حظيت الأم بمكانة متميزة في مختلف الحضارات، إلا أن المصريين القدماء كانوا من أوائل الشعوب التي كرّمتها وأعلت من شأنها، فجعلوها رمزًا للحياة والحنان والتضحية. اقرأ أيضا | حكاية متحف|«مذكرات ماسبيرو» حول نقل الآثار إلى المتحف المصري لم يكن هذا التكريم مقتصرًا على الحياة اليومية، بل امتد ليشمل الفن والدين، حيث خُلدت صورة الأم في التماثيل والنقوش، ومن أبرزها تمثال الملكة نفرت، زوجة الملك سنوسرت الثاني، الذي يجسد بوضوح رمزية الأمومة في الفكر المصري القديم. ** تمثال الملكة نفرت: رمز للأمومة والحنان يُعد تمثال الملكة نفرت، المكتشف في تانيس والذي يعود إلى عصر الدولة الوسطى (الأسرة الثانية عشرة، حوالي 1897-1878 ق.م)، أحد الشواهد البارزة على تقدير المصريين القدماء للأم. يتميز التمثال بملامح فنية مستوحاة من تماثيل الدولة القديمة، حيث تظهر الملكة وهي ترتدي شعرًا مستعارًا على هيئة المعبودة حتحور، التي كانت رمزًا للأمومة والخصوبة. ** تفاصيل التمثال ومعانيه تجلس الملكة نفرت في وضع يعكس الوقار والهيبة، حيث تضع يدها اليمنى على ركبتها، بينما تستند يدها اليسرى على ذراعها الأيمن، في إيماءة تحمل معاني الرعاية والحماية. النقوش المحفورة على الكرسي الذي تجلس عليه تخلّد ألقابها، مثل: "النبيلة" "المفضلة" "المثنى عليها" "حبيبة الملك" تجسد هذه الألقاب المكانة المرموقة التي تمتعت بها الملكة نفرت، ليس فقط كزوجة للملك، بل أيضًا كرمز للحكمة والعطاء، مما يعكس مكانة الأم في المجتمع المصري القديم. ** عيد الأم في الحضارة المصرية القديمة لم يكن تكريم الأم مجرد رمزية فنية، بل امتد إلى الحياة الاجتماعية والدينية، حيث ارتبطت المعبودات إيزيس وحتحور ونوت بالأمومة والعناية والحماية. كما زخرت النصوص المصرية القديمة بالحكم والنصائح التي تحث على برّ الأم واحترامها، ومن أبرزها مقولة الحكيم آني: "أطع أمك واحترمها، وضاعف الطعام الذي تخصصه لها، وتحملها كما تحملتك، فتذكر أمك التي ولدتك وعملت على تربيتك بكل سبيل، لا تدعها تلومك وترفع كفها إلى الإله فيسمع شكواها." يعكس تمثال الملكة نفرت عمق التقدير الذي حظيت به الأم في الحضارة المصرية القديمة، حيث لم تكن مجرد شخصية عائلية، بل كانت رمزًا للقوة والرعاية والمحبة. ويظل عيد الأم اليوم امتدادًا طبيعيًا لهذه القيم التي غرسها المصريون القدماء، ليؤكد أن دور الأم سيظل محور الحياة والمجتمع في مختلف العصور. اقرأ أيضا | «الملكة نفرت».. رمز الجمال والحنان في الدولة الوسطى