في قلب القاهرة القديمة، حيث يلتقي عبق الماضي بأصالة الحاضر، يقع حي خان الخليلي العريق، أحد أقدم وأشهر الأسواق في العالم الإسلامي، والمكان الذي تتنفس فيه روح مصر التاريخية. اقرأ أيضا | مدير مقهى أم كلثوم يكشف كواليس زيارة الرئيس السيسي وماكرون |فيديو خان الخليلي ليس مجرد سوق تجاري أو حي شعبي، بل هو تحفة معمارية حية، ومتحف مفتوح يعكس ملامح العصور الإسلامية المتعاقبة، وواحة ساحرة للزوار من مختلف دول العالم، الذين يأتون ليتجولوا في أزقته الضيقة، ويتذوقوا روائح التوابل الشرقية، ويشتروا التحف والمشغولات اليدوية التي تعكس حضارة عمرها آلاف السنين. هذا الحي، الذي أنشئ منذ أكثر من ستمائة عام، لم يزل محافظًا على طابعه المملوكي العتيق، ويُعد شاهدًا خالدًا على التاريخ، ومصدر إلهام لا ينضب للكتاب والفنانين، أبرزهم نجيب محفوظ، الذي خلده في روايته الشهيرة "خان الخليلي"، قبل أن تُحول إلى عمل سينمائي. في هذا التقرير، نأخذكم في رحلة عبر الزمن لنستعرض تاريخ خان الخليلي، سبب تسميته، ملامحه المعمارية، مكوناته الداخلية، وزواره من القادة والزعماء من شتى أنحاء العالم. ** خان الخليلي: سوق التاريخ وذاكرة الأمة خان الخليلي هو أحد أحياء القاهرة القديمة الذي يقع في حي الحسين، ويُعد من أهم المزارات السياحية في العاصمة المصرية. يتمتع الحي بجاذبية خاصة لما يحتويه من متاجر وبازارات تراثية، ومقاهٍ شهيرة مثل مقهى الفيشاوي ومقهى نجيب محفوظ، ومجموعة من الحرفيين الذين يحافظون على الصناعات التقليدية بكل دقة وجمال. الحي يُعد مقصدًا مفضلًا ليس فقط للسائحين بل لسكان القاهرة أنفسهم، حيث يقصدونه لاقتناء الهدايا التذكارية، أو الجلوس في أحد مقاهيه الأثرية. كما يمتاز خان الخليلي بكونه حيًا يتعايش مع السياحة دون أن يفقد ملامحه الأصلية؛ فالسكان المحليون اعتادوا وجود السائحين، ويمارسون حياتهم اليومية بكل بساطة وطبيعية. ** تاريخ خان الخليلي يبلُغ عمر حي خان الخليلي العتيق حوالي 600 عام، ويُعتبر من أقدم الأسواق في الشرق الأوسط، وقد أُسس في العصر المملوكي وتحديدًا في عهد السلطان الظاهر برقوق. يتميز الخان بأنه لم يتأثر كثيرًا بعوامل الزمن، وظل محافظًا على طابعه المعماري الفريد ومعالمه الأثرية، وهو ما جعله أيقونة خالدة في قلب القاهرة. بُني الخان على أنقاض مقابر الخلفاء الفاطميين، حيث أمر الأمير جهاركس الخليلي، أحد أمراء السلطان برقوق، بنقل الرفات إلى مكان آخر، وأقام مكانها هذا السوق الكبير. منذ ذلك الحين، أصبح خان الخليلي مركزًا تجاريًا ضخمًا، يتوافد إليه التجار من شتى بقاع الأرض لبيع بضائعهم وشراء ما يلزمهم من منتجات. ** سبب التسمية الخان هو مصطلح فارسي الأصل، يُطلق على المكان الذي يتوقف فيه التجار والقوافل للراحة والتزود بالطعام والماء. أما "الخليلي" فهي نسبة إلى الأمير جهاركس الخليلي، القادم من مدينة الخليل في فلسطين، والذي أمر بإنشاء هذا الخان عام 784 هجريًا (1382 ميلاديًا). وقد شهد الخان العديد من التطورات عبر العصور، حيث أزال السلطان المملوكي قنصوه الغوري أجزاء منه بعد مقتل الخليلي، وأعاد تنظيم المكان ليشمل وكالات تجارية ودكاكين وحوانيت، مما أكسبه طابعًا معماريًا فريدًا تمزج فيه روح التجارة بروح الفن والتاريخ. ** خان الخليلي من الداخل عند دخولك خان الخليلي، أول ما يلفت النظر تلك المشربيات الخشبية المطلة على الأزقة، والتي تزين نوافذ الطوابق العليا، إلى جانب حوائط الحارات التي تفوح منها روائح العطور الشرقية والبخور. الألوان تملأ المكان؛ من الأحجار الكريمة إلى التحف المعدنية، ومن المنسوجات المزركشة إلى النحاسيات والخزف. كما تنتشر المقاهي القديمة التي شهدت لقاءات كبار الأدباء والفنانين، مثل مقهى الفيشاوي الذي تأسس منذ أكثر من قرنين، وظل محافظًا على طرازه القديم. وتتنوع المنتجات داخل الخان بين الفوانيس، والأنتيكات، والسجاجيد، والتحف الفنية، وكلها مشغولة يدويًا وتحمل لمسة مصرية أصيلة. ** خان الخليلي مصدر إلهام للثقافة والفنون لم يكن خان الخليلي