نحن لا نزرع الذعر بل نصنع المناعة؛ لأن الأمة التى تعرف كيف تستعد تعرف كيف تنتصر. تُسارع أوروبا اليوم إلى إعداد مواطنيها لمواجهة خطر الصراع المتزايد الذى قد يصل إلى أبوابها إذا انفجرت الأوضاع فى العالم أى وقت.. شبكة سى إن إن الأمريكية نشرت تقريرا مفصلا الاسبوع الماضى رصدت فيه كيف بدأت العديد من الحكومات الأوروبية فى توجيه مواطنيها نحو تبنى «عقلية الحرب» من خلال إرشادات حول كيفية التصرف فى حالات الطوارئ وتخزين الإمدادات الأساسية والتدريب على المرونة النفسية لمواجهة أى صراع قادم.. الأمين العام لحلف الناتو مارك روته قال فى مؤتمر لخبراء الأمن فى بروكسل: «لقد حان الوقت للتحول إلى عقلية الحرب».. أما كلوديا ميجور نائب الرئيس الأول للأمن عبر الأطلسى فى صندوق مارشال الألمانى فطالبت بضرورة الاستعداد ليس فقط لتهديد عسكرى مباشر من روسيا بل أيضًا لما أسمته «المنطقة الرمادية» بين الحرب والسلام والتى تشمل مستويات أدنى من العدوان والحروب الهجينة.. خبراء الأمن فى أوروبا يرون أن التحول إلى «عقلية الحرب» لابد أن يتم من خلال أن يكون المواطنون جزءًا من منظومة الدفاع الوطنى وليس الجيش وحده. فالحروب الحديثة لم تعد تقتصر على ساحات القتال التقليدية بل تشمل حروبًا اقتصادية وأمنية، ونفسية، وحتى معلوماتية. المحللون يرون أن ما يحدث اليوم بالولاياتالمتحدة لن يبقى فى الولاياتالمتحدة، والدليل ارتباك الاقتصاد العالمى وتراجع الجنيه أمام الدولار عقب قرار ترامب بفرض الرسوم الجمركية. ما يحدث أيضا فى غزة لن يبقى فى غزة وله تداعياته على مصر والمنطقة، خاصة لو استمرت عاصمة الاحتلال تل أبيب فى خطط الإبادة والتهجير فضلا عن استمرار هيمنة اليمين الاسرائيلى المتطرف وتأجيج الشحن الدينى لأجيال متتالية من المتطرفين اليهود وعودة أحلام ونشوة التوسع بعد احتلال المزيد من الجولان السورى ولبنان والعمل على فتح جبهات فى اليمن وإيران وزيادة التوترات فى منطقة البحر الأحمر.. أيضا تتردد نغمة جديدة تعالت فيها اصوات الانزعاج الصهيونى من استمرار الدولة المصرية فى تنمية سيناء. الدعوة إلى «عقلية الحرب» ليست نداءً للخوف والترهيب بل هى تنبيهٌ إلى ضرورة أن يكون المواطن مستعدًا كالجندى فى ثكنته متأهبًا كالطبيب فى غرفة الطوارئ.. امتلاك عقلية الحرب يعنى أن مصدر معلوماتك ليس مواقع التواصل والشائعات بل المصادر الرسمية الموثوقة وأن تحرص على التحقق من الأخبار قبل تداولها وأن تدرك أن التضليل المعلوماتى أصبح سلاحًا لا يقل خطورة عن الأسلحة التقليدية. فكما أن القائد والجندى فى الميدان يعتمدان على تقارير استخباراتية دقيقة يجب أن يعتمد المواطن فى بيته على معلومات مؤكدة ولا يستسلم إلى الاحباط.. سيدة جامعية أخبرتنى أنها تعد نفسها للسفر بأطفالها للخارج أى وقت لأن ما تسمعه على مواقع التواصل يشير إلى أن مصر لن تصمد سوى 21 يوما فى حال وقوع هجوم عليها!! وأنها لن تتحمل أن تحدث لعائلتها جريمة غزة.. وغيرها من إشاعات انهزامية وصلت لها وللكثيرين من مستنقع الانترنت.. ما سمعته من تلك السيدة هو أساس الحروب النفسية.. إذا انهزم الشعب انتهت المعركة.. الجيش العراقى قبل الغزو الأمريكى فى عام 2003 كان خامس أقوى جيش فى العالم بقوة مليون ونصف مليون جندى!! هذا الجيش القوى لم يحارب ولكن سقط خلال 24 ساعة بحرب نفسية عبقرية تناولتها الكتب العسكرية.. مشهد واحد منها كان جلب القوات الأمريكية لمجموعات عراقية من الخارج وإنزالهم أثناء الغزو ليقوموا بإلقاء الورود على القوات بالشوارع والاحتفاء بوصول الديمقراطية الأمريكية وهنا انهارت كل المعنويات. لا يخفى على أحد أن التحديات فى المنطقة أصبحت تفرض على الشعوب العربية أن يمتلكوا عقلية الحرب.. ونحن نحتفل بذكرى تحرير سيناء علينا أن نتذكر كيف أن الاستعداد وتوحد الشعب كانا سلاحَى مصر الأقوى لاستعادة الأرض والعِزّة. وبينما نواجه اليوم تحديات جديدة من حروب المعلومات إلى التهديدات الاقتصادية والأمنية تصبح «عقلية الحرب» ضرورةً وليست خيارًا. فكما كانت سيناء ساحةً للبطولة العسكرية، أصبحت اليوم رمزًا للصمود والتنمية، ما أثار حفيظة قوى معادية تُحاول تقويض استقرارنا. لذا فإن الدعوة إلى «عقلية الحرب» هى استمرارٌ لروح أكتوبر.. استعداد دائم وتيقُّظٌ لأى خطر..التهديدات قد تأتى من حيث لا نحتسب.. المفاجآت مربكة لكن الاستعداد يقلل من ارتباكها ويحول الخوف إلى قوة والقلق إلى فعل. نحن لا نزرع الذعر بل نصنع المناعة؛ لأن الأمة التى تعرف كيف تستعد تعرف كيف تنتصر.