كنتُ شاردًا، أفكر فى أمرٍ ما يشغلني، وكانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحًا. طلبتُ من صاحب المقهى كوبًا من الشاى بدون سكر كعادتي. فجأةً، جلس بجوارى مسنٌّ تجاوز السبعين من عمره. كان يرتدى ملابس ممزقة و«شبشبًا» قد عفا عليه الزمن، وعلى جسده النحيل كان يرتدى «جاكيتًا» متوسط الحال. نظر إليّ وطلب مساعدة. فأجبت على الفور: حاضر! أخرجتُ ورقة نقدية من فئة عشرة جنيهات وقدّمتها له، فاختفت بسرعة داخل جيبه المتدلِّى من ملابسه. عدتُ للتفكير فى الأمر الذى كان يشغلني، ومرّت دقائق معدودة، لكنى فوجئت بأن المسن يطلب مساعدتى مرة أخرى. التفت إليه لأعرف ما يريد، فكانت الصدمة! أخرج الرجل العجوز من طيات ملابسه مبالغ مالية «مكرمشة» من فئات العشرات والعشرينات والقليل من فئات الخمس جنيهات. ثم وضعها بجوارى على منضدة صغيرة وطلب منى أن أقوم بتسويتها له وأن أعرف كم يبلغ مجموعها. وقفتُ للحظات أفكر فى أمره الذى شغلنى عن أمرى المهم. كل هذه الأموال قبل الساعة العاشرة صباحًا! ثلاثمائة جنيه من فئات نقدية مختلفة، اصطباحة هذا اليوم! تساءلت: هل يعنى ذلك أنه سيجمع من الناس فى نهاية اليوم قرابة الألف جنيه؟ أعطيته أمواله، ونظرت إلى صاحب المقهى لأحاسبه، وهممت بسؤاله، لكنه لم ينتظرني. أجاب من تلقاء نفسه: «لا تستغرب، فهذه حصيلة ساعتين فقط، وفى نهاية اليوم قد تصل حصيلته إلى قرابة أربعة آلاف جنيه!» تذكّرت واقعة مماثلة حدثت عام 2004 عندما تُوفى مسنٌّ فى منطقة حدائق القبة، وعُثر فى غرفة قبو بأحد المساكن القديمة على مبلغ ثلاثة ملايين جنيه كان قد جمعها من حرفة «الشحاته». حققت النيابة فى الأمر، ولم يكن له سوى ابن وحيد لم يزره طوال سنوات طويلة، وكان يعمل عامل بناء فى الإسماعيلية. حضر الابن ليرث ثروة أبيه، فأصبح من الأغنياء.