سوقًا تجاريًا فحسب، بل كان ولا يزال مصدر إلهام أدبي وثقافي وفني. فقد خلد الكاتب الكبير نجيب محفوظ هذا الحي في روايته الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه، وسرد فيها تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مصر في أربعينات القرن العشرين. تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي من بطولة عماد حمدي، ليُخلد الحي في وجدان المصريين والعرب من خلال الفن. كما كتب العديد من الشعراء والأدباء عن خان الخليلي، وتغنى به مطربو الزمن الجميل في أغانيهم. ** خان الخليلي وجهة الزعماء والملوك لم يكن خان الخليلي وجهة للسياح فقط، بل حظي بزيارات من رؤساء وزعماء العالم الذين حرصوا على التعرف على معالم القاهرة الشعبية والتاريخية. حيث قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة إلى القاهرة ، حيث اصطحبه الرئيس عبدالفتاح السيسي في جولة تاريخية بمنطقة خان الخليلي الشهيرة، أثارت هذه الزيارة اهتمامًا كبيرًا بين المصريين، وتعد هذه الزيارة رمزًا لقوة العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلًا عن إظهار تقدير كبير للتراث المصري وحضارته. فيما يلي أبرز الرؤساء والقادة التاريخيين الذين زاروا مصر وتجولوا في شوارع القاهرة، بعضهم قام بجولات تاريخية في شوارعها، وبعضهم قام بزيارة مناطق أثرية، ومازلت مصر محط أنظار السياح من كل أنحاء العالم، ولاسيما زعماء أكبر دول العالم، وجاءت هذه الزيارات، كالآتي: زيارة ماكرون إلى خان الخليلي: بدأت الجولة بقطع الرئيسين الشارع الرئيسي في خان الخليلي، حيث التقط المواطنون المصريون صورًا تذكارية «سيلفي» مع الرئيسين، وتبادل الرئيسان التحية مع المواطنين، وصافح الرئيس السيسي عددًا من المصريين أثناء سيره في الشوارع، فيما رد ماكرون بابتسامة من خلال رفع يده تحية للمواطنين، وقد ردد المواطنون: «التحية إلى الرئيس»، في تعبير واضح عن محبتهم للرئيس المصري. ووصل الرئيسان إلى مطعم خان الخليلي ومقهى نجيب محفوظ الشهيرة بحي الجمالية، حيث استمتعوا بمشاهد الحياة اليومية الشعبية للمنطقة، وتفاعلوا مع تجارها وحرفييها، تعكس هذه الزيارة، التي بدت للتعبير عن التقارب بين القيادات السياسية والشعب، وتسليط الضوء على عمق التاريخ الثقافي لمصر. جاءت أبرز هذه الزيارات كما يلي: 1- رئيس الولاياتالمتحدة ريتشارد نيكسون (1974): في عام 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وزوجته منطقة الأهرامات برفقة الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته جيهان، كانت هذه الزيارة جزءًا من البرنامج السياحي الرسمي للرئيس الأمريكي. 2- الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (1979): قام الرئيس كارتر بجولة في القاهرة القديمة، بما في ذلك منطقة خان الخليلي، حيث تفاعل مع الحرفيين والتجار أثناء مفاوضات كامب ديفيد، مما أظهر التفاعل المباشر بين القيادة الأمريكية والشعب المصري. 3- الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران (1980): في عام 1980، زار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران القاهرة، حيث استمتع بجولة في مواقع أثرية مثل الأهرامات، وكان من بين لحظاته المميزة التقاط الصور أثناء تجوله في شوارع القاهرة المحيطة بالأهرامات. 4 - الرئيس الأمريكي بيل كلينتون (1994): في عام 1994، قام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وزوجته هيلاري بزيارة إلى منطقة الأهرامات برفقة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وزوجته سوزان مبارك ونجلهم جمال. 5- جاك شيراك الرئيس الفرنسي الأسبق، الذي أُعجب بالحرف اليدوية المعروضة. 6- الأمير تشارلز (الملك تشارلز حاليًا) الذي زار الحي ضمن جولات ثقافية متعددة. 7- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (2005): في عام 2005، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى القاهرة، حيث تجول في منطقة الأهرامات وزار السوق السياحي، والتقط صورًا مع الزوار، مما عكس الاهتمام الروسي بالتاريخ المصري العريق. الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (2009): على الرغم من أن زيارة أوباما إلى القاهرة كانت زيارة رسمية قصيرة، إلا أن موكبه مر في شوارع القاهرة، حيث استقبله المصريون بحماس، مما أضاف بعدًا شعبيًا لهذه الزيارة التي أكدت على أهمية العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة. 8- الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز (2016): في زيارة رسمية إلى مصر، توجه الملك سلمان إلى بعض المواقع الشعبية في القاهرة، وأقيمت مواكب استقبال واضحة في العاصمة، مما يعكس قوة العلاقة بين مصر والسعودية. 9- المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (2017): في مارس 2017، نظمت مصر حفلًا فنيًا في منطقة الأهرامات على شرف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث أبدت إعجابها الشديد بروعة المنطقة الأثرية أثناء حضورها الحفل. 10- الرئيس الفيتنامي (2018): في أغسطس 2018، قام الرئيس الفيتنامي بزيارة إلى الأهرامات ومنطقة البانوراما، حيث أعرب عن إعجابه الشديد بالحضارة المصرية، مؤكدًا أنه «إذا استطاع الإنسان أن يبني هرمًا، يمكنه أن يفعل أي شيء». 11- قرينة الرئيس الأمريكي ميلانيا ترامب (2019): في أكتوبر 2019، زارت ميلانيا ترامب، قرينة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منطقة أهرامات الجيزة، حيث استقبلها وزير الآثار خالد العناني ووزيرة السياحة رانيا المشاط، وتم التعرف على مشروعات ترميم أبوالهول والمواقع الأثرية. 12- لولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي الأسبق، الذي جلس في مقهى الفيشاوي خلال زيارته 2024 . 13- الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، والذي زار الحي أكثر من مرة. 14- الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي كان يزور خان الخليلي كلما جاء إلى مصر. هذه الزيارات تؤكد المكانة الثقافية والتاريخية التي يتمتع بها الخان، وتُظهر كيف أن حيًا صغيرًا في قلب القاهرة القديمة استطاع أن يلفت أنظار العالم. ** العمارة وروح العصر المملوكي تُعد العمارة في خان الخليلي نموذجًا فريدًا يجمع بين البساطة والفخامة، بين الوظيفة والجمال. فالمباني الحجرية المزخرفة بالنقوش الإسلامية، والأقواس المدببة، والمشربيات الخشبية، تعكس جماليات العمارة المملوكية. كما تنتشر الوكالات القديمة التي كانت مراكز لتخزين البضائع وتبادلها، وما زالت هذه الوكالات شاهدة على عصور الازدهار التجاري. وقد ساعد موقع الخان قرب شارع المعز لدين الله الفاطمي في جعله مركزًا نشطًا للحياة التجارية والثقافية. ** الصناعات التقليدية في خان الخليلي خان الخليلي هو المعقل الأساسي للصناعات اليدوية في مصر، إذ تنتشر فيه ورش تصنيع المشغولات النحاسية، وصياغة الفضة والذهب، وصناعة الزجاج المعشق، والأقمشة المطرزة، والنحت على الخشب، والفوانيس الرمضانية، والسجاد اليدوي. كل قطعة تُباع في هذا السوق العتيق تحكي قصة، وتعكس مهارة الحرفي المصري الذي ورث فنّه عن أجيال سابقة، وظل محافظًا عليه في مواجهة الحداثة. ** خان الخليلي والمناسبات الدينية في شهر رمضان، يكتسي خان الخليلي بحلة روحانية ساحرة، حيث تُضاء الفوانيس، وتُزيّن الحارات، وتُقام حلقات الذكر والإنشاد الصوفي، لا سيما قرب مسجد الحسين. كما يتحول الحي إلى ملتقى ثقافي وروحي في المناسبات الإسلامية، ويقصده المسلمون من مختلف الجنسيات للصلاة في مسجد الحسين، وشراء المصاحف والهدايا الدينية. خان الخليلي ليس مجرد حي قديم، بل هو سجل حي للتاريخ المصري، ومشهد مستمر للحياة الشعبية، ومنبر مفتوح للفنون والثقافة. إنه المكان الذي تنصهر فيه الحضارات، وتلتقي فيه الروح المصرية بالزائر الأجنبي، في تجربة فريدة لا تتكرر. ومع كل خطوة تخطوها في أزقة الخان، تشعر وكأنك تسير في الزمن، تسمع همسات الماضي، وتُبصر لمحات من حاضر نابض، ومستقبل يزداد إشراقًا كلما حافظنا على هذا الكنز التراثي العظيم.