هل تتأثر هوليوود وصناعة السينما الأمريكية بالحرب التجارية المشتعلة الآن بين أمريكاوالصين؟ أم أن قلعة صناعة السينما لا دخل لها بالقرارات العقابية المتبادلة بين رئيسى الدولتين فيما يتعلق ب الرسوم الجمركية؟ نعم وبالتأكيد ستتأثر هوليوود بهذه الحرب، وربما تدفع ثمنًا كبيرًا، ليس كما جاء بالتقارير الصحفية السريعة التى اختزلت القضية بتخفيض الصين لعدد الأفلام الأمريكية التى تُعرض بها، وكأن هذا هو كل ما يهم هوليوود، من يذكر هذا وحسب، هو بالتأكيد لا يُدرك حجم التبادل التجارى بين هوليوود والصين، وقدر الاستثمارات الضخمة المعلن والخفى بينهما، فالأمر لا يقتصر على إيرادات السينما الأمريكية من السوق الصيني، والتى لم تعد تُمثل الآن إلا 10٪ فقط من الإيرادات الخارجية للأفلام، وكانت تتجاوز ثلث الإيرادات قبل أربع سنوات، وتراجعت بسبب الجائحة وتوتر العلاقات الشديد بين أمريكاوالصين والذى بدأ مع الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكى ترامب، ثم ازدادت الأمور توترًا وتعقيدًا خلال سنوات بايدن الأربعة، والآن بعد أقل من مائة يوم لترامب وقراراته العنيفة غير المحسوب توابعها، نتابع وقائع حرب باردة بين القطبين العملاقين وتضخما اقتصاديا ثم ركودا سيدفع ثمنه العالم كله وليس هوليوود أو أمريكا فقط! اقر أ أيضًا | قانون تمويل الأفلام الألماني .. يدعم أفلام هوليوود تجاوزت هوليوود منذ سنوات صدمة تراجع إيرادات أفلامها فى الصين، وربما تصالحت مع ما تحققه الآن، وهو ما يتجاوز مليار دولار بقليل، فالثمن الذى كانت تدفعه شركات هوليوود العملاقة وصُناع السينما من أجل تعظيم إيراداتها فى الصين كان فادحًا، وغير مقبول لدى البعض، فقد اضطرت الاستوديوهات الأمريكية لفرض محاذير رقابية عديدة على أفلامها، يراعى فيها عدم ظهور أى شخصية صينية بشكل سلبى أو مسىء، غير الالتزام بالتقاليد السائدة لدى الشعب الصينى، ومع تطور الأمر، أنتجت بعض الاستوديوهات أفلاما تغازل الجمهور الصينى، مثل «مولان» فيلم ديزنى الشهير الذى عرّضها لانتقاد كبير من الجمهور الأمريكى، وأثار غضبًا واسعًا لكونه فيلمًا موجهًا ومصممًا خصيصًا للجمهور الصينى، غير دعم الفيلم للسردية الصينية التى تقضى بقمع الفئات المهمشة فى البلاد، كما كشفت بعض التقارير تعاون صناع الفيلم مع مكتب الأمن العام فى توربان، وجهات حكومية أخرى منها موقع لمعسكرات اعتقال جماعى فى الصين، مما أثار غضبًا عارمًا ضد شركة ديزنى.. ديزنى تحديدًا تُحافظ على علاقاتها بالصين وتفعل ما تُريده إدارة السينما الصينية، ولا مانع لديها من الرضوخ للأوامر لتحظى بالقبول! هوليوود صُنعت فى الصين! مع تكرار النماذج الصارخة لأفلام صُنعت من أجل الصين، تمرد عدد من صُناع الأفلام، وغضب الجمهور الأمريكى لانصياع هوليوود لأوامر الرقابة الصينية، غير تلميحات الصحف الصينية الساخرة، ونبرة التعالى التى أصابت الكتَّاب والخبراء الصينيين ووصلت لحد تداول شعار مستفز... «هوليوود صُنعت فى الصين»، وهو عنوان الكتاب الشهير الذى صدر عام 2017 لآين كوكاس، الأستاذة الجامعية والباحثة ومديرة مركز شرق آسيا بجامعة فيرجينيا.. وكان كتابًا صادمًا للقرَّاء الأمريكيين، حيث يكشف العلاقات الوثيقة والتكافلية -والمشبوهة أحيانًا- والتى تربط بين السوقين الأمريكى والصينى. رضوخ هوليوود لأوامر الصين اعتبره البعض مهينًا، وهو ما ترفضه الأنا الأمريكية المتضخمة بشدة، لذلك كان لابد من إعادة ترتيب الأوراق والقبول بخسارة جزء من إيرادات السوق الصينى الذى يُهدد عرش هوليوود وغرورها، لذلك لم يكن وقع تهديد الصين بتخفيض عدد الأفلام الأمريكية شديدًا كما يظن البعض، فالتهديد تكرّر فى السنوات الماضية، حتى أجبر هوليوود على تخفيض الاعتماد على السوق الصينية كمصدر رئيسى للإيرادات.. المشكلة الحقيقية ليست عدد الأفلام والإيرادات، فالعلاقات بين هوليوود والصين تتشابك وتتجاوز هذا بكثير، هناك رؤوس أموال ضخمة تضخها استوديوهات الإنتاج الصينية لتمويل أفلام أمريكية، وهو ما يُبرر ويُتيح للصين التحكم فى صناعة السينما الأمريكية، واختيار أو استبعاد موضوعات أو قضايا أو حتى نجوم.. فى كتاب «هوليوود صُنعت فى الصين» كشفت المؤلفة عن دور مؤسسات صينية مثل «على بابا بيكتشرز» و«ويتنسنت بيكتشرز» فى السيطرة على توجهات بعض الأفلام الأمريكية التى قامت بتمويلها، كما كشفت عن صفقات بين نتفليكس وإحدى المنصات الصينية! وتلهث الاستوديوهات الأمريكية العملاقة خلف صفقات متعددة مع الجانب الصينى الذى يستثمر أموالًا ضخمة فى هوليوود، وهو ما قد تخسره إذا استمرّت الحرب التجارية بين البلدين.. وفى حين أصدرت إدارة السينما الصينية بيانًا تقول فيه إن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة الأمريكية تقلل من قبول الجمهور الصينى للأفلام الأمريكية، ولذلك ستخفض عدد الأفلام المستوردة من أمريكا احترامًا لرغبات الجمهور المحلى.. تملقت الشركات الأمريكيةالصين، فقال المتحدث باسم شركة «آيماكس» الأمريكية لمجلة «فارايتى» إن قائمة أفلام الشركة لن تتأثر بشكل ملحوظ اعتمادًا على العلاقات القوية للشركة مع الصين، كما أكد أنه يتوقع عامًا قويًا لآيماكس فى الصين بعد تحقيقها أعلى الإيرادات فى الربع الأول من العام! كان الفيلم الأمريكى «A Minecraft Movie» قد تصدر إيرادات الأسبوع قبل الماضى فى الصين، متفوقًا على الفيلم الصينى الضخم «Ne Zha 2» الذى حقق 2.11 مليار دولار بعد عشرة أسابيع من عرضه، لكن بعد اشتعال حرب التعريفات الجمركية، تراجع الفيلم الأمريكى وتصدر الإيرادات الفيلم الصينى النسائى «We Girls» بإيرادات بلغت 4.6 مليون دولار فقط. ومنذ أيام لوّحت بعض المصادر القريبة من البيت الأبيض بكشف غموض فى ثروات وتقارير مالية لهوليوود، لذا تلزم هوليوود الصمت، خاصة وعلاقتها مع دونالد ترامب الرئيس الأمريكى الحالى هى الأسوأ تاريخيًا، وليس فى وسعها إلا تلقى القرارات والصدمات، خاصة مع الضغوط التى تُمارسها الرئاسة الأمريكية الآن وتشديد الرقابة على الاستثمارات الصينية فى الولاياتالمتحدة.