لم يعد هناك أدنى شك فى أن عملية الإصلاح الاقتصادى كانت تمثل ضرورة حتمية بكل ما تشمله من أعباء وما تمثله من تحديات أثبت شعب مصر العظيم قدرته على تحملها وثقته الكبيرة فى قيادته والتى عبرت بمصر محنًا وشدائد كثيرة رغم كل الظروف القاهرة التى نمر بها ومعنا العالم كله. كانت الحكومة أمام أمرين لا ثالث لهما أولهما هو قبول التحدى وبدء الإصلاح وثانيهما هو ترحيل وإرجاء أى إجراءات للإصلاح وهذا الخيار قد يرضى غالبية الناس، لكنه حتمًا كان سيقود مصر إلى كارثة وإلى لحظة مواجهة كنا سنفشل فى تخطيها!! إن كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن مصر نجحت فى إحداث نقلة جديدة لاقتصادها رغم الظروف القاهرة التى واجهتها بعد أحداث25 يناير وقامت بالعديد من مشروعات البنية الأساسية مثل الطرق والكبارى ومشروعات المياه والصرف والإسكان وتطوير الصناعة وغيرها من الإنجازات والتى تمت كلها بمعايير عالمية للجودة (وزى الكتاب ما بيقول). وأكدت منظمات اقتصادية دولية أن هذه الإنجازات لو كان قد تم تأجيلها لليوم لكانت ستتكلف 8 أمثال القيمة التى تكلفتها بالفعل وأن الجزء الأكبر من المديونية الداخلية والخارجية تحول إلى أصول وبقيم عالمية. ووفقًا للإجراءات والمواعيد التى أعلنتها الحكومة من قبل لإصلاح الخلل وتصويب دعم الطاقة. جاءت عملية تحريك أسعار الوقود والتى عادة ما يعقبها زيادات مباشرة فى أسعار بعض الخدمات والسلع وهى زيادات مقبولة إذا كانت بقيمة قد تقارب نسبة الزيادة التى أعلنتها الحكومة ولكن للأسف الشديد فإن الزيادة تأتى فى كثير من الأحيان بقيمة أعلى بكثير وتترك للأهواء وتحكم فئة من التجار دون رقيب أو حسيب باستثناء جولات تفقدية يقوم بها بعض المسئولين وخاصة لمواقف السيارات لمراقبة الالتزام بالإجرة التى تقوم بوضعها المحليات والتى لا يتم الالتزام بها بمجرد انتهاء الجولات والتقاط الصور. لكن ماذا عن تجار المواد الغذائية واللحوم والخضر والفاكهة والأدوية وغيرها من السلع؟! ماذا عن رفع أسعار العمالة من سباكين ونجارين وعمال بناء وغيرها من خدمات الصيانة؟!. الإصلاح وضرورة استكماله يمثل ضرورة ملحة ولكن تطبيق الأجزاء الأخيرة منه يحتاج إلى نوع من الروية والتدرج والرقابة الصارمة والمستمرة للأسواق لأنه من الصعب إهمال حالة الناس والغلاء الفاحش الذى عصف بكل شيء والذى يسببه الجشع وغياب الضمير. قال لى أحد السائقين إن الزيادة الأخيرة فى أسعار البنزين ستكلفه فى مشواره المعتاد بين القاهرة وإحدى المحافظات ما يقرب من 40 جنيهًا ولكنه رفع الأجرة 5 جنيهات لكل راكب لتكون الحصيلة 70 جنيهًا أى أن هناك مكسبًا إضافيًا 30 جنيهًا فى المشوار الواحد.. الناس فى بلادى لديهم القدرة على التحمل ولكن شريطة رؤية نور فى نهاية هذا النفق الذى نجتازه رغم كل التحديات والظروف الاقتصادية الصعبة التى يجتازها العالم كله. إن المنطقة تجتاز ظروفًا غاية فى الخطورة سواء فى غزة أو سوريا أو لبنان أو الأردن أو اليمن وليبيا وروسيا وأوكرانيا وكلها تلقى أعباء جديدة على اقتصادنا وتزيد من تكلفة استيرادنا. لقد بدأ بعض الوزراء الحديث عن عملية ترشيد الدعم ليصل إلى مستحقيه فقط. وعملية الترشيد تعنى خروج فئات كثيرة من المستفيدين بعيدًا عن أحقيتهم أو عدمها وهنا فإن الحكومة مطالبة بإعادة النظر فى لغة الخطاب الذى تتوجه به للناس كما أن أجهزة الإعلام مطالبة بعدم الطرق على أنين ومواجع الناس ولكن تقديم الحقائق بشفافية مطلقة. لقد تجسدت خلال السنوات القليلة الماضية حقيقة توحد المصريين لمجرد إدراكهم بأن التضحيات والمعاناة التى يعيشونها سوف يكون لها آخر وقناعتهم بأن ثمار الإصلاح تنضج ولكنها تحتاج لفترة من الزمن لابد أن تكون محسوبة بدقة بلا تهويل أو تبسيط قد يجعلها حلم لا يدوم أو يصعب تحقيقه.