«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القراءة تعلمنا الانتباه والالتفات للأشياء الصغيرة
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 04 - 2025


حوار: بسمة ناجى
الكاتبة الإستونية كايرى لوك فى حوار لأخبار الأدب
التقيتُ بالكاتبة كايرى لوك أثناء إقامتى الأدبية بنيويورك، وكانت أول من أزعجتُهم. طرقت عليها الباب بهدوء: أنا جارتك فى الاستوديو المجاور، صوت الموسيقى عالٍ وهو غير مسموح به فى أماكن النوم.
تشابه روتيننا اليومى فكنا نلتقى فى أغلب الأوقات واتسعت مساحات الحديث بيننا تدريجيًا عن مشاريعنا التى نعمل عليها خلال فترة التفرغ وعن الكتابة والترجمة والجسد والانتقال بين المدن ومجالات العمل التى تبدو متباينة، العلوم الطبية والآداب.
حين قرأت كيرى جزءًا من روايتها مترجمًا إلى الإنجليزية فى فعالية قراءة عامة لنا بالمؤسسة، لمستنى خفة السرد التى لا تبتعد كثيرًا عن الرقص جسد حر وإيقاع منتظم-. أوقفتُها على الدرج فور عودتنا: «أعادت لى هذه القراءة أسئلة عن اللغة التى تسكن الجسد —كيف تحفظ العضلات تفاصيل الفقد والاحتضان، وكيف تُخبّأ الحكايات فى الانحناءات الصغيرة للظهر أو رعشة اليد- أريد قراءة البقية. رحلة هذا الجسد من الانكماش والشلل شبه الإرادى إلى الرقص».
أرسلت لى كايرى نسخة أولية مترجمة للإنجليزية وبدأت فى قراءتها بعد عودتى من نيويورك بفترة.
صحبتُ البطلة وجدتها فى وصلة رقص مُمتدة، حانية ومؤلمة فى الوقت نفسه.
كنت أقرأ وأتأمل فى كيف يمكن لحركة، لاهتزاز فى التنفس أو رقصة مرتجلة فى غرفة مغلقة، أن تكون فعل مقاومة وحفظ، وأن الجسد، مثل اللغة، يتغير حين يُمَرَر من جيل إلى آخر، لكنه لا يفقد ذاكرته.
اكتشفت أنى أتشارَك مع كايرى أيضًا الإيمان الهادئ بأن الجسد لا يَنسى، وأن الكتابة قد تكون حركة يَقَظة لهذا الجسد. الخيال الجسدى هنا ليس فقط وسيلة للسرد، بل هو الذاكرة نفسها: ذاكرة امرأة وطفلة، وذاكرة حرب، وذاكرة أمومة، وذاكرة زمن ينتقل من جسد إلى آخر، كما تنتقل الكلمات من لسان إلى آخر.
أثارت القراءة فى ذهنى بعض الأسئلة التى شعرت أنها تحتاج لحديث مطول مع كايري، فاقترحتُ عليها إجراء حوار معها للنشر فى «أخبار الأدب» لتتحدث أكثر عن مشروعها الأدبي.
«نرقص.. ونحرك الغبار»، هى الرواية الأولى للكاتبة الإستونية كايرى لوك بعد مؤلفات عديدة تنوعت بين أدب الأطفال ونصوص نثرية ومراجعات كتب، وترجمات أدبية من الهولندية إلى الإستونية.
تخرجت كايرى لوك فى عام 2005 من جامعة تارتو بدرجة البكالوريوس فى العلاج الطبيعي، وفى عام 2008 حصلت على درجة الماجستير فى علوم الحركة البشرية والطب التأهيلى من جامعة أمستردام.
درست فى نفس المجال فى فنلندا وجامعة جينت فى بلجيكا. عملت كناشرة للأدب العلمى فى أمستردام وباريس. حصلت على عدة جوائز أوروبية فى أدب الأطفال بالإضافة إلى الجائزة السنوية لمجلة Looming أقدم مجلة أدبية فى إستونيا لأفضل نوفيلا لعام 2017.
