في زحمة العلاقات وتقاطع المشاعر، نقع أحيانًا في فخ يصعب الخروج منه بسهولة، نحب ونُحب، نشتاق ونتعلّق، حتى نجد أنفسنا أسرى لمشاعر قد تبدو في ظاهرها رومانسية، لكنها في العمق تُنهك الروح وتستنزف النفس، التعلق العاطفي ليس مجرد شعور بريء بالارتباط، بل حالة نفسية قد تتحول إلى إدمان يربك التوازن الداخلي، ويشوه مفهوم الحب الصحي. فما الفرق بين الحب الحقيقي والتعلق المرضي؟ وكيف ننجو من دائرة الاحتياج العاطفي المتكرر؟ هذا ما طُرح خلال مناقشة جرت أمس، في لقاء جمع عددًا من المتخصصين في الصحة النفسية، ضمن تشات خاص ل"بوابة أخبار اليوم"، والذي كشف أبعاد هذه الظاهرة وتأثيرها العميق على الأفراد،في السطور التالية. اقرا أيضأ|طبيبة نفسية تحذر من تجاهل مشاعر الأطفال في البداية بدأت المناقشة بتسليط الضوء على الفرق الجوهري بين الحب والتعلق، الحب الناضج كما تم توضيحه، يقوم على الاحترام المتبادل والاستقلالية العاطفية، بينما ينشأ التعلق غالبًا من شعور داخلي بعدم الاكتفاء، والخوف المزمن من الهجر أو الفقد. وفي نفس السياق قال الدكتور محمود محمد علام، الكاتب واستشاري الإرشاد النفسي، أوضح أن التعلق العاطفي لا يبدأ فجأة، بل يتسلل إلى العلاقة تدريجيًا من خلال الاعتمادية الزائدة، حيث يعتقد الطرف المتعلق أن سعادته، وراحته النفسية، وحتى قيمته الذاتية، كلها تعتمد على وجود الآخر. وأضافة علام قالا :"الوعي هو أول خطوة للعلاج، أن تدرك أنك لست بخير، وأن هذا الارتباط يدمرك أكثر مما يبنيك، هذه بداية التعافي". كما شدد على أهمية العلاج النفسي خصوصًا في حالات التعلق التي تكون جذورها متأصلة في تجارب الطفولة أو العلاقات السابقة المؤلمة، لافتًا إلى أن كثيرًا من أنماط التعلق ترتبط بتجارب فقد، أو نقص في الاحتواء العاطفي خلال مراحل مبكرة من الحياة. وأشار استشاري الإرشاد النفسي :"العلاقة الصحية تبدأ عندما تتوقف عن البحث عن نصفك الآخر، وتبدأ في اكتشاف ذاتك الكاملة، حين تفهم أن لا أحد مسؤول عن إسعادك سواك، تنضج علاقتك بالعالم". تجارب من الواقع: مشاركة الحضور أضفت طابعًا إنسانيًا عميقًا على اللقاء، إذ تحدث البعض عن تجاربهم مع التعلق، وكيف شعروا بالانهيار عند غياب الطرف الآخر،شاب في العشرين قال:"كنت أظن أنني واقع في الحب، لكن الحقيقة أنني كنت أبحث عن أي شكل من أشكال الاحتواء. وعندما ابتعد من تعلقت به، شعرت أنني فقدت نفسي". بينما وصفت كاتبة شابة تجربتها بقولها:"ظننت أن العلاقة تمنحني قيمة، لكنني اكتشفت أنني كنت أهرب من مواجهة ذاتي، وكل لحظة انفصال كانت تجرحني لأنها تذكرني أنني لا أملك نفسي بعد". أضرار التعلق العاطفي: تم التطرق خلال النقاش إلى عدة آثار مدمرة للتعلق المفرط، منها: فقدان الهوية: يبدأ الشخص في التخلي عن اهتماماته وأهدافه لإرضاء الطرف الآخر. الخوف المستمر: القلق من الفقد أو الهجر يصبح هاجسًا يوميًا. الاعتمادية الزائدة: يصبح من الصعب اتخاذ قرارات أو الشعور بالرضا دون موافقة الطرف الآخر. سلوكيات مؤذية: مثل الغيرة، المراقبة، محاولات السيطرة أو التضحية المتكررة. الانهيار النفسي: خاصة عند الانفصال أو الشعور بالرفض، ما يؤدي إلى نوبات اكتئاب أو قلق حاد. سبل التعافي كما أوضحها الدكتور محمود علام: الوعي بالمشكلة: الاعتراف بأن العلاقة لم تعد صحية هو الأساس. العودة للذات: إعادة بناء الهوية من خلال الاهتمام بالنفس وتطوير المهارات والهوايات العلاج النفسي: خصوصًا إذا كان التعلق مرتبطًا بصدمات قديمة. الحب الذاتي: منح النفس الدعم والتقبل بدلاً من انتظاره من الخارج. التخلي عن الكمال: والتصالح مع فكرة أن لا أحد مثالي، ولا علاقة خالية من العيوب. ونوة علام أن :"الانفصال أحيانًا لا يعني نهاية العلاقة بالآخر، بل بداية علاقة جديدة مع نفسك،نحن لا نُشفى من التعلق بالابتعاد فقط، بل بالعودة إلى داخلنا". التعلق العاطفي ليس حبًا، بل احتياج متضخم يفقد الشخص حريته العاطفية والنفسية، وبينما نُربّي أنفسنا على ثقافة "نصفك الآخر"، ننسى أن الاكتمال يبدأ من الداخل، اللقاء لم يكن مجرد حوار نظري، بل كان دعوة صريحة لإعادة تعريف الحب، بعيدًا عن الألم والاعتمادية، باتجاه علاقة متزنة تبدأ من حب الذات.