فن النحت في مصر ليس مجرد إبداع فني، بل هو سجل حي لتاريخ وثقافة ممتدة عبر آلاف السنين، منذ الحضارة المصرية القديمة وحتى العصور الحديثة، شهد النحت في مصر تطوراً مذهلاً عكس الهوية المصرية وأبرز ملامحها الروحية والاجتماعية. هذا التقرير يلقي الضوء على مسيرة هذا الفن العريق، موضحاً مراحل تطوره وتأثيراته الحضارية من خلال تصريح خاص للدكتور حسين عبد البصير، أستاذ علم المصريات. * النحت في مصر القديمة: التعبير عن الهوية الروحية اقرأ أيضا | روائع أم كلثوم تتصدر المشهد في الأوبر أكد الدكتور حسين عبد البصير، أن النحت في مصر القديمة كان انعكاساً حقيقياً للهوية المصرية، حيث استُخدمت مواد مثل الحجر الجيري، الجرانيت، الأخشاب، والنحاس في إنتاج أعمال فنية رائعة. امتزجت تلك الأعمال بين الجمال الخارجي والرسائل الروحية العميقة، كما يظهر في تماثيل مثل أبو الهول ورمسيس الثاني. * النحت الجنائزي والنصب التذكارية كان للنحت الجنائزي أهمية خاصة في مصر القديمة، حيث جسد النحاتون أدق التفاصيل للشخصيات لتخليد وجودها في الحياة الآخرة. امتدت براعتهم لتشمل النصب التذكارية والمقابر الملكية والمعابد، مع اعتماد النقوش البارزة والغائرة التي أضفت بُعداً جمالياً وإبداعياً على هذه الأعمال. * التأثيرات الهيلينية والرومانية على النحت المصري مع دخول العصر البطلمي والروماني، شهد النحت المصري تداخلاً مع الأساليب الهيلينية والرومانية. برع النحاتون في دمج التقاليد المصرية مع الأساليب الوافدة، ما أظهر التنوع الفني في أعمال مثل تمثال بطليموس الثاني. أوضح الدكتور حسين أن هذه المرحلة حافظت على هوية مصر الفنية رغم التأثيرات الحضارية المختلفة. * النحت القبطي: رسالة روحية في البساطة تميزت الفنون القبطية بالنحت الرمزي الذي ركز على الرسائل الروحية، مستخدمة مواد محلية مثل الحجر والخشب لتجسيد الرموز المسيحية. كانت تلك الأعمال شاهداً على المرحلة القبطية، حيث دمج الفنانون الإيمان الديني مع الإبداع الفني. * النحت الإسلامي: إبداع الزخارف الهندسية والنباتية مع انتشار الإسلام، تحول النحت إلى الزخارف النباتية والهندسية التي زينت المساجد والمباني. أبدع الفنانون المسلمون في تصميمات تعتمد على الابتكار في الأشكال الهندسية، مما جعل الفنون الإسلامية تُعرف برونقها الخاص. * نهضة النحت في العصر الحديث شهد القرن التاسع عشر بداية نهضة جديدة في النحت المصري، تأثرت بالفن الأوروبي. يُعتبر محمود مختار أحد رموز هذه النهضة، حيث أبدع في تمثال "نهضة مصر"، الذي جسد روح الوطنية والانتماء. يقول الدكتور حسين إن مختار أسس مدرسة فنية جديدة أثرت على أجيال من النحاتين. * النحت في القرن العشرين: مزيج بين التراث والحداثة برز فنانون مثل عبد الهادي الوشاحي وآدم حنين في القرن العشرين، مقدمين أعمالاً مزجت بين التراث المصري والأساليب الحديثة. تميزت أعمالهم باستخدام مواد جديدة وتقنيات متطورة، ما جعلها تحظى بتقدير عالمي. النحت المعاصر: الشباب والابتكار شهد النحت المصري المعاصر بروز جيل من الشباب الذين استلهموا التراث، لكنهم أضافوا رؤيتهم العصرية باستخدام مواد وأساليب متنوعة. رغم التحديات، يواصل هؤلاء الفنانون تقديم أعمال تعكس القضايا الاجتماعية وتُعرض في معارض محلية وعالمية. أوضح الدكتور حسين أن فن النحت في مصر يظل شاهداً على حضارة عظيمة، قائلاً: "النحت المصري ليس مجرد فن، بل هو لغة تعبر عن الروح المصرية. من خلال تماثيل الأجداد وحتى أعمال الشباب اليوم، يبرز هذا الفن كجسر يربط بين الماضي والمستقبل. دعم هذا الفن واجب للحفاظ على هويتنا الثقافية." الخاتمة: إرث ممتد وآفاق جديدة يشكل فن النحت في مصر رحلة إبداعية تعكس تاريخاً عريقاً يمتد لآلاف السنين. بفضل جهود النحاتين على مر العصور، يظل هذا الفن نابضاً بالحياة، شاهداً على عبقرية المصريين، مع تطلعات مستقبلية، يبقى دعم الفن والفنانين أساساً للحفاظ على هذا الإرث الثمين.