تخفيف الأحمال كانت أزمة طاحنة الصيف الماضى «تنغص» حياة المواطنين وتجعلهم بين نار «الحر» ونار قطع الكهرباء.. وكان السبب فى ذلك نقص الوقود المُستخدم فى محطات توليد الكهرباء وارتفاع مديونية الكهرباء لدى وزارة البترول بشكل كبير.. ونحن على أعتاب فصل الصيف هل نشهد انقطاعاتٍ أخرى فى الكهرباء أم أن تخفيف الأحمال «أزمة وعدت» ولن تعود مرة أخرى.. وهل تنجح جهود الحكومة ووزارة الكهرباء فى أن يكون صيف 2025 مختلفًا، دون انقطاعات أو جدول زمنى للإظلام؟.. نحاول فى هذا التحقيق الإجابة عن هذه التساؤلات. فى الحقيقة الدولة تتحرك بخطى محسوبة، لتأمين احتياجات المواطنين من الكهرباء وتجنب سيناريوهات العام الماضي. من خلال مشروعات توسعة محطات الكهرباء، وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، وترشيد الاستهلاك... وكلها محاور لجهود لا تنقطع، تسعى لأن يكون الصيف القادم أكثر استقرارًا وراحة. تحركات وزارة الكهرباء منذ قدوم د. محمود عصمت وزير الكهرباء تدل على أنه لن يكون هناك تخفيف أحمال مرة أخرى.. ويؤكد ذلك تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة خصصت التمويل لتوفير الوقود اللازم لاستقرار الشبكة القومية للكهرباء، وعدم اللجوء لتخفيف الأحمال مرة أخرى.. خطة الكهرباء وزارة الكهرباء أعدت خطة استراتيجية مُحكمة استعدادًا لفصل الصيف وحتى لا تكون هناك انقطاعات بالشبكة تعتمد هذه الخطة العاجلة على إضافة 4 آلاف ميجاوات من الطاقة المتجددة لتأمين صيف 2025.. بتكلفة استثمارية تصل إلى 4 مليارات دولار. وأكد د.محمود عصمت وزير الكهرباء أن أزمة تخفيف الأحمال الناتجة عن نقص الوقود انتهت ولن تعود.. وأن د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء وعد منذ سبتمبر الماضى بعدم تكرار تخفيف الأحمال.. ونحن ملتزمون بتطبيق هذا القرار، وأن هناك تنسيقًا مستمرًا على مدار الساعة مع وزارة البترول لتأمين التغذية الكهربائية خاصة فى فصل الصيف المقبل. مشروعات الطاقة المتجددة وأضاف: « أن خطة وزارة الكهرباء تعتمد على مشروعات عملاقة يتم تنفيذها حاليًا مع القطاع الخاص، ومن المُخطط أن يتم تشغيلها مع حلول فصل الصيف المُقبل، كجزء أصيل من خطة زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، ولتجنُب اللجوء لتخفيف الأحمال وتقليل استيراد المواد البترولية.. وخفض استخدام الوقود الأحفورى والتوسع فى مصادر التوليد من الطاقات المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية، وذلك باستهداف إضافة حوالى 12.4 جيجاوات من طاقة الرياح و8.1 جيجاوات من الطاقة الشمسية و2.4 جيجاوات من الطاقة النووية بحلول نهاية 2029، وتتضمن الخطة: إضافة قدرات تصل إلى 2000 ميجا وات وتشمل: إضافة 500 ميجاوات طاقة شمسية من مشروع أبيدوس طاقة شمسية التى تم ربطها على الشبكة القومية للكهرباء ، علاوة على إضافة 1500 ميجاوات ( طاقة شمسية ، طاقة رياح)، وربطها بالشبكة القومية للكهرباء بعد الانتهاء من (مشروع الطاقة الشمسية الإضافى بقدرة 1000 ميجاوات ، بالاضافة الى مشروع أمونت طاقة رياح الجارى تنفيذه بقدرة 500 ميجاوات)، بالإضافة إلى نظام التخزين بالبطاريات لأول مرة فى مصر. كما تستهدف الخطة: إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء من الشمس والرياح