«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصلها مصري.. «الفخار» إبداع من الطين والنار

الحرف التى عرفها الإنسان كانت شاهدة على انتقاله من الحياة البدائية إلى مرحلة التطور والرقي، دراسة هذه الحرف تتيح فهم تطور البشرية عبر العصور المختلفة، وذلك من خلال دقة صناعتها وتفاصيل زخرفتها.
وتعتبر صناعة الفخار من الحرف التى لازمت الإنسان منذ بداية الخلق وصولًا للعصور القديمة، وتعود جذوره تنوعها إلى عصر ما قبل الأسرات فى مصر، وكان المصريون القدماء أول من اهتم بهذه الحرفة وطورها إلى مستويات عالية من الدقة والكمال، بدءًا من الأوانى والأدوات الزخرفية وصولًا إلى توابيت الموتى، لذلك منحوا صانع الفخار، أو «الفخراني»، مكانة مرموقة غير معتادة لعمال بسيطين، حيث صوروا الإله «خنوم»، إله الخلق فى الحضارة الفرعونية، وهو يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.
برامج للتسويق.. وإنشاء مدرسة متخصصة «ضرورة»
«المشهدى» قلعة صناعية فى الشرقية
تشتهر قرية المشهدى فى محافظة الشرقية بصناعتها للفخار، حيث تمتد شهرتها منذ زمن بعيد، تضم القرية 32 ورشة وفرناً ملحقة بالبيوت، تعمل جميعها بوسائل تقليدية، وتواجه هذه الصناعة العديد من التحديات، منها عدم توفر الغاز الطبيعى وصعوبة الحصول على التراخيص، بالإضافة إلى تكاليف الأفران الكهربائية المرتفعة وعدم تلبية اشتراطات السلامة، يطالب صانعو الفخار بتطوير الصناعة عبر استبدال الأفران التقليدية بأفران تعمل بالغاز لتعزيز استمرارية هذه الحرفة التراثية المصرية.
المعلم زكريا محمد يؤكد أن صناعة الفخار من أقدم الفنون اليدوية التى تعود للعصر الفرعونى وتعتمد على إبداع وموهبة الحرفيين الذين يقضون ساعات فى إنتاج أشكال فنية متنوعة، يشير إلى أهمية تدريب جيل جديد للحفاظ على هذه الحرفة التقليدية التى هجرتها العديد من العمال بسبب ضعف العائد المادي.. محمد عنتر، طالب بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق ومن أبناء القرية، يمارس حرفة الفخار عن أجداده، يتحدث عن مراحل الإنتاج التى تبدأ بجمع التراب الأصفر وخلطه بالماء لتصفية الشوائب ثم تشكيله بعد تجفيف العجينة فى قوالب تقليدية مثل القلة والأبريق.
عادل حسين بدأ ممارسة حرفته منذ كان عمره 10 سنوات، حيث ورثها عن أجداده، ويصفها بأنها من أقدم الحرف التى عرفتها البشرية.. محمد عطا الله يُشيد بقدرة أهل القرية على ترسيخ اسم المشهدى فى الخريطة السياحية كأول قرية متخصصة فى تصنيع الفخار وتصديره، ويتمتع صناع القرية بمهارة عالية تحتفظ بسر صناعة الفخار الداكن.
الدكتورة رشا حسن، مدير إدارة السياحة بالشرقية، تُسلط الضوء على برنامج التدريب الحرفى المدعوم من وزارة التنمية المحلية الذى يسعى لرفع جودة المنتجات الفخارية وتطويرها من خلال تدريب مجموعة من الشباب والشابات لمدة ثلاثة أشهر وتوفير المواد الخام مجاناً، إضافة إلى تنظيم معارض لعرض منتجاتهم.
المهندسة لبنى عبد العزيز، نائب محافظ الشرقية، تؤكد أن الاهتمام بتدريب الشباب على الصناعات الحرفية يأتى تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث يتم عرض أفضل المنتجات فى المعارض تدعيماً لمبادرة «أيادى مصرية»، تسعى المحافظة أيضاً لدعم المنتجات عبر منصات التسويق الرقمية، ما يسهم فى خلق فرص عمل جديدة للشباب والمرأة فى مواجهة التحديات الاقتصادية.
