العالم العربى بمقدراته الكبيرة يستطيع أن يرسم أمنه الغذائى بطريقة تضمن عدم ابتزاز دول العالم. استوقفنى فى الخامس والعشرين من الشهر الجارى تصريح للناطق باسم برنامج الغذاء العالمى معلنا: اليوم تم تسليم آخر الإمدادات إلى مطابخ الوجبات الساخنة وهى المصدر الوحيد للغذاء فى غزة. مؤكدا: نفاد مخزوناتهم بالكامل فى غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر. قد يكون قطاع غزة حالة خاصة بسبب الحرب، ولكن هذا الخبر يقودنا للحديث بعمق عن الأمن الغذائى العربي، خاصة أن العالم العربى يستورد بشكل كبير الوجبة الغذائية الأساسية (القمح) من الخارج، وأحيانا بأسعار تنافسية ترهق الاقتصاد المحلى فى الوطن العربي. أظهرت الكثير من الأبحاث أن الوطن العربى مجتمعا يصدر من المجمعات السلعية الغذائية لا يتجاوز عشرين بالمائة فى حين الواردات من هذه السلع تقترب من ثمانين بالمائة، وهذا رقم ضخم يهدد الأمن الغذائى العربى ويهدد استقرار العالم العربى الاقتصادى والسياسى والاجتماعي. العالم العربى بمقدراته الكبيرة يستطيع أن يرسم أمنه الغذائى بطريقة تضمن عدم ابتزاز دول العالم، والبحث عن دولة صديقة بعيدا عن المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والمؤكد أن تكون قراراتها رهينة لتوجهات دول كبرى فى العالم بالطبع غير معنية من تمكين العالم العربى وتحقيق أمنه الغذائى وبقائه سوقا استهلاكيا مهما لمنتجاتها. والاعتماد على استراتيجية عربية تدرس إمكانيات العالم العربى وتضع توجيهات لتحقيق الأمن الغذائى العربى بشكل متدرج وسلس، والعمل على تحقيق رؤى متعددة من ضمنها العمل على زيادة إنتاج سلع فى الوطن العربى مثل السكر والحبوب والبقوليات والشحوم لوفرة الأراضى الزراعية والرعوية والمياه والأيدى العاملة. والبحث عن شركاء جدد فى العالم يمكن تحقيق تبادل تجارى معهم يعيد الميزان التجارى العربى لوضعه الحقيقي، بعيدا عن الابتزاز الدولي. الأحداث فى العالم إن كانت قريبة أو بعيدة عن منطقتنا تؤكد أن أى حدث فى العالم يؤثر على باقى العالم ولكن بدرجات متفاوتة. فى على سبيل المثال الحرب على قطاع غزة كشفت عجز وضعف المجتمع الدولي، والحروب فى المنطقة العربية خاصة فى دولة السودان التى كانت تصنف سابقا سلة العالم العربى الغذائى قبل أن يتراجع دورها نتيجة الحصار الدولي، كذلك الأحداث فى سوريا ولبنان واليمن وليبيا أثر بشكل كبير على الأمن الغذائى العربي، وارتفعت نسبة الجوع والفقر فى بعض هذه الدول إضافة للمشكلة الغذائية فى الصومال. كل ذلك كشف زيف الاعتماد على منظمات المجتمع الدولي، وطرح بشكل قوى ضرورة وجود استراتيجية عربية تضع رؤية لتحقيق الأمن الغذائى العربي. كما كشفت الحرب الروسية الأوكرانية تأثير الحروب العالمية على الأمن الغذائى العربي، حيث تأثرت الدول العربية بارتفاع جنونى لأسعار السلع المستوردة عالميا خاصة القمح. هذا يقودنا إلى ضرورة العمل على تحقيق أمن غذائى عربى يمكن تحقيقه ولو بشكل نسبى بالاستناد على عدة أساليب من أهمها بناء علاقات عالمية تبادلية جيدة مع بعض الدول الصديقة مثل روسيا والصين وغيرها وتطوير التبادل التجارى بشكل كبير معها خاصة مع ازياد رغبة روسيا فى الانفتاح على الأسواق العربية كبديل للأسواق الغربية، وهذه الرغبة يمكن استغلالها عربيا بشكل جيد خاصة أن دولة مثل روسيا تعتبر من الدول الصديقة للعالم العربي، كما أن لديها منتجات متنوعة يحتاجها العالم العربى وبأسعار تنافسية وخاصة السلعة الأساسية القمح. كذلك كما أشرت سابقا تبنى استراتيجية داخلية عربية لتطوير مقومات الإنتاج المحلى لسد الحاجات واستغلال المنتجات المحلية العربية لتحقيق توازن فى ميزان التجارة العالمية وزيادة نسبة الصادرات لتقترب من ميزان الواردات. كل ذلك بالطبع يحتاج انفتاح الأسواق العربية على بعضها البعض وتحقيق حقيقى لحرية تنقل رأس المال الأيدى العاملة العربية داخل الوطن العربي. من أجل تحقيق أمن غذائى عربى نحن بحاجة لقرارات تحقق تكامل اقتصادى عربي، يتجاوز الجغرافيا العربية ويركز الاستثمار العربى لما يحقق التكامل الاقتصادى العربى والعالمي.