تعد الملكة نوفريت واحدة من أبرز الشخصيات في تاريخ مصر القديمة، وتنتمي إلى الأسرة الثانية عشرة (1897-1878 قبل الميلاد)، فترة ازدهار الدولة المصرية تحت حكم الملك سنوسرت الثاني. وُصفت الملكة بأنها كانت محبوبة الملك، وقد سجلت في تاريخ مصر القديمة بلقب "المرأة النبيلة" و"المفضلة والمثنية بشدة". تمثل الملكة نوفريت رمزًا للأمومة والعطف، وكان تمثالها المذهل من الجرانيت الأسود الذي وُجد في تانيس دليلًا على التأثيرات الفنية التي اتسمت بها مصر في ذلك الوقت. يعكس التمثال قدرة الفنانين المصريين على إحياء شخصيات الملكات بشكلاً دقيقًا من خلال النقوش والتفاصيل الرمزية التي تبرز مكانتها كملكة محبوبة وثرية بمفاهيم الأمومة والرعاية. في هذا التقرير، سنروي قصة الملكة نوفريت وأهمية تمثالها في تاريخ مصر القديمة والفن المصري . الملكة نوفريت: الملكة نوفريت كانت واحدة من الزوجات الملكية المفضلات في العصر الوسيط المصري، عاشت في فترة الأسرة الثانية عشرة، وهي فترة شهدت نهضة حضارية وسياسية في تاريخ مصر القديمة، كان سنوسرت الثاني هو زوج الملكة نوفريت، وهو أحد حكام هذه الأسرة الذين قاموا بتحقيق العديد من الإنجازات الهامة في تاريخ مصر، خاصة في مجال البناء والتنظيم الإداري. اقرأ أيضًا| حكايات| «قصر التيه».. خزائن «يوسف» لإطعام أهل الأرض كانت الأسرة الثانية عشرة من أهم العصور التي شهدت استقرارًا سياسيًا ونموًا اقتصاديًا، حيث تم بناء العديد من المعابد والمشروعات الكبرى، وقد تميزت هذه الفترة أيضًا بقدرتها على تحقيق نوع من السلام الداخلي والازدهار. تذكر النصوص القديمة أن نوفريت كانت محبوبة الملك، وكانت تتمتع بمكانة كبيرة في قصر الملك سنوسرت الثاني، وهو ما يعكسه اللقب الذي حظيت به "المفضلة والمثنية بشدة"، ويُظهر ذلك مقدار الاحترام والتقدير الذي نالته الملكة في قلوب المصريين، وكذلك الدور الكبير الذي لعبته في النظام الملكي. التمثال الملكي: من أبرز الآثار التي تتعلق بالملكة نوفريت هو تمثالها الفريد الذي وُجد في مدينة تانيس (بالقرب من دلتا النيل). يُصنف هذا التمثال كواحد من أعظم الأعمال الفنية التي تمثل ملكات مصر القديمة، تم نحت التمثال من الجرانيت الأسود، وهو من المواد الفاخرة التي كانت تستخدم في صناعة التماثيل الملكية بسبب قوتها وجمالها، يعكس التمثال الدقة المتناهية في التفاصيل واحترافية الفنانين المصريين في تلك الفترة. يظهر التمثال الملكي الملكة نوفريت وهي ترتدي زيًا ملكيًا مع خصائص رمزية قوية، حيث كانت الملكة ترتدي شعراً مستعارًا من الإلهة حتحور، إلهة الأمومة، التي كانت تعد رمزًا للحنان والعطف. هذا الاختيار لم يكن عفويًا، بل كان إشارة إلى الدور الأمومي والحنون الذي كانت تمثله الملكة نوفريت في المجتمع المصري، كانت حتحور تعتبر إلهة الحب والجمال والموسيقى، وكانت مرتبطة بعبادة الأمومة، وكان من الطبيعي أن يتم ربطها بهذه الملكة التي تمثل قوة الأمومة والرحمة، والتمثال هو الآن في المتحف المصري بالتحرير. رمزية التمثال: عندما ننظر إلى تمثال الملكة نوفريت، نلاحظ أن يدها اليمنى تلمس ركبتها بينما اليد اليسرى توضع على ذراعها اليمنى، يُعتقد أن هذا الترتيب له دلالة رمزية عميقة في الثقافة المصرية القديمة، حيث كان وضع اليد على الركبة