الفن التشكيلى مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله.. أعياد الربيع ارتبطت عند المصريين القدماء ببداية الحياة، فكانوا يعتبرون شم النسيم أو بداية فصل الربيع من كل عام بداية لحياة جديدة، حيث تتفتح الزهور ويعتدل الجو وتتزين الأشجار بفروعها المتعانقة وأوراقها الخضراء، ويبدأ معها موسم الحصاد. وهناك عادات وتقاليد توارثها المصريون ترتبط بأعياد شم النسيم مثل أكل البيض الملون الذى كانوا يعتبرونه أيضًا رمزًا للخروج إلى الحياة. الفنان أحمد صبرى (1889-1955)، صاحب لوحة الراهبة التى تُعد إحدى علامات الفن التشكيلى المصرى، والذى عرضها فى صالون باريس الدولى عام 1929، وحصد وقتها الميدالية الذهبية، كما حصد جائزة الشرف من جمعية الفنون الفرنسية، وكرمته الدولة بأن أطلقت اسم (أحمد صبرى) على أحد شوارع حى الزمالك القريبة من كلية الفنون الجميلة التى درس وتخرج فيها عام 1916، ثم عمل أستاذًا بها ورأس قسم التصوير الحر الذى أسسه لقناعته بأن هناك موهوبين يستحقون الدراسة بعيدًا عن السن والمؤهل الدراسى، ثم رأس قسم التصوير النظامى واستمر فيه حتى عام 1949. اقرأ أيضًا | دراما التنوير.. خارطة طريق لتشكيل وعى الأمة أحمد صبرى تعلم على يديه أجيالٌ من الفنانين، حيث كانت لموهبته الأكاديمية بصمات عديدة على الكثيريين من خريجى الفنون الجميلة ومن الموهبين فى القسم الحر، فقد كان يبث فى تلاميذه قيم عشقه للفن بحماس وحس نادرين. تميزت أعماله بالبناء الهندسى الرصين وصفاء اللون، حيث برع فى رسم الطبيعة الصامتة، وكان اهتمامه برسم المناظر الطبيعية ليس هو الأهم فى مشواره، حيث أنتج أعمالا قليلة فى هذا الشأن، لكنه كان رائدًا ومُعلمًا قديرًا فى رسم البورتريه، حيث رسم العديد من الصور الشخصية التى عكست موهبته فى ترجمة تعبيرات الملامح والأحاسيس الكامنة داخل أبطال لوحاته، وكانت خطوطه وألوانه بمثابة أنغام الموسيقى التى تسبح بك فى عالم من الخيال والمتعة، فقد تعلم فى أكاديمية شوميير وأكاديمية جوليان بباريس على يد المصورين «بول ألبير»، و«إيمانويل فوجيرا»، نعم اكتسب منهما الخبرة، لكنه كان يمتلك الموهبة التى ساعدته فى ترجمة مشاعره وأحاسيسه وقدرته على الرسم بحرفية نادرة. كان صبرى عاشقًا للورود والزهور ورسمها فى تكوينات بديعة، فقد كان يحاورها قبل أن يرسمها، يتأمل ألوانها ويترجمها بأدواته، يتعمق فى أحاسيسها ولغتها الصامتة قبل أن يعكسها بإحساسه المرهف على مسطح اللوحة، فعندما نتأمل تلك اللوحة التى تتناسب مع الاحتفال بيوم شم النسيم، نراها تعكس قدرته فى رسم الطبيعة الصامتة والإحساس بالتكوين، حيث الألوان الصريحة المبهجة، وآنية الزهور التى تشعر أن كل وردة تستمد منها الحياة والنضوج، تكوين درامى فى إيقاع موسيقى دافئ تصاحبه نغمات وألحان تتصاعد باضطراد. ثمار الفاكهة رسمها وكأن ألوانها نابعة من الورود، فهى تتنوع بين الأحمر والأخضر بدرجاته، والبرتقالى والأصفر، لتعكس حالة من النشوة فرحًا بقدوم فصل الربيع، عناصر اللوحة تعكس حالة من الحسّية النابضة المُفعمة بالجاذبية والحيوية والطابع التأثيرى، كما تعكس فلسفة صبرى فى رسم الطبيعة الساكنة أو الصامتة، مُستعينًا بإبداعاتها الموسيقية المرتكزة على الجاذبية والإقناع، فضلا عن الفكرة والأصالة، فقد كان صادقًا فى حسه التصويرى ونقل اللون وترجمته، فضلا عن شعوره بالظل والنور. كان صبرى من المصورين المفطورين على حب التكوين وعشق اللون، فنلحظ فى هذه اللوحة التكوين الأقرب للشكل الهرمى والذى ظهرت فى قمته الورود المتفتحة بأوراقها الخضراء، والوعاء الممتلئ بثمار الفاكهة فى قاعدة التكوين، ورغم أن صبرى من الأكاديميين الأفذاذ، إلا أن تجليته فى تلك اللوحة تنتصر بعض الشىء للتجريد، وهذا ما يتجلى فى رسمه للورود، لكنها لم تفتقد للجمال والمتعة البصرية، إضافة إلى المسألة اللونية والتجربة الراهنة وخصوصية العطر الفواح الذى يسيطر على المكان منبعثًا من الزهور المنتشرة داخل الآنية الصماء. الأزهار وثمار المانجو والرمان، سرعان ما نشعر بملمسها وخصوبة ألوانها، وقدرة ونجاح صبرى فى المزج بين عناصر لوحته وقراءة تفاصيلها، فضلا عن نسقه التكوينى..، وكما قالوا إن الزهور هى الطبيعة الصامتة النابضة بكل ألوان الحياة، وهذا ما ترجمه القدير أحمد صبرى فى هذه اللوحة.