«منية سمنود»: مستعدون لتعليم طلاب المدارس
صناعة الأوانى الفخارية تُعَدُّ واحدة من أقدم الحرف اليدوية والتراثية فى مصر، وربما تعتبر مصر موطن هذا الفن العريق، عرف المصرى القديم كيفية تحويل الرمال إلى طين ثم إعادة تشكيله وحرقه لخلق هذه الأواني، وعلى الرغم من قلة الإمكانيات التى واجهها أصحاب هذه الحرفة والمعاناة الناتجة عن جهودهم الشاقة وضعف المردود المالي، إلا أن إصرارهم على توريث المهنة لأبنائهم وأحفادهم ساعد فى الحفاظ عليها عبر آلاف السنين، وبالمرور بقرية منية سمنود التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية، لا يسع الزائر إلا أن يُعجَب بحرص أهلها على استمرارية هذه المهنة، حيث يعرضون منتجاتهم بكل فخر على جانبى الطريق.
عزت أبو هيف هو أقدم صانع فى القرية، ويعرف بلقب «الأسطى»، يحرص على تمرير مهارته إلى أكبر عدد ممكن من شباب القرية، مشيرًا إلى أنه تعلمها من آبائه وأجداده، منذ طفولته، كان يشاهد والده وجده وهما يصنعان تحفًا وأوانى متنوعة من الطين بأشكال مختلفة، فبدأ فى تعلم أسرار هذه الحرفة وكيفية إتقانها منهم، أصبح لديه إصرار على نقل خبرته إلى أولاده وأحفاده وكل من يرغب فى التعلم من أبناء القرية، ونجح بالفعل فى هذا المهمة رغم قلة العائد المادى من هذه الحرفة.
أوضح أن أدوات الحرفة بسيطة للغاية: الطين والماء والفرن، إضافة إلى مهارة العامل وذكائه وحرصه على تحقيق الفائدة من تكرار العمل، ورغم ظهور ماكينات حديثة للإنتاج، إلا أن محدودية الإمكانيات فى القرية أجبرتهم على الاستمرار فى الصناعة اليدوية.. أشار يوسف ياسر، البالغ من العمر 23 سنة والحاصل على دبلوم، إلى أنه تعلم الحرفة من جده قبل عشر سنوات، ويوضح أن عملية التصنيع تمر بمراحل متعددة، تبدأ بإعداد أنواع مختلفة من التربة مثل الرملية والطينية والصحراوية والصلصال، يتم خلط هذه المواد بنسب دقيقة مع الماء حتى تصبح جاهزة لتشكيل الأوانى الفخارية.
وأضاف أن جميع هذه المراحل تتم يدويًا، حيث يتم التصنيع والتشكيل باستخدام آلة تُعرف بالحجر أو القرص الخشبي، تتم عملية التشطيب باستخدام أصابع اليد. بعد التصنيع، تُترك المنتجات لتجف فى الشمس لفترة قصيرة، ثم تُنقل إلى مكان مظلل لضمان تجفيف بطيء يحميها من الكسر بسبب التعرض الطويل للشمس. بعد ذلك، يأتى دور التلوين فى مكان مظلل كتحضير لمرحلة حرقها فى الأفران، تُستخدم نشارة الأخشاب ومخلفات تقليم الأشجار لإشعال الفرن، حيث تبقى المنتجات بداخله حوالى عشرة أيام بعد إطفاء النار والاحتفاظ بالحرارة.
فى النهاية تأتى مرحلة تسليم الطلبات للعملاء، حيث يتم الإنتاج بناءً على الطلبات المحددة، أحيانًا يتم صنع منتجات إضافية للترويج فى الأسواق وعلى الطرق، أشار يوسف إلى أن أعلى دخل شهرى يمكن أن يصل إليه يتراوح بين 4 و5 آلاف جنيه خلال زيادة الطلبيات، كما يطالب بتطوير الحرفة لتصبح صناعة تساهم فى زيادة الدخل القومى من العملات الصعبة عبر التصدير للخارج، وذلك بتوفير المعدات الحديثة والاهتمام بالعاملين فيها.
