ألم يأن لهذه المنطقة العربية أن تنعم بالاستقرار والأمن، كما غيرها، ألم يأت الوقت لكى تتفرغ شعوبها، للعمل على برامجها للتنمية والازدهار، فالتاريخ يكشف عن أنها تعيش حالة من الحروب والمواجهات، منذ حقب طويلة، وتحديداً بوجود إسرائيل فى المنطقة، حتى اتفاقيات السلام بينها وبين مصر والأردن واتفاقية أوسلو، لم يكن لها أى تأثير، لوقف الأطماع الإسرائيلية ،، بل دخلت دول ومناطق فى دائرة الصراع، الذى اقتصر سابقاً على دول الجوار، حتى وصلت الأمور فى ثمانينيات القرن الماضى إلى هجوم على مجرد مشروع نووى عراقى فى عام 1982 ،وغزت لبنان حتى السيطرة على العاصمة بيروت فى نفس التوقيت، دولة مثل اليمن، ليست من دول الجوار، لم يسجل لها أى دور فى الصراع العربى الإسرائيلي، سوى مرة واحدة، عندما تعاونت مع مصر، وتوافقت معها فى إغلاق باب المندب أثناء العمليات العسكرية فى حرب أكتوبر 1973، تحولت إلى ساحة مواجهة تتعرض لعدوان مستمر من واشنطن، نيابة عن تل أبيب، تونس فى تسعينيات القرن الماضى كانت هدفاً لإسرائيل، وهاجمتها فى الأول من أكتوبر 1985، فى استهداف قادة منظمة التحرير الفلسطينية، واغتالت الرجل الثانى فى المنظمة خليل الوزير فى بيته فى أبريل 1988، عقاباً له على إشرافه على العمليات الفدائية فى الداخل الفلسطيني، وأشهرها عملية خطف أتوبيس يقل العاملين فى مفاعل ديمونا، واعتبرت تل أبيب أنه تجاوز للخط الأحمر يستحق التصفية فى منزله، ،وكذلك الهجمات على مصنع اليرموك فى السودان، فى يناير وفبراير 2009، بحجة نقل أسلحة للمقاومة الفلسطينية ، وتكررت الهجمات عام 2012 على مصنع اليرموك بزعم أنه ينتج أسلحة كيماوية، ويومها تحدث بينى غانتس رئيس اركان الجيش الإسرائيلى فى ذلك الوقت عن قتال إسرائيل فى مناطق جغرافية بعيدة قاصداً الدائرة الثالثة من الجبهات المعادية لإسرائيل، وقائمة الإجرام والاستهداف الإسرائيلى طويلة، تحتاج مجلدات للحديث عنها. والمثير فى الأمر، أن إسرائيل وسعت من دوائر المواجهة، وخرجت من المحيط العربى بعد أن استنفدت أهدافها، إلى الجوار الجغرافى وتحديداً إيرانوتركيا، أى إلى الدائرة الرابعة إذا جاز التعبير، والخطورة أن صراعها معهما، يتم ويتأثر به ساحات عربية، وتوابعه الكارثية أكبر من أن تحتملها المنطقة، ولنبدأ بتركيا، حيث ترى تل أبيب فيها عدواً غير معلن ومنافساً إقليمياً لها، خاصة بعد دورها فى إسقاط نظام بشار الأسد فى الثامن من ديسمبر الماضي، وهو ما كشفت عنه تصريحات جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلى والذى عبر عن قلق تل أبيب، بشان ما أسماه الدور السلبى لتركيا فى سورياولبنان، وسعيها إلى تحويل سوريا محمية تركية، بعد سعى الأخيرة ملء الفراغ الأمنى والعسكرى وحتى السياسى فى سوريا، بديلاً عن إيران الذى تقلص كثيراً فى الآونة الأخيرة، واعتبرت ذلك تهديداً محتملاً لها، وسيؤدى إلى تقليص حرية العمليات الإسرائيلية وتهديدا محتملا تعارضه تل أبيب، بل إسرائيل أدعت أن هدف تركيا هو الحد من النشاط الإسرائيلى فى سوريا، وردت تركيا عبر وزارة الخارجية، بوصف إسرائيل بأنها تشكل التهديد الأكبر لأمن المنطقة، وتلعب دور المزعزع الاستراتيجي، مما يؤدى إلى الفوضى ويغذى الإرهاب، وهذا يفسر الهجمات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على المدن والمنشآت السورية، وحتى لو استجاب نتنياهو لطلب ترامب، بالتفاهم مع تركيا، فإن الأمر بكل المقاييس، سيكون على حساب سوريا الدولة والشعب .. ولا يختلف الأمر كثيراً عما يخص إيران، وإن كان البرنامج النووى الإيرانى ومنع طهران من امتلاك أسلحة نووية، هدف استراتيجى أمريكي، وقد شهدت الفترة الأخيرة بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض توتراً شديداً، وأصبحنا كما قالت صحيفة الفايننشال تايمز، ( أمام رئيس أمريكى متقلب السلوك، ومرشد إيرانى متشكك، لتجنب تصعيد خطير)، ولذلك لايمكن التعويل على ما كشفه الرئيس ترامب، من وجود مباحثات مباشرة بين الطرفين يوم السبت الماضي، خاصة فى ظل المطالب التعجيزية، التى طرحتها واشنطن فى رسالتها لطهران عبر الإمارات، والذى أبدت فيها رغبتها فى ابرام اتفاق نووى جديد، لا يسمح لها بمنشآت نووية تحت الأرض أو فى الجبال، وان يتم الاتفاق خلال شهرين من بدء المفاوضات، مع توفير نظام مراقبة صارم. وتشير بعض التقارير، إلى أن إيران تأخد التهديدات الأمريكية على محمل الجد، وهذا واضح من خلال التصريحات والمواقف الإيرانية ومنها ما جاء على لسان المرشد الأعلى والإعلان عن القدرات العسكرية الإيرانية، ومنها المدن الصاروخية الجديدة، وقالت على لسان قائد القوة الجوفضائية العميد أمير على حاجى زاده ،( إن الوجود الأمريكى الواسع فى المنطقة، يجعلهم وكأنهم يجلسون فى بيت من زجاج، وعليهم ألا يرموا الآخرين بالحجارة)، ولعل الخطورة فى الفترة القادمة، وجود تشكك فى إمكانية التوصل إلى اتفاق أمريكى إيراني، وإمكانية تنفيد ترامب لتهديداته، فى حال فشل المباحثات، خاصة وأن الرد الإيرانى سيكون باستهداف مصالح أمريكا، ووجودها العسكرى فى المنطقة بصفة عامة، وفى الخليج بصفة خاصة، ،فى ظل تحذيرات إيرانية لدول المنطقة، بعدم السماح لواشنطن باستخدام أراضيها للهجوم عليها، وبما سيترتب على هذا الأمر، ونتوقف هنا عند مخاوف رئيس الوزراء القطرى ووزير الخارجية محمد عبد الرحمن من توابع الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية وتوابعها الكارثية، وحدد مجال واحد على سبيل المثال، هو تلوث مياه الشرب، وتأثير ذلك على مجمل مكونات الحياة فى المنطقة . وهكذا، فالمنطقة العربية تدفع الثمن مرتين، الأولى دور إسرائيل فى خلق حالة توتر مستمر، واستمرار الاعتداءات على غزة والضفة والقدس ولبنانوسوريا واليمن، والثانية أنها ستكون ساحة مواجهات بين إسرائيل ودول الجوار الإقليمى.