عبلة، حسناء بنى عبس التى شغلت الدنيا، لا يمكنك العثور عليها فى الواقع، بل مجرد خيال صاغه عنترة فى قصائده، فصدقه الذين جاءوا من بعده، وتعاملوا معها على أنها امرأة من لحم ودم وروح. وفق دراسة للدكتور أحمد الحراشة أستاذ الأدب القديم بجامعة آل البيت بالأردن، لم يكن لعنترة عم اسمه مالك، وبالتالى لم ينجب مالك فتاة اسمها عبلة، وبناء عليه يمكنك أن تحذف من القصة رحلته إلى بلاد الملك النعمان بن المنذر، وعودته بالنياق «العصافير» التى قدمها مهرا لعبلة. اسم عبلة نفسه لم يكن شائعا فى تلك الفترة، ويأتى بمعنى (المرأة الممتلئة، وفى رواية أخرى البيضاء) والعرب فى الجاهلية يطلقون أسماء لا تصف لون أو جسد بناتهم حتى لا يسمع أحدهم الاسم فتنطبع صورتها فى خياله ويشتهيها، وهم أكثر الناس غيرة على نسائهم. 40 عاما من حياته ظل فيها عنترة عبدا، شغله الشاغل الحصول على حريته، بينما الجهر بعشق فتاة، والتودد إليها، ومصاحبتها فى حلها وترحالها رفاهية لا تتاح للرقيق، وحين أعتقه والده منحه النسب فقط، ولم يسمح له بحق الزواج من حرَّة! وعنترة فارس صاحب مروءة وشرف، يعلم أن ذكر ابنة عمه وإفشاء أسرارها فى أشعاره يحط من قدرها أمام الناس، ويضعه فى خانة المسىء إلى قومه، ولا أقل من أن تنقذه صفاته النبيلة عن الوقوع فى النقائص، وهو القائل: «وَأَغَضُّ طَرفى ما بَدَت لى جارَتي.. حَتّى يُوارى جارَتى مَأواها».