بقدرة 650 ميجاوات، وسيتم الانتهاء من 200 ميجاوات خلال الفترة القادمة ، و450 ميجا وات سيتم ربطها بالشبكة القومية للكهرباء فى موعد أقصاه مايو المقبل. المصري- السعودي ومن محاور خطة الكهرباء للصيف القادم بدء تشغيل الربط الكهربائى مع السعودية ، حيث سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى وستتم فى الصيف، تليها المراحل المتبقية .. وتبلغ التكلفة الإجمالية لمشروع الربط الكهربائى بين مصر والسعودية نحو 1.8 مليار دولار، ومن المقرر بدء تشغيله على مرحلتين، الأولى فى يونيو (2025)، بقدرة 1500 ميجاوات، والثانية فى نوفمبر من العام نفسه، بإضافة 1500 ميجاوات أخرى. ويهدف مشروع الربط الكهربائى بين شبكتى الكهرباء فى البلدين إلى التبادل المشترك للطاقة فى إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال فى الدولتين، لتعظيم العوائد وحسن إدارة واستعمال الفائض الكهربائى وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية فى مصر والسعودية. كل هذه الجهود ساهمت بشكل كبير فى خفض الاعتماد على الطاقة التقليدية والوقود الأحفورى ، حيث تم تخفيض أكثر من 19 جيجاوات من التوربينات التقليدية التى تعتمد على الوقود الأحفورى لتصل إلى 49 جيجاوات بدلاً من 69 جيجاوات ، وسوف تساعد هذه الإجراءات فى زيادة مساهمة الطاقة النظيفة فى مزيج الطاقة والحفاظ على البيئة. كما أن إدخال طاقات جديدة والتشغيل الاقتصادى للمحطات وتحسين كفاءتها وخفض استهلاك الغاز الطبيعي؛ ساهمت فى توفير 900 مليون دولار خلال 10 أشهر. وهذه الخطة هى جزء من مخطط أكبر وهى استراتيجية الطاقة حتى عام 2040 التى تستهدف الوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 60% من مزيج الطاقة متمثلة فى أكثر من 65 جيجاوات من طاقتى الرياح والشمس ، و2.4 جيجاوات من مشروعات الضخ والتخزين ، و2 جيجاوات من مشروعات الطاقة الكهرومائية و4.8 جيجاوات من الطاقة النووية. وقت الذروة وأشار د. محمد سليم خبير الكهرباء وعضو المجلس العربى للطاقة المستدامة إلى أنه مع اقتراب صيف 2025، تواجه مصر تحدياتٍ متزايدة فى قطاع الطاقة، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء بشكل كبير خلال شهور الصيف .. حيث تطور الحمل الأقصى للكهرباء فى الصيف من 33.8 جيجاوات فى عام 2022 إلى 34.2 جيجاوات فى عام 2023، وارتفاعه بشكل كبير إلى 37.2 جيجاوات فى أغسطس 2024، وتشير التوقعات إلى أن الحمل الأقصى قد يصل إلى 40 جيجاوات فى صيف 2025. هذا الارتفاع غير المسبوق يمثل تحديًا كبيرًا لتشغيل الشبكة الكهربائية وتوفير الوقود اللازم لتلبية هذا الطلب المرتفع خلال فترات الذروة. لذلك، ستلعب تقنيات تخزين الطاقة دورًا محوريًا فى مساعدة الشبكة على التعامل مع هذه الضغوط وتحقيق استقرار التزويد بالطاقة. واستطرد د. سليم قائلاً : «مشكلة الفقد فى الشبكة الكهربائية من أكبر التحديات التى تواجه قطاع الطاقة فى مصر.. هذا المسار يركز على تقليل الفاقد وتسريع تقنين أوضاع المشتركين من خلال العدادات مسبقة الدفع .. والتغلب على الفاقد الكهربائى يكون بتحسين كفاءة الشبكة وتقليل التسربات الفنية من خلال تطوير البنية التحتية ومكافحة الفقد التجارى الناتج عن التوصيلات غير القانونية وسرقة التيار.. وتسريع تركيب العدادات مسبقة