رانية خلاف «إنه الربيع مرة أخرى، حيث تبدو الأرض كطفل يجيد قراءة القصائد».الشاعر التشيكي - رينر ماريا ريلكة لطالما ارتبط مقدم الربيع بالمشهد الطبيعي، حيث يخرج الناس بسجيتهم إلى أحضان الطبيعة ليمتزجوا بها بعد كمونهم القسري في فصل الشتاء. إنه تحول من السكون إلى الحركة ومن الذبول إلى النضج. ظل الربيع والمشهد الطبيعي بشكل عام لوقت طويل موضوعا مهما وثريا في تاريخ الفن التشكيلي، حيث برع فنانون من أماكن مختلفة في تصويره من وجهات نظر مغايرة. منذ مطلع القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر انشغل فنانو الطبيعة أو ما يطلق عليهم Provincial Art بتيمات خاصة بالإنجيل والحيوانات ومشاهد من الحياة اليومية. ومع حلول القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لجأ الكثير من الفنانين إلى الأقاليم، حيث انجذب فنانو المشهد الطبيعي إلى المناخ المعتدل والألوان الساحرة ووضوح وكثافة الضوء والرياح بعيدا عن ازدحام المدينة. لهذا السبب، ربما، هناك حركة دوما في لوحات فنسنت فان جوخ. عاش فان جوخ لمدة عامين متواليين في الريف وترجع شهرته للوحات التي أنجزها هناك. أوجست رينوار قضى أيضا وقتا طويلا بين أحضان الريف حتى وفاته عام 1919. كما عاش هنري ماتيس و بابلو بيكاسو سنوات طويلة من حياتهما في جنوبفرنسا حتى وفاتهما. لبيكاسو لوحة ضخمة 130x195 سم باسم الربيع أنجزها عام 1956، وتنتمي للمدرسة التكعيبية في الفن. ماري كاسات وكلود مونييه زارا الريف مرارا ورسما لوحات من مشهد البحر والصيادين وهم في أرديتهم الخاصة. أما اللوحة الأشهر بعنوان «الربيع» فهي لإدوار مانية التشكيلي الانطباعي الفرنسي، والذي بيعت لوحته هذه في مزاد علني الأسبوع الماضي في صالة مزادات سوزيبي بنيويورك ب 65 مليون دولار. وهي من أشهر لوحات الفنان وكانت قد قدمت لأول مرة في صالون باريس عام 1882. واللوحة بطلتها الممثلة جين ديمارسي وهي ترتدي فستانا ملونا كاستدعاء الربيع وبهجته. هناك لوحة أخرى مهمة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي بعنوان الربيع للفنان الروسي قنسطنطين كوروفين الذي عاش في الفترة من 1861-1939، أنجزها عام 1917، وهي لوحة زيتية، وهي موجودة حاليا في المتحف الروسي، سانت بطرسبرج، وتنتمي للمدرسة الانطباعية.كورفين هو من الفنانين البارزين ما بين الفنانين الانطباعيين الروس، حيث تأثر بشكل كبير بالانطباعيين الفرنسيين، فإنه طور أسلوبا خاصا جدا يمزج ما بين العناصر المعتادة للانطباعية الفرنسية مع الألوان الغنية التي ميزت الفن الروسي في عصره. لوحة أخرى تبوح بدرجات لونية تبثها شمس الربيع الدافئة لبيير –أوجست رينوار وهي بعنوان غداء في حفلة على القارب، أنجزت اللوحة ما بين عامي 1880-1881 بمقاس كبير 129.5 × 172.7سم. وهنا يبدو الضوء هو البطل الرئيسي لهذه اللوحة الشهيرة، حيث رسم رينوار مجموعة من أصدقائه يستجمون في رحلة بالقارب. ربما يبدو هنا مظهرا من مظاهر الربيع الأليفة، الانتقال من السكون إلى الحركة ومن برد الشتاء إلى شمس الربيع الدافئة. لوحة بريمافيرا، والمعروفة أيضا باسم حكاية الربيع هي من اللوحات الشهيرة في تاريخ الفن لفنان عصر النهضة الإيطالي ساندرو بوتشيللي، وهي لوحة ضخمة تبلغ أبعادها202x 314، وقد رسمها الفنان عام 1482، ويعتبرها المؤرخون واحدة من أكثر اللوحات شعبية في الفن الغربي. ومن أكثر اللوحات التي دار جدال ونقاش حولها في العالم. يقول معظم النقاد عن اللوحة التي تصور مجموعة من الشخصيات الأسطورية وقد تجمعت في حديقة، إنها لوحة رمزية لقدوم الربيع وثرائه، كما ترمز اللوحة إلى الحب الأفلاطوني الحديث. في مصر هناك فنانون كثيرون صوروا الربيع من وجهات نظر مختلفة من بينهم الفنان سمير فؤاد الذي يتميز بتنوع المشهد والموضوع في لوحاته الزيتية والمائية. في معرضه الاستيعادي الأخير في جاليري أوبونتو بالزمالك في مطلع هذا العام كان هناك ظهور جديد للمشهد الطبيعي، وهو موضوع جديد على عين المتابع لمعارضه. يقول الفنان:"بالنسبة لى الربيع هو احتفال بمولد عام جديد بعد موات الشتاء فتخضر أوراق النباتات فى شرفة مرسمى وتبدأ أشعة الشمس فى زيارته بعد انقطاع ويملأه الضوء من جديد ولأن احتفال شم النسيم كان دائما مرادفا للاحتفال بالربيع عندما كنا أطفالا فقد كان الرقص والانطلاق فى الحدائق هو ما يقفز لمخيلتى، كما كان يستدعى أجدادنا الفراعين لأن هذا الاحتفال امتداد لهم، ولذلك فإن لوحة راقصات الدفوف هى أكثر ما يمثل روح الربيع من أعمالى ففيها الرقص الاحتفالى، والألوان الخضراء والبرتقالية تمثل ألوان الطبيعة وراقصاتها يستدعين راقصات المعبد كما تمثلهم الفنان المصرى القديم. كما يتجلى الربيع في لوحات الفنان المصري الكندي وجيه يسى، و هو من الفنانين القلائل الذين برعوا في فن البورترية، في تكوين لوحاته وألوانها و ضربات فرشاته السريعة والعفوية، ربما في مجموعة من الزهور أو مشهد طبيعي، الذي ظهر بقوة أيضا في أعماله في معرضه السابق "وجدتنهرا" في جاليري آرت كورنر بالزمالك، حيث كان هناك تحولً ثرياً في المشهد، حيث تحتل عناصر الطبيعة موقع البطل هذه المرة: هي مشاهد قد يمر بها الفنان سريعاً أثناء تجواله في مكان إقامته بتورنتو-كندا، حيث يقيم الفنان منذ سبع وعشرين عاماً. بالنسبة ليسى: الربيع هو تحول لوني. "أكثر ما يوحي بالربيع هو ذلك اللون الأخضر الشفاف الذي يعلن عن ميلاد جديد للطبيعة والإنسان". في معظم لوحات معرضه الفائت هناك حوار ما بين زوجين من البقر، الثيران، سرطان البحر، حوار يحتاج وقتا طويلا لسبر غوره. في لوحات أخرى ستقضي دقائق في تأمل المشهد الطبيعي قبل أن تلتقط عيناك ملامح حصان شارد إلى عمق اللوحة يتطلع بفضول إلى وجهك بتعجب - ربما لاقتحامك عالمه الخاص، أو ربما ثور وحيد يجذبك برقة إلى عالمه البري الغامض - ذلك العالم الذي افتقدنا التواصل معه.