تخليد الحرفة ب «متحف التراث السيناوى»
صناعة الفخار تعدّ من أقدم الحرف التى عرفها الإنسان، وتعتمد بشكل أساسى على توافر المواد الخام الملائمة فى البيئة المحيطة، من الفخار تُصنع أشكال متعددة من الأوانى والأوعية كالزير والجرة والقلة والطاجن والأباريق، حيث يبدع الحرفيون فى تحويل الطين إلى مادة صلبة عبر الحرق فى الفرن..
وسيناء كانت تُصنع هذه الأوانى محليًا وتُباع نظرًا لطلبها الكبير حين لم تكن الكهرباء والمياه متوفرة بشكل معتاد، وإبراهيم سالم مدير متحف التراث السيناوى يؤكد أن المتحف يحتفظ بأدوات الفخار كجزء من أسلوب حياة الأهالي، كما أن المقتنيات الموجودة فى المتحف تبرز الحياة الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالعادات والتقاليد فى سيناء، لكنها باتت نادرة اليوم بسبب قلة المشتغلين بها واعتماد الأسر الحديثة على التقنيات الجديدة.
الدكتور مروان حسن يؤكد الفوائد الصحية للأوانى الفخارية إذ إنها قلوية وتُحسن من كفاءة الهضم والامتصاص، مما يجعلها بديلاً أفضل عن العبوات البلاستيكية الضارة.. ماهر عبد الله، البالغ من العمر ثمانين عامًا من العريش، يذكر كيف كان يروى عطشه من ماء الزير أمام منزلهم فور عودته من المدرسة، ورغم أن هذا المشهد قد اختفى واستُبدل بعبوات البلاستيك، إلا أن ذاكرة الناس تحتفظ باستخدام هذه الأوانى للضيوف والمارة لحفظ برودة الماء ونقاوته سعيًا لطلب الأجر والثواب.
«يا حلاوة الإيد الشغالة».. فنانون يحولون الطين لتحف
«يا حلاوة الإيد الشغالة».. فى محافظة المنيا، يبتكر الفنانون أعمالًا من الطين ليصبح فخارًا فريدًا، وتطلق عليهم تسمية «أيادى تتلف فى حرير»، يتميز هؤلاء الحرفيون بقدرتهم على تشكيل الطين بسهولة ليصبح تحفًا متقنة ومتنوعة.. تعتبر صناعة الفخار من أقدم الصناعات التقليدية فى المنيا، ويعود تاريخها إلى عصر الفراعنة، تنتج منها تحف فخارية وأوانٍ بأحجام وأشكال مختلفة، بالإضافة إلى قطع تستخدم فى القرى السياحية.. حول تاريخ هذه الحرفة وطريقة تصنيعها، تحدث رجب الفخراني، صاحب ال63 عامًا وأحد الفخرانية بالمنيا، عن جمع الطين من الترع وخلطه مع التبن وتركه حتى يتماسك، ثم يبدأ العمل بوضع الطين على الدوارة لتشكيله ومن ثم وضعه فى المحمصة ليصل للشكل النهائي.. قال الفخرانى حول الحفاظ على المهنة إن بعض الحرفيين ما زالوا متمسكين بها رغم انتشار المصانع البلاستيكية التى أثرت بشكل كبير عليها، ومع ذلك، يحافظ السكان الريفيون على المنتجات التقليدية.. وأشار الفخرانى إلى إنتاجه للأوانى التقليدية والزهور التزيينية وأشكال جديدة تلبية لاحتياجات الزبائن وتطورات السوق، كما يصمم قطعًا فخارية فريدة للقرى السياحية، ويبيع منتجاته بأسعار مخفضة بالتعاون مع التجار.. وأكد أيضًا أن هناك أجيالًا جديدة تتعلم هذه الصنعة وتحافظ على استمراريتها، رغم تأثير التكنولوجيا الذى أدى إلى تراجع المهنة