تكتبين أدب أطفال عادةً. ما الذى يحفز تركيزك على هذا النوع، وكيف توازنين بين تسلية الصغار وتقديم رسائل ذات مغزى لهم كقراء؟
يجب أن تكون كتب الأطفال جذابة فى المقام الأول، كما يجب أن تقدم موضوعات كالتعرف على الهوية أو الاعتراف بها أو الهروب أو الشجاعة والتمرد، يجب أن تلمس القارئ الصغير بطريقة ما.
أؤمن بالمعنى الذى يحوم فوق النص، والحكمة التى تُقدَم عبر النصوص. عند الكتابة عن الصداقة والحب والأحلام والخسارة والمغامرات، يكون المعنى موجودًا دومًا. لا أرى كتب الأطفال الوقائية والتربوية مثيرة للاهتمام أو جيدة.
لا بد أن تكون القراءة ممتعة فى المقام الأول، شيئًا يحبه الطفل. أؤمن أيضًا بسحر التفاصيل. يكمن ما يلمسنا غالبًا فى أصغر الأشياء. القراءة تعلمنا الانتباه، وتشجع على النظر عن كثب وتقدير ما يبدو صغيرًا وبسيطًا.
الإرث الأدبى الإستونى غني. كيف ترين تعاطى أعمالك مع هذا الإرث أو انفصالها عنه؟
أعتقد أن الأمر يسير فى كلا الاتجاهين. كتاباتى متجذرة فى الثقافة الإستونية ولكنها تتناول موضوعات عالمية وآمل أنها تخاطب جمهورًا أوسع.
كتبى للأطفال مُقدَمة لأطفال اليوم ويبدو أنهم يشعرون بهذه الصلة على الفور. إنهم حريصون على القراءة، ويتعرفون على الأشياء من تجربتهم الخاصة، ويستمتعون، ويتشجعون على التفكير والحلم والمحاولة والجرأة.
روايتى «نرقص.. ونحرك الغبار» أيضًا إستونية بامتياز ولكنها أوروبية للغاية فى الوقت نفسه. إنها مكتوبة بلغة دقيقة وبسيطة مع شحنة حسية ورمزية كبيرة. لقد عشت 20 عامًا بين بلدين، إستونيا وهولندا، وشكلت القراءة بعدة لغات طريقتى فى التفكير والكتابة.
أحمل كلا العالمين وهى فكرة غريبة بالنظر إلى أن السنوات الثمانى الأولى من حياتى مرت فى عالم مغلق، مع احتلال الاتحاد السوفياتى لإستونيا حتى عام 1991.
مثلى تمامًا، يمزج هذا الكتاب بين عناصر الثقافة الإستونية القديمة وتجربة أوروبا المعاصرة. وصفها النقاد بأنها رواية عابرة للأجيال: فهى تلتقط تراثنا الثقافى والتغيرات المضطربة فى فترات الثمانينيات والتسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن 21 عندما انضمت إستونيا إلى الاتحاد الأوروبى وأصبحت مكانًا للعيش والعمل للجيل الجديد.
ولأنها تُروى من خلال تجربة شخصية، فإنها تقدم شكلًا ولغة لم يكونا موجودين فى الأدب الإستونى من قبل.
يشير عنوان روايتك «نرقص.. ونحرك الغبار» إلى الحركة والتحول وربما التجديد. ماذا يعنى هذا العنوان بالنسبة لك، وكيف يرتبط بالقصة؟
البحث عن التحرر الداخلى وإيجاد الطريق إليه هما الموضوعان الرئيسان للرواية، خاصة بالنسبة للفتيات ممن يتعين عليهن عادةً التكيف مع الكثير من القواعد الصامتة وتوقعات المجتمع.
العنوان الأصلى هو سطر من كلمات أغنية فلكلورية اعتاد الناس غناءها والرقص عليها خلال يوم القديسة كاترين، وهو يوم فولكلورى للاحتفال بالنساء.
يقال أن أرواح الأمهات الأوائل تعود إلى الأرض فى هذا اليوم، ويترك الإستونيون طبقًا من الطعام لهن على النافذة (فى الأصل للساونا).
أما فى يوم القديسة كاترين حاليًا، يرتدى الأطفال (الأولاد والبنات) ملابس نسائية بيضاء، ويطلق عليهم اسم كادرى (كاثرين بالإستونية) ويركضون من باب إلى باب، ويغنون ويرقصون متمنين للعائلات حظًا سعيدًا.
إنه يوم للنساء والاحتفاء بقوتهن. تُعلم الجدة الكبرى فى الكتاب الطفلة خطوات هذه الرقصة بينما تغنى كلمات الأغنية «ارقصي.. حركى غبار الأرض».
ومن خلال الحكمة التى تنقلها لها، تتعلم الطفلة أن تكون حرة، فهذه الرقصة تعنى الحرية والحيوية والقوة للطفلة التى تعود إلى لحظة الرقص هذه لاحقًا كشابة حين تواجه الصعوبات والخسارة والحزن.
يقدم عملك عوالم تبدو مألوفة وخيالية فى الوقت ذاته، وتطمس الحدود بين الواقع والخيال، كيف تضفرين هذه العوالم؟
لطالما رأيتُ الحدود بين الواقع والخيال غامضة، فأنا أرى طبقات من الاحتمالات والمعانى للعالم اليومى المرئي. ككاتبة، أُسائِل ما هو واضح، وأنظر إلى ما هو أبعد من النمط، إنه أمر جوهرى بالنسبة لي.
إذا تأمل المرء فى الطبيعة، أو فى السلوك البشري، سيجد الكثير مما يصعُب فهمه أو تفسيره. يخلق الفولكلور وسرد القصص عالمًا من المعانى حول ما يمكننا رؤيته ولمسه وسماعه.
هذه الحساسية، ومراقبة التفاصيل المملة أو الثانوية على ما يبدو وتوسيع معناها هى الطريقة التى أخلق بها عالمًا خاصًا بي، وهذه هى أيضًا الطريقة التى أكتب بها.
لم أكن أبدًا من محبى العوالم التى يصنعها الإنسان أو العوالم الخيالية بالكامل فى الأدب والسينما. تكمن الإمكانيات والرحابة فى الحدود بين الواقع والخيال.
تستكشف الرواية موضوعات الطفولة والذاكرة والعلاقات بين الأجيال، وتتطرق إلى أسئلة وجودية كالفناء والهوية والانتماء. هل يمكنك مشاركة ما ألهمك لكتابة الرواية؟ ما القصة التى يهدف إلى سردها؟
خلفيتى الدراسية والعملية فى الطب والعلاج بالحركة تجعلنى أفكر كثيرًا فى مصدر الحيوية والقوة الدافعة للاستمرار. تبحث الشخصية الرئيسية عن الحيوية أيضًا، بعدة وسائل: الرقص واللغة والدراسات الطبية.
أعتقد أن النقطة المركزية والجوهر العاطفى يكمن فى طفولتنا، وفى ثقافتنا، وفى ذاكرتنا الجماعية. إنها تمنحنا قوة غير مرئية لخوض الحياة بها. لقد نشأتُ مع جدتى التى اعتنت بى أثناء انشغال والداى بالعمل.
ولدت جدتى فى عام 1902 وروت لى العديد من القصص عن حياتها خلال حربين وأربعة أنظمة مختلفة لحكم إستونيا، كما علمتنى الكثير من الفولكلور الإستونى ومعتقدات الطبيعة.
قرأت لى الكتب وغنت لى الأغانى وعلمتنى الرقصات. كانت شخصية متفائلةً وعنيدة - تزوجت من رجل روسى فى ثلاثينيات القرن 20، ما يتطلب فى إستونيا المستقلة حديثًا قدرًا كبيرًا من الشجاعة والعناد. كانت امرأة شجاعة ذات قامةٍ منتصبة دومًا.
أعتقد أن نقل المعرفة الثقافية الجماعية يحدث فى الغالب من خلال النسب الأنثوي. الأمهات والنساء هن من يروين القصص ويعلمن الأطفال لغة الحكمة التى تشكل العمود الفقرى الثقافي.
وكانت النساء هن الراويات الأساسيات فى إستونيا على الدوام. أما الرجال فيمنحون الأطفال أدوات أخرى ومهارات أكثر عملية.
يصف المقطع الافتتاحى بشكل واضح التجارب الحسية مثل الضوء والإيقاع، (وأعتقد أن القصة بأكملها تعتمد بشكل كبير على الصور الحسية -الضوء والصوت واللمس). كيف تستخدمين التفاصيل الحسية لتعميق سرد القصص؟
تعتمد الرواية بشكل كبير على الذاكرة، والذكريات المبكرة تتعلق بالزخم الحسى عادةً لا يتمكن الطفل من شرح ما وراء السلوك ونادرًا ما نتذكره لاحقًا لكننا نذكر الأصوات والألوان والروائح.
الصور الجسدية الموصوفة باللغة الطبية فى الجزء الثانى من الكتاب هى طريقة طبيعية أخرى بالنسبة لى لإدراك العالم. نظرًا لخلفيتى الطبية، أهتم كثيرًا بالجسد وكيف يتفاعل ويكشف ويخفى المشاعر.
التوازن بين العقلى والجسدي، والتأثيرات والعوامل المزعزعة للاستقرار بينهما أمور تثير اهتمامي. التفاعل بين العقلانى والحدسى موجود دومًا وقد يؤدى إلى الإرهاق والاكتئاب. توصَف هذه الموضوعات باللغة الحسية فى الرواية.
يبدو أن التفاعل بين الذاكرة والخيال يشكل محور القصة. كيف وازنتِ بين الاثنين أثناء تطوير صوت السرد الفريد لهذا المشروع؟
تتكون الذاكرة من تفاصيل كثيرة: أشياء نتذكرها، وأشياء نعتقد أننا نتذكرها، وأشياء لا نتذكرها لكننا خلقنا لها ذكرى، وأشياء قررنا نسيانها، وأشياء نكتب فوقها وننشئ لها قصة جديدة.
تشكل هذه اللمحات من الواقع والخيال نمطًا فوضويًا، فيتم إنشاء الذاكرة المنطقية والخطية لاحقًا. هذه هى الطريقة التى أتعامل بها مع الكتابة أيضًا - بالحدس والشحنة الحسية القوية، مع البقاء بالقرب من النواة العاطفية.
الخطية والسرد ثانويان بالنسبة لي، إنهما من صنع الإنسان، وأحيانًا أراهما خُدعة. يتكون السرد أولًا من خربشات الكتابة ولكن حدود ما هو «كتاب» قد تكون واسعة. بالنسبة لي، الكتابة الحرة بدون قواعد هيكلية هى أفضل الأدوات.
خرج أسلوب الرواية غير المُعقد واللغة المحددة والمقتضبة والإيقاعية بشكل طبيعى بالنسبة لي.
أحب النصوص التى تترك مساحة للتأمل والتوسع بالتخيل والتفكير، وتقترح دون أن تشرح، وتترك مساحة للقارئ. البنية الدائرية للروايات تجعل المشاعر تتدفق، تصعد وتهبط، كما نتنفس ونتحدث، تمامًا مثل البحر.
كيف تؤثر العلاقات بين الشخصيات عبر الأجيال على المنحنى العاطفى للقصة؟
تدور أحداث الرواية حول الجدة الكبرى وغرفتها من هنا تبدأ القصة، إنها موطن القوة والحرية. تحمل العلاقة بين الجدة والطفلة شحنة عاطفية قوية تشكل جوهر نفسية الطفلة اللاواعية وتتجذر بعمق فى اللغة والثقافة الجماعية.
تحمل الفتاة حب الجدة وتعليماتها طوال حياتها الصغيرة فتساعدها على التركيز عند المرور بأوقات صعبة.
تبدو البطلة ذات ارتباط عميق ببيئتها وعائلتها. كيف تطورت هذه الشخصية؟ كيف تتعاملين مع الكتابة من وجهة نظر طفلة بطريقة تبدو أصيلة ووجدت صدى لدى القراء البالغين فى الوقت نفسه؟
الطفلة هى الراوية الأشد صدقًا، حرة ولكنها أنانية فى رغباتها كحال كل طفل فى البداية إنها تستند على أساسٍ عائليٍ قوي، وخاصة صلتها بالجدة وهذه الصلة هى التى تُكوِن جوهرها العاطفي. لدى تجربة مماثلة منذ الطفولة فخرجت الكتابة من وجهة نظرها بشكل تلقائي. لدى الطفلة نظرتها البريئة للعالم والمنطقية جدًا بالنسبة لها فى نطاق معرفتها. نرى الصغار طفوليين من وجهة نظرنا ككبار والتى تتأثر بالقواعد والأخلاق التى تدير العالم.
تبدو البنية المتشظية للنص، مع فواصله الشعرية، تجريبية. ما الذى دفعك لاختيار هذا الأسلوب؟
الذاكرة مجزأة وغير منطقية وفوضوية، وهى ديناميكية، تتحرك ذهابًا وإيابًا، فتظهر التفاصيل على السطح عند محفزات مختلفة.
هكذا كتبت الرواية أيضًا. ومع ذلك، هناك بنية لها، والأسلوب غير الخطى لسرد القصص وتذكر الماضى هى جزء من تقليد قديم.
وهناك أمرٌ آخر يثير اهتمامى وهو التوازن بين السيطرة والتخلي. إنه أحد الدوافع الأساسية التى حفزت أيضًا اختيار هذا الأسلوب:
هذا التوازن بين القبض والبسط، فى الرقص، فى الحب، فى الحزن، فى التجاوز والمضى قدمًا.
يستخدم السرد استعارات مثل الفصول والطبيعة. كيف تعكس هذه الاستعارات الرحلة الداخلية للبطلة أو الخلفية الأوسع للشخصية الإستونية؟
العيش فى الشمال يعنى ضرورة الانسجام مع فصول السنة ومحاولة إيجاد تناغم مع إيقاع الطقس. عليك أن تتكيفي، وتعيشين بسلام جنبًا إلى جنب مع الطبيعة وتحترميها، فهى مصدر الطاقة، والغذاء، والسكينة.
يتمتع الإستونيون أيضًا بعلاقة قوية بالطبيعة، فمعظم البلاد ليست جزءً من انتماء دينى منظم. يمكن القول بأن غاباتنا وبحرنا هى ملاذنا، فالطبيعة هى المكان الذى نلجأ إليه فى الأوقات الصعبة، نقصد شاطئ البحر أو الغابة لنجد السكينة، والتعافي، والصحة، والاطمئنان، وهذا له جذور فى المعتقدات الروحانية الإستونية القديمة.
أثناء الاحتلال السوفييتي، كان الساحل هو الحدود، ولم يكن من الممكن عبور البحر.
الساحل هو مكان الشوق والأحلام والفرص. الرواية ديناميكية، تتبع أجزاؤها الأربعة دورة الفصول.
كما هو الحال فى الطبيعة، كل شيء يتحرك ويتدفق ويغادر ويعود فى حياة البطلة أيضًا.
نعيش فى حركة أبدية دومًا. فى الرواية أربع بدايات لإثارة سؤال - هل نعيش فى دورة حياة أم فى خطٍ من بدايةٍ إلى نهاية؟ أين البداية وأين النهاية؟ لو أن للرواية شكلًا هندسيًا، سيكون دائرة.
يجمع عملك بين الفكاهة والعمق الشعوري. كيف تجدين التوازن بين هذه العناصر فى كتابتك؟
هذا بديهى للغاية، فأنا أرى الفكاهة فى العديد من الأمور اليومية. وهكذا أرى الأمور الرتيبة والاعتيادية الصغيرة غريبة ومضحكة وسخيفة فى الغالب. السخرية أداة رائعة لتخفيف التوتر ومعالجة الصراعات.
يمكن أن تنجح فى مواجهة الصمت والعدوان والمشاعر الخاضعة أو الاضطراب تحت السطح، فهى تُنفِس البخار وتقربنا من بعضنا البعض، بروابط أعمق.
ما الدور الذى يلعبه البحث فى عملك الإبداعي، وخاصة فى الأعمال التى تتضمن إشارات ثقافية؟
تستخدم الرواية عناصر من الفولكلور الإستونى الشفهى التقليدي. بالنسبة لكلمات أغانى عيد القديسة كاترين، اعتمدتُ على أرشيف للبحث عن هذه الأغاني.
لكن بشكل عام، أفضل الكتابة عن الأشياء التى أعرفها ويكون دور البحث لضبط التفاصيل. لا أكتب عن موضوع لا أعرف عنه شيئًا على الإطلاق. الكتابة هى شيء حى إلى حدٍ كبير، وتكون أكثر حيوية لو أنها مبنية على عالمنا الداخلي، ومعرفتنا، وهواجسنا، وعواطفنا، وعُصابنا الداخلي. بالنسبة لي، هذه هى المكونات الرئيسية لصوت المؤلف.
غالبًا ما تختبر الشخصيات فى روايتك مشاعر معقدة. هل هذا مناسب لكتابتك للأطفال أيضًا؟ وكيف يمكنك التأكد من أن هذه الصور مناسبة للجمهور الأصغر سنا؟
لا ينبغى الاستهانة بالأطفال، فهم يفهمون العواطف ويلتقطون التلميحات والموضوعات -ربما بشكل لا شعورى - أكثر من البالغين.
من المهم الكتابة لمستوى الطفل، فاللغة يجب أن تكون سهلة الفهم وجذابة ومبهجة وحيوية، كالتى يتواصل بها الأطفال دون تسطيح الموضوع بالضرورة.
يحب الأطفال الأجواء الدافئة والنابضة بالحياة والمرح. هناك دائمًا طبقة للكبار فى كتب الأطفال، لتكون ممتعة لهم أيضًا عند قراءتها كقصص قبل النوم أو مناقشتها مع الطفل.
بصفتك كاتبة إستونية تتمتعين بشهرة دولية، كيف تتعاملين مع الخصوصية الثقافية أثناء الكتابة لجمهور عالمي؟
أعتبرُ تكوينى مزيجًا بين إستونيا وهولندا، فنحن كل ما شهدناه وقرأناه، وينعكس ذلك فى كتابتى أيضًا. إنه تكوين ديناميكى ومتغير وعابر للعديد من الحدود، ولكنه يحمل شعور إستونى رقيق وأوروبى حديث.
يلاحظ القراء من خارج إستونيا الطبقة المحلية الغريبة عليهم، لكن الموضوعات ذاتها عالمية: الحرية، وإيجاد السبيل الذاتي، والحزن، والتعافي، والذاكرة، والوطن، واللغة.
تدور أحداث كتبى للأطفال فى الغالب فى عالمٍ واقعى ولكنها تحتوى على طبقة من الخيال تدور حولها والتى يمكن فهمها فى جميع أنحاء العالم. وقد تُرجمت إلى العديد من اللغات.
ما مشروعك التالي؟ هل هناك أنواع أدبية أو وسائط أخرى ترغبين فى استكشافها؟
بدأتُ للتو فى روايتى التالية التى ستدور حول مفهوم الوطن. أعتقد أنها ستكون مزيجًا من المقالات، وأدب الرحلات، واليوميات، والخيال، عابرة للتصنيف النوعى لكن هذا مجرد حدس أول. أحب البحث والحرية والمجهول، ومواصلة اجتياز الحدود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.