من قلب المتحف البريطاني بلندن، تطل علينا إحدى روائع فنون النحت المصري القديم، لوحة حجرية من الحجر الجيري تنتمي لعصر الأسرة الثامنة عشرة، تخلّد طقوسًا دينية ومظاهر الولاء الملكي والروحي. اللوحة تخص شخصًا يُدعى "خع"، كان مسؤولًا عن شعائر تقديس الملكة "أحمس نفرتاري" في دير المدينة، وتُعد شاهدًا بصريًا غنيًا يبرز عمق العقيدة وأهمية الطقوس التعبدية في مصر القديمة. تفاصيل اللوحة ومكانتها الأثرية تعرض اللوحة مشهدًا متكاملًا يتوزع على مستويين. الجزء العلوي يُظهر الملك "تحوتمس الرابع" واقفًا على الجانب الأيمن، وهو يؤدي طقس التبخير وتقديم باقة من الزهور كنوع من التقديس لمعبود الدولة "آمون رع" وزوجته الإلهية المؤلّهة الملكة "أحمس نفرتاري". أما الجزء السفلي، فيُظهر صاحب اللوحة "خع" في وضع تعبدي خاشع، جالسًا أو راكعًا أمام مجموعة من النصوص التي تمثل تراتيل وابتهالات موجهة للملكة المقدسة. اقرأ أيضا | أصل الحكاية| «حصن بابليون» رمز للتعايش والتاريخ الملكة "أحمس نفرتاري".. حضور استثنائي بلون رمزي ما يميز تصوير الملكة "أحمس نفرتاري" في هذه اللوحة هو لون بشرتها البنية، وهو استثناء عن اللون الأسود الذي شاع تصويرها به كتشبيه رمزي بالإله "أوزير" إله البعث. هذا الاختلاف قد يشير إلى محاولة إضفاء طابع دنيوي أكثر على المشهد، أو الإشارة إلى علاقة مزدوجة تجمع بين القدسية والواقع الملكي. تحوتمس الرابع: الملك الكاهن في اللوحة، يظهر "تحوتمس الرابع" ليس كملك فقط، بل ككاهن يؤدي الطقوس بنفسه، وهو أمر يعكس دور الملوك في مصر القديمة بوصفهم وسطاء بين البشر والآلهة، وأمناء على حفظ النظام الكوني (الماعت). خع: خادم الطقوس ومُخلّد الذكر صاحب اللوحة "خع" هو أحد كبار الموظفين في دير المدينة، وكان مُكلفًا بخدمة الملكة المؤلّهة "أحمس نفرتاري". يظهر في المشهد السفلي متعبدًا بوقار، وأمامه تراتيل محفورة تؤكد إخلاصه وحرصه على أداء الشعائر على أكمل وجه، ما يعكس مكانته الرفيعة في المجتمع الديني آنذاك. الوظيفة الرمزية للوحة تُعد هذه اللوحة نموذجًا لفن النقش الطقسي الذي يخلّد العلاقة بين الملك، والآلهة، ورجال الدين، فهي ليست فقط عملًا فنيًا، بل وثيقة دينية وسياسية تعبّر عن التراتبية المقدسة، ودور الأفراد في خدمة النظام الإلهي المرتبط بالملوك والآلهة. اقرأ أيضا | أصل الحكاية| الأرواح تتلاقى .. رؤية للحياة بعد الموت في «بردية أني»