الدفع .. وتبسيط الإجراءات الإدارية لتركيب العدادات مسبقة الدفع . وتقليل تكاليف تركيب العدادات وتقديم خيارات تقسيط للمواطنين.. وتطبيق العدادات الكودية للمُستهلكين غير القانونيين لتقنين أوضاعهم وتشجيعهم لتنفيذ ذلك.. وتحسين إدارة استهلاك الطاقة من خلال تمكين المشتركين من مراقبة استهلاكهم والتحكم به.. وكل ذلك سيحقق نتائج جيدة أهمها: تقليل نسبة الفاقد الفنى والتجارى بنسبة 10% بحلول 2025.. وفى حال تشجيع المستهلكين غير القانونيين يمكن تركيب 200.000 عداد مسبق الدفع لتقنين أوضاعهم ، وبالتالى منع التوصيلات المخالفة ونحافظ على كرامة المواطن. وأنهى حديثه بضرورة تبنى رؤية استراتيجية لعبور صيف 2025 بنجاح لضمان استخدام فعال لتخزين الطاقة فى مواجهة ذروة الأحمال خلال صيف 2025، ويجب أن تتبنى مصر استراتيجية شاملة تشمل: التوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة وزيادة القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية الفوتوفولتية والحرارية والرياح لدعم أنظمة التخزين وتشجيع الاستثمار فى تقنيات تخزين الطاقة وتقديم حوافز للمستثمرين لتطوير مشروعات تخزين الطاقة. التوسع فى الطاقة الشمسية وأوضح د. أيمن زهران الباحث فى الطاقة الشمسية: أنه آن الأوان لتبنى سياسة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية ، وأن يصبح هذا المسار أولوية استراتيجية لمصر. لأن تكلفة إنتاج وحدة الكهرباء من الطاقة الشمسية أصبحت أقل بكثير من الطاقة المُنتجة من المحطات .. وأن هذه الخطوة ليست مجرد خيار، بل هى استثمار طويل الأجل يحقق عوائد اقتصادية وبيئية كبيرة، ويضع مصر على مسار الاستدامة الفعلية .. حيث إن كل وحدة كهرباء تُنتج من الطاقة الشمسية عند المستخدم النهائى تعادل ثلاثة أضعاف الطاقة فى الوقود المُستخدم بالمحطات التقليدية. ترشيد الاستهلاك وأضاف د. سامح نعمان أستاذ هندسة الطاقة: أن الدولة تحاول بقدر الإمكان عدم تكرار أزمة تخفيف الأحمال ، من خلال محاور عديدة ، لكن هناك دور يقع على عاتق المواطن نفسه وهو مدى وعيه وقناعته بأهمية ترشيد الاستهلاك وجعله أسلوب حياة ، والتوافق بين أهداف الدولة والمواطن وتخفيف الاستهلاك بالمبانى بصورة عامة ، وأيضا المحاور الرئيسية وإنارة الشوارع وتخفيض أجهزة التكييفات داخل المحال العامة والمنازل أمر غاية فى الأهمية .. وإيقاف التدفئة أو التبريد عند مغادرة المنازل أو أوقات النوم. وأشار إلى أنه يجب على الدولة الالتزام بتطبيق قرارات إغلاق المحال التجارية فى مواعيد محددة وتطبيق ذلك بحزم شديد ، لأن عدم التزام المواطنين بمواعيد يكبد الدولة خسائر باهظة تصل الى سبعة ملايين ونصف المليون كيلو وات مقابل كل ساعة تأخير فى عدم إغلاق المحلات أى ما يعادل تقريباً 2 مليون متر مكعب من الغاز ، لأن عدد المحلات لدينا يتجاوز مليوناً ونصف المليون محل . وأوضح: أن الدولة عملت على تطوير محطات التوليد وتوسيع شبكات النقل والتوزيع، إلى جانب إدخال أنظمة ذكية لمراقبة الأحمال والكشف عن الأعطال بسرعة ، كما ساهم استخدام التكنولوجيا الحديثة فى تقليل الفاقد الكهربائى وتحسين كفاءة التشغيل، مما انعكس إيجابًا على تقليل الانقطاعات المفاجئة وتوفير تيار مستقر للمنازل والمؤسسات.. وهو ما ينعكس إيجاباً على الشبكة القومية.