهها العالم الإسلامى تنبع من افتقاد وحدة القلوب. وبكلمات أبسط، إنه رغم الأمر الصريح فى القرآن بوجوب الوحدة نجد بعضهم يبحث عن مبررات للخلاف، بدلًا من إحسان الظن ببعضهم البعض. ولإزالة العنف والنزاعات المذهبية، ينبغى أن تساهم الدول الإسلامية، وخاصة منظمة التعاون الإسلامى والمؤسسات والهيئات الإسلامية الدولية، خاصة الأزهر الشريف فى تحقيق هذا الهدف. ولكن، للأسف، لا نرى جهودًا كافية فى هذا الاتجاه. تعانى المجتمعات الإسلامية من الخلافات المذهبية، وقد دفعت ثمن هذا التفرق بوضوح. برأيكم، كيف يمكن منع مخاطر هذا الانقسام؟ -أصبتم فى قولكم، فهذه النزاعات المذهبية ليست ظاهرة جديدة، فمنذ نشأة المذاهب برزت معها الخلافات والمنافسات. ومع ذلك، لا ينبغى أن ننسى أن أئمة المذاهب تعاملوا مع بعضهم البعض باحترام وأخلاق إسلامية سامية. أما التفرقة، فقد نشأت بين بعض الأتباع. الطريقة الوحيدة للحد من هذه المخاطر هى التحلى بالإنصاف والعدل، إذا كان الهدف الحقيقى هو رضا الله ورسوله. فى ظل الظروف الحالية، لا خيار أمام المسلمين خصوصا العلماء والمفتيين والمفكرين جهدا كبيرا متتاليا والمسلمين عامة سوى العودة إلى الله بالدعاء والإخلاص. فإذا استجاب الله لدعواتهم، فلن يكون هناك مجال للخلاف والفرقة بينهم، بل ستعود المحبة والوحدة إلى الأمة الإسلامية. الأزهر الشريف له دور كبير ومشهود فى نشر مبادئ الحكمة والتعاون والتسامح. كيف ترون ذلك؟ - الأزهر الشريف من أعرق وأهم المؤسسات التعليمية والدينية فى العالم الإسلامي، وله دور بارز فى نشر الحكمة وتعزيز التعاون وترسيخ قيم التسامح بين الأديان والثقافات. فمنذ تأسيسه فى القرن العاشر الميلادي، حرص على نشر العلم والمعرفة فى مختلف أنحاء العالم، وسعى جاهدًا لتعزيز التعايش السلمى بين الشعوب على اختلاف معتقداتها.و شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، يعد من أبرز الشخصيات الدينية التى تولى اهتمامًا كبيرًا بنشر رسائل الحكمة والتسامح. فقد دعا مرارًا إلى نبذ التطرف والعنف، مؤكدًا أن الإسلام دين يدعو إلى السلام والتعايش بين البشر.والأزهر يلعب دورًا محوريًا فى نشر العقيدة الصحيحة، وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة، وتعزيز مبادئ التسامح بين أتباع الديانات السماوية. ونحن نؤيد هذا النهج الدينى والثقافي، وندعم الجهود التى يبذلها الأزهر فى هذا الإطار. للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم دور مهم لدعم الاستقرار والسلام الوطنى والدولي. كيف تقيّمون هذه التجربة؟ يقوم الدين الإسلامى على أسس القرآن والسنة، والفتاوى التى تصدرها المؤسسات الإسلامية العالمية تهدف إلى تحقيق الخير للبشرية. فالإسلام يحذر أتباعه من التطرف ويدعو إلى الاعتدال والوسطية ونبذ الغلو فى الدين.والتطرف ليس حكرًا على المسلمين وحدهم، فقد أصبح ظاهرة عالمية لا يمكن إنكارها. ولذلك، فإن محاربته تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الدينية والهيئات الإفتائية، من أجل نشر الفكر الصحيح والتوعية بالمفاهيم الإسلامية المعتدلة. وجمهورية طاجيكستان جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي، ولها علاقات قوية مع الهيئات الدينية والإفتائية المعترف بها عالميًا، كما أنها تقبل الفتاوى الصادرة عنها، وتحرص على الالتزام بما يتوافق مع تعاليم الإسلام الصحيحة. أما المركز الإسلامى لجمهورية طاجيكستان، فهو يسعى لمواكبة متطلبات العصر، وله دور بارز فى دعم الجهود الدينية المعتدلة. فقد أصدر العديد من البيانات، ونظم مؤتمرات ولقاءات إعلامية، إضافة إلى البث المباشر عبر الإذاعة والتلفزيون، بهدف نشر الوعى الدينى والتصدى للأفكار المتطرفة. وفى إطار تعزيز التواصل مع المجتمع، وبدعم من الحكومة، أطلق المركز الإسلامى قناة خاصة على منصة يوتيوب، حيث يمكن للمواطنين، بل وحتى الأفراد خارج البلاد، الحصول على إجابات دقيقة عن استفساراتهم الدينية، مما يسهم فى نشر الفهم الصحيح للإسلام. حدثونا عن أحوال المسلمين فى طاجيكستان. ما هى أهم القضايا والمشاكل، إن وجدت؟ المشكلات موجودة فى كل مجتمع، بغض النظر عن نظام الحكم أو الظروف الاجتماعية. تسعى كل دولة إلى توفير حياة كريمة لمواطنيها، لكن الوصول إلى المثالية فى هذا الجانب ليس بالأمر السهل. لذلك، فإن الأولوية يجب أن تكون للحفاظ على الأمن والاستقرار، لأنهما أساس كل تنمية وازدهار، بل وحتى أساس ممارسة الشعائر الدينية بحرية وطمأنينة. للأسف، هناك من يسعى إلى استغلال ضعف الشباب المسلم، وتوجيههم نحو مسارات منحرفة تتعارض مع تعاليم الإسلام السمحة. بعض الجهات المغرضة تحاول تشويه صورة الدين عبر تجنيد الشباب فى أنشطة تخريبية، ونشر أفكار مغلوطة عن الجهاد والعقيدة. وكما نرى اليوم، فإن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى تعج بمشاهد مروعة، مثل قتل الأبرياء وحتى الاعتداء على الوالدين، فى مشاهد تتنافى تمامًا مع تعاليم الإسلام، بل ومع القيم الإنسانية جمعاء. وهذه الظواهر تتطلب جهودًا مكثفة فى مجال التوعية الدينية، لإعادة الشباب إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التى تقوم على الرحمة والتسامح ونبذ العنف. كما أن المؤسسات الدينية والتعليمية تتحمل مسؤولية كبرى فى هذا الجانب، من خلال نشر المعرفة الصحيحة، وقطع الطريق على الأفكار المتطرفة التى تسعى إلى تدمير المجتمعات من الداخل. يبذل مجلس حكماء المسلمين فى العالم جهودًا كبيرة لبناء مجتمع عالمى قائم على الاحترام المتبادل والتفاهم. كيف تقيّمون دور هذا المجلس، وما هى رؤيتكم لتطوير عمله؟ مجلس حكماء المسلمين فى العالم يؤدى دورًا مهمًا فى تعزيز قيم التعايش والاحترام المتبادل بين أتباع المذاهب الإسلامية. إن جهود هذا المجلس تسهم فى توحيد الرؤى الإسلامية وتقوية العلاقات بين الشعوب المسلمة، مما يساعد فى نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين مختلف المجتمعات. أما من حيث تطوير عمله، فأرى أن تعزيز الوعى بالقيم الإسلامية السمحة بين المسلمين، ودعم التعاون بين المؤسسات الدينية والتعليمية، سيعزز من تأثير المجلس. كما أن نشر مفاهيم الوسطية والاعتدال عبر الوسائل الإعلامية والتعليمية سيسهم فى تحقيق أهدافه. ولا ينبغى أن تقتصر هذه الجهود على القيادات الدينية والسياسية فحسب، بل يجب أن تمتد إلى جميع المسلمين، ليصبح كل فرد سفيرًا مسؤولا لقيم الإسلام فى سلوكه وتعاملاته اليومية. مواجهة الإلحاد والتطرف تتطلب من العلماء والمؤسسات الدينية تجديد وتطوير أدوات الفتوى لمواجهة الخطابات الإلحادية. ما رأيكم فى هذا الأمر؟ - الإلحاد والتطرف ظاهرتان متناقضتان، ولكنهما يشتركان فى كونهما انحرافًا عن الفطرة السليمة والتوجيه الصحيح. الإسلام دين يقوم على الإقناع بالحجة والمنطق، ولذلك فإن مواجهة هذه الظواهر يجب أن تعتمد على نشر العلم الشرعى الصحيح، وتوضيح المفاهيم الدينية بأسلوب عقلانى ومقنع. تطوير أدوات الفتوى أصبح ضرورة فى عصرنا الحالي، وينبغى أن يتم ذلك من خلال استخدام وسائل الإعلام الحديثة والتقنيات الرقمية، مع التركيز على تقديم خطاب دينى متزن يخاطب العقول بوضوح، ويزيل الشبهات التى يثيرها الإلحاد والتطرف على حد سواء. كما يجب أن يكون هناك تفاعل مستمر بين العلماء والمجتمع، حتى تكون الفتوى قريبة من واقع الناس وتتناسب مع تحديات العصر. أصبح الذكاء الاصطناعى متداخلًا فى جميع المجالات، بما فى ذلك الإفتاء. ما رأيكم فى استخدامه، وما هى التحذيرات أو القواعد التى يجب مراعاتها فى هذا المجال الجديد؟ - الذكاء الاصطناعى أصبح جزءًا لا يتجزأ من مختلف جوانب الحياة، بما فى ذلك المجال الديني. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد عليه بشكل مطلق فى الإفتاء، لأن الفتوى تحتاج إلى اجتهاد بشرى يعتمد على فهم الواقع، والنظر فى مقاصد الشريعة، ومراعاة الظروف المختلفة لكل حالة. يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعى فى تنظيم الفتاوى وتصنيفها وتسهيل الوصول إليها، لكنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن العلماء المؤهلين. الفتوى ليست مجرد استخراج حكم فقهى بناءً على نصوص جامدة، بل تحتاج إلى وعى بواقع الناس وأحوالهم، وهو ما لا يمكن للذكاء الاصطناعى استيعابه بالكامل.لذلك، ينبغى أن يكون الذكاء الاصطناعى أداة مساعدة للعلماء، وليس مصدرًا مستقلًا للفتوى، حتى لا يؤدى استخدامه العشوائى إلى انحرافات أو أخطاء قد تؤثر على المفاهيم الدينية الصحيحة.