يشير إلى القوة والاستقرار، بينما كان وضع اليد على الذراع رمزًا للرعاية والاهتمام، هذا التوازن بين القوة والحنان يعكس الشخصية المركبة للملكة نوفريت كرمز للأم والملكة القوية في ذات الوقت. النقوش المنحوتة على مربى العرش تبرز ألقاب الملكة العظيمة، مثل "المرأة النبيلة" و"المفضلة والمثنية بشدة" و"محبوبة الملك"، هذه الألقاب تدل على مكانتها الرفيعة في المجتمع المصري كزوجة محبوبة لفرعون، وأيضًا على تأثيرها الكبير في الدوائر الملكية والسياسية. التأثيرات الفنية على تمثال نوفريت: يتميز تمثال الملكة نوفريت بتأثره بشكل كبير بفن ممفيت في المملكة القديمة، هذا التأثر يعكس تطور الأساليب الفنية في مصر القديمة، حيث بدأت الفنون المصرية تأخذ في بعض الفترات طابعًا محليًا يتأثر بأسلوب الفنانين في أماكن مختلفة من المملكة، كان فن ممفيس يمثل الأسلوب التقليدي، وقد اشتُهر باستخدام التماثيل ذات التفاصيل الدقيقة، والوجوه الرصينة التي تعكس القوة والهيبة الملكية. لكن تمثال نوفريت جاء ليكون جسرًا بين فنون المملكة القديمة والفنون التي شهدتها المملكة الوسطى، حيث مزج بين الحرفية العالية في نحت التفاصيل مع الرمزية التي تجسد الحياة الروحية والعملية للملكة، كما أن نقوش التماثيل كانت تُستخدم لتوثيق الإنجازات السياسية والروحية للملك أو الملكة، وكان كل عنصر في التمثال له معناه الخاص، كانت هذه الطريقة جزءًا من المعتقدات المصرية التي تتعامل مع الفنون كوسيلة لحفظ الأبدية وتمجيد الآلهة والملوك. موقع اكتشاف التمثال: تم العثور على تمثال الملكة نوفريت في مدينة تانيس، التي كانت في العصور القديمة واحدة من أهم المدن في دلتا النيل، تانيس كانت تُعد مركزًا دينيًا وتجاريًا هامًا، وتمثل نقطة اتصال بين شمال مصر وجنوبها، تميزت تانيس بتاريخ طويل ومعقد، حيث كانت في مراحل معينة عاصمة مصر في بعض الفترات التاريخية. لقد كان اكتشاف تمثال الملكة نوفريت في تانيس مفاجأة كبيرة لعلماء الآثار، حيث يعكس الموقع الحيوي للمدينة التي كانت تضم العديد من الملوك والملكات في تاريخ مصر القديم، يعتبر هذا الاكتشاف أحد الاكتشافات البارزة التي تعكس الانعكاسات الفنية والروحية لهذه الفترة. الملكة نوفريت وأثرها على التاريخ المصري: الملكة نوفريت، على الرغم من أنها لم تحظَ بشهرة مثل الملكات الأخريات مثل حتشبسوت أو نفرتيتي، إلا أنها تركت بصمة واضحة في تاريخ مصر القديمة، فقد تم تقديرها واحترامها من قبل الملك سنوسرت الثاني، وكان لها تأثير كبير في الحياة السياسية والدينية في مصر، ورغم أن هناك ندرة في المصادر التاريخية التي تتحدث عن تفاصيل حياتها، إلا أن ما وصل إلينا من آثار فنية ونقوش يُظهرون لنا صورة عن شخصية قوية ورحيمة في ذات الوقت. تظل الملكة نوفريت واحدة من الشخصيات التي تمثل جمال الفن المصري القديم وثراء ثقافة مصر، من خلال تمثالها الرائع والنقوش التي تحمل ألقابها الملكية، نرى صورة متكاملة للملكة التي كانت رمزًا للأمومة والحنان في مصر القديمة، كما كانت لها مكانة رفيعة في الأسرة الثانية عشرة. إن تمثالها الفريد لا يقتصر فقط على كونه عملًا فنيًا، بل هو شاهد على تاريخ ملكة تركت أثراً في قلوب المصريين وفي الفنون المصرية القديمة، وساهمت في استمرار المجد المصري على مر العصور.