بعد بداية باهتة لعلاقات الولاياتالمتحدة مع القارة الإفريقية فى ولايته الأولى، يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد بدأ يُدرك الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى لإفريقيا فى ولايته الثانية. ففى مئة يوم فقط، تحركت الإدارة الأمريكية بسرعة لتصحيح المسار وإعادة رسم خريطة المصالح الأمريكية فى القارة السمراء، مستندة إلى مبدأ البراجماتية الاقتصادية والبحث عن البدائل فى ظل اشتداد الحرب التجارية مع الصين. اقرأ أيضًا | غليان فى أوروبا والصين ترد ب34٪ رسوم.. والاقتصاد العالمى يدفع الثمن خلال السنوات الأربع الأولى من حكم ترامب، وُصفت علاقاته مع إفريقيا بأنها باهتة ومحدودة، واقتصرت فى معظمها على ملفات مكافحة الإرهاب وبعض المبادرات الاقتصادية المتواضعة، مثل «ازدهار إفريقيا» «Prosper Africa». كما أثارت تصريحات ترامب المسيئة لبعض الدول الإفريقية موجة من الانتقادات وأدت إلى تراجع مستوى العلاقات الدبلوماسية. إلا أن تغيرًا لافتًا طرأ مع بداية الولاية الثانية، إذ أعادت الإدارة الأمريكية تقييم الموقف الإفريقى ضمن سياق دولى متغير، تقوده الحرب التجارية مع الصين والتنافس مع روسيا. فالصين، التى تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة، بدأت بفرض قيود على تصدير بعضها إلى الولاياتالمتحدة، ما دفع الأخيرة للبحث عن بدائل مستدامة وآمنة، ووجدت ضالتها فى إفريقيا الغنية بالمعادن النفيسة، مثل الكوبالت والكولتان والذهب. وتقول د. غادة فؤاد مديرة المركز الافريقى للأبحاث والدراسات الاستراتيجية «اكريس» أنه من الواضح أن التوجه الجديد لإدارة ترامب نحو إفريقيا يرتبط بشكل وثيق بالتنافس مع الصين، التى تسيطر شركاتها بالفعل على عدد كبير من المناجم ومواقع إنتاج المعادن الاستراتيجية فى إفريقيا. ففى عام 2020، استحوذت شركة الموليبدينوم الصينية على أصول شركة التعدين الأمريكية «فريبورت ماكموران» فى الكونغو، وهو ما منح بكين نفوذًا واسعًا فى سوق الكوبالت. وتضيف أنه لذلك تسعى إدارة ترامب حاليًا إلى استعادة هذا النفوذ عبر صفقات جديدة، خاصة فى دول مثل الكونغو ورواندا، وهو ما قد يؤدى إلى تصدير الصراع التجارى الأمريكى الصينى إلى إفريقيا، وفقًا لتحذيرات الخبراء. وتشير د. غادة فؤاد إلى أنه فى هذه الفترة القصيرة، بدأ ترامب بتحركات ميدانية وعملية، أبرزها التوسط بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا لاحتواء الصراع المسلح فى إقليم شمال كيفو، الغنى بالثروات المعدنية. وتُشير تقارير إلى أن واشنطن تسعى من خلال هذه الوساطة إلى ضمان الوصول إلى المعادن النادرة مقابل تقديم ضمانات أمنية واستثمارية لهذه الدول، وهو ما وصفه البعض بسياسة «المعادن مقابل الأمان». فرص وتحديات فى ظل الواقع الإفريقى من جانبه يرى الدكتور عدلى سعداوى، العميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل، أن القارة الإفريقية تُعد هدفًا استراتيجيًا لأى قوة عالمية، نظرًا لامتلاكها 60٪ من الأراضى القابلة للزراعة، و80٪ من احتياطيات الكولتان، و60٪ من الكوبالت، و40٪ من الذهب. وأضاف أن إفريقيا ليست فقط خزانًا للموارد، بل أيضًا سوقًا ناشئة يقطنها 1.4 مليار نسمة، نصفهم من الشباب. من خلال مراقبة السياسات الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية تحت إدارة ترامب الثانية أولها تعزيز الشراكة الاقتصادية عبر توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول الغنية بالموارد وخلق بيئة استثمارية آمنة للشركات الأمريكية وكذلك تمدد التنافس الجيوسياسى: إذ من المرجح أن تستمر واشنطن فى توسيع نفوذها على حساب الصينوروسيا، ما قد يُشعل صراعات بالوكالة فى بعض المناطق الغنية بالثروات.. ويضيف د سعداوى أن من ضمن السيناريوهات التركيز على الأمن الإقليمى لا سيما فى مناطق التوتر مثل القرن الإفريقى، وملفات سد النهضة، وأزمات السودان والصومال.. وكذاك تراجع الدعم التنموى فى ظل توجه الإدارة لتقليص المساعدات الخارجية، مما قد يؤثر سلبًا على الملفات الصحية والتعليمية والإنسانية.