في أواخر الأسرة السادسة والعشرين، وفي زمن بلغ فيه الإبداع المصري القديم أوجه، عاش الطبيب "بسماتيك سنب"، ما بين عامي 570 و520 قبل الميلاد. لم يكن مجرد طبيب يعالج المرضى، بل كان رمزًا للتفوق الإنساني في ميادين العلم والفن.. لوحة تذكارية حملها هذا الطبيب النبيل، منقوشة بألقابه ومقامه، لم تكن مجرد قطعة أثرية، بل كانت شهادة حية على ازدهار الحضارة المصرية في ذلك العصر، حيث التقى الطب بالنحت، والوظيفة بالإبداع، والهوية بالعراقة. اقرأ أيضا | حكاية أثر| «سن نفر ومريت».. حكاية حب وجمال وطقوس مقدسة في مقبرة 96 بجبانة طيبة بسماتيك سنب: الطبيب الإنسان والفنان يحمل اسم بسماتيك سنب دلالة مزدوجة؛ فهو يشير إلى شخصية طبية مرموقة من عهد الأسرة السادسة والعشرين، وإلى إرث فني فريد خُلد في لوحة حجرية غاية في الدقة والروعة، وُجدت هذه اللوحة ضمن مجموعة من القطع التي تمثل نخبة المجتمع المصري في أواخر العصور المتأخرة، وتشير ألقابه إلى مكانته كطبيب ومثقف ومسؤول في البلاط الملكي. اللوحة التذكارية: شهادة إبداع لا تُنسى تُعد اللوحة التذكارية التي خلدت اسم بسماتيك سنب واحدة من أبرز الأمثلة على الفن المصري المتأخر، فهي ليست فقط توثيقًا لحياته ومكانته، بل تحمل بين خطوطها ونقوشها تعبيرًا عميقًا عن المهارة التي بلغها النحات المصري القديم، ويظهر الطبيب جالسًا في وقار، ترتسم على وجهه ملامح الحكمة، ويحيط به نقش دقيق يعدد ألقابه ومكانته، مما يعكس الاحترام الكبير الذي كان يحظى به. الطب في مصر القديمة: مزيج من العلم والقداسة كان الطبيب في الحضارة المصرية، شخصية محورية، يجمع بين المعرفة الطبية والبُعد الديني، ويُنظر إليه كوسيط بين الإنسان والآلهة في مسألة الشفاء، وتجسد شخصية بسماتيك سنب هذا المفهوم بوضوح، حيث تظهر ألقابه تقاطعًا بين دوره كمعالج ومكانته ضمن النخبة الإدارية والدينية للدولة. بسماتيك سنب كرمز للحضارة المصرية ليست اللوحة التذكارية لبسماتيك سنب مجرد تمثال أو نقش، بل هي رمز لحضارة ضاربة في عمق التاريخ، أسست لفكرة تكريم العلم والمعرفة والاحتفاء بمن يسهمون في بناء الإنسان، كل منحوتة، كل نقش، كل كلمة محفورة على هذه اللوحة، تؤكد عبقرية الفنان المصري الذي لم يكن يسجل تاريخًا فقط، بل كان ينحت روح الحضارة.