لطالما ظلت الحضارة المصرية بمفرداتها السحرية وتاريخها الغامض، لغزًا يحير العقول، ويثير نهم المستكشفين والهواة، الساعين إلى سبر أغوارها وكشف أسرارها، وإعادة كتابة فصول مفقودة من تاريخ البشرية، عبر فرضيات جريئة، وادعاءات مثيرة للجدل، ومع كل إعلان عن «اكتشاف» أثرى، يتجدد النقاش حول المعيار العلمى الذى يحدد مصداقية تلك الاكتشافات، والدور الذى تلعبه وسائل الإعلام فى نشر أخبار عن اكتشافات تحيط بها هالة من الغموض. أحدث تلك الادعاءات أعلنها باحثون من إيطاليا واسكتلندا، زعموا اكتشاف مدينة ضخمة مدفونة تحت هرم خفرع، ممتدة آلاف الأقدام فى عمق الأرض - وفق ما يدعون - توصلوا إليها باستخدام تقنية الرادار المخترق للأرض، وهو أداة جيوفيزيائية، تعتمد على إرسال موجات كهرومغناطيسية، لاختراق الطبقات الأرضية، وتحليل انعكاساتها، للكشف عن الأجسام والفراغات المدفونة. وهنا تكمن الإشكالية؛ حيث إن هذه التقنية لا تتجاوز دقتها عشرات الأمتار، ولا تقدم صورة واضحة للأعماق الكبيرة، قد تُظهر انعكاسات خاطئة، ناتجة عن تغيرات طبيعية فى التربة، أو تجاويف هوائية لا تمتّ بصلة إلى الحضارة البشرية، لذا فإن الإعلان عن اكتشاف ضخم بحجم مدينة مدفونة تحت هرم خفرع دون أدلة علمية منشورة فى دوريات متخصصة، يظل محض افتراضات لا ترقى إلى مستوى البحث العلمى. تلك الادعاءات لم تمر مرور الكرام، بل أثارت جدلًا واسعًا، وقابلها العلماء بانتقادات حادة، واعتبروها محض خيال علمى أقرب إلى التكهنات، والخرافات التى لا تمتّ للواقع بصلة، وشكك الخبراء فى مدى دقة التقنية المستخدمة، وأن الاعتماد عليها لإعادة كتابة التاريخ الأثرى هو ضرب من الخيال. ليست هذه المرة الأولى التى تُثير فيها اكتشافات وهمية ضجة إعلامية، صحيح أن مثل هذه الادعاءات تُثير جدلًا عالميًا، قد يؤثر إيجابيًا على السياحة المصرية، لكن الترويج لمثل تلك الشائعات يؤثر سلبًا على مصداقية البحث الأثرى المصرى، ويضع علماء المصريات أمام تحدٍ دائم للرد على الشائعات ببيانات علمية موثقة، تتصدى لأى خيالات عبثية، تحاول أن تسبر أغوار الماضى، ليبقى تراث مصر العظيم موضع احترام وإجلال عالمى، بعيدًا عن عبث الادعاءات الزائفة.