يُحتفل في الأول من مايو من كل عام، بيوم العمال العالمي، الذي يُعد مناسبة لتكريم الجهود الجبّارة التي يبذلها العمال في بناء المجتمعات ونهضتها. ومن هذا المنطلق، يجدر بنا أن نلقي الضوء على الطبقة العاملة في الحضارات القديمة، التي ساهمت في ترسيخ أسس التقدم البشري، ومن بينها مملكة كوش، التي كان للعمال فيها 7ع766 جوهري في صياغة ملامح حضارتها المزدهرة، لا سيّما في مجالات الزراعة والصناعات الحرفية. العمال في كوش: العمود الفقري للحضارة في مملكة كوش القديمة، لم تكن الطبقة العاملة مجرد شريحة مهمّشة، بل كانت أساسًا حيويًا في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، وتنوعت مهامهم ما بين الزراعة والحرف اليدوية، مثل صناعة الفخار، التي تطلّبت مهارات فنية دقيقة وصبراً متقناً، ما جعلهم شركاء فعليين في مسيرة الحضارة الكوشية. خبير آثار يرصد الدور المصري لاستكشاف منابع النيل صناعة الفخار: فن ومهنة وحياة لعب الحرفيون الكوشيون دورًا بالغ الأهمية في صناعة الفخار اليدوي، إذ لم تقتصر منتجاتهم على الاستخدامات المنزلية كالطهي والتخزين والشرب، بل تجاوزتها إلى أداء الطقوس الدينية. وقد أظهرت هذه الصناعة تطوراً ملحوظاً يعكس تفاعل كوش مع الثقافات المجاورة، خاصة المصرية واليونانية، حيث تأثرت أنماط الزخرفة والأشكال بتلك الحضارات. معرض الشاهد الحضاري في متحف النوبة يعرض متحف النوبة نموذجًا رائعًا للفخار الكوشي يتمثل في "قِدر مزين بسفن ذات مجاديف"، عُثر عليه في منطقة الدكة جنوبأسوان. يُعد هذا القدر من القطع الأثرية الفريدة التي تعود إلى فترة حضارة نقادة الثانية (3500–3200 ق.م)، ويبرهن على امتداد الثقافة المادية على طول مجرى النيل شمالًا حتى الدلتا وجنوبًا حتى الجندل الأول. يعكس هذا النموذج براعة العمال الكوشيين في توظيف مهاراتهم لخدمة الحياة اليومية والطقوس الروحية. تأثير حضارة نقادة على كوش من خلال التشابه في الأنماط الفنية وأساليب الصناعة، يتضح أن حضارة نقادة أثرت بشكل مباشر في مملكة كوش، خصوصًا في جنوب النوبة. وتشير الأدلة الأثرية إلى انتقال المهارات والتقنيات الحرفية، ما يعزز فكرة التواصل الحضاري بين وادي النيل وشعوب النوبة القديمة، وإنّ الطبقة العاملة في مملكة كوش كانت لبنة أساسية في صرح الحضارة، وأسهمت بإبداعها في إثراء التراث الإنساني. وفي يوم العمال العالمي، من الواجب أن نتذكر هؤلاء العمال الأوائل الذين بنوا مجتمعاتهم بأيديهم ومهاراتهم، وتركوا لنا إرثاً حضارياً لا يُقدّر بثمن، وتحية لكل عامل عبر التاريخ، ممن صاغوا معالم الإنسانية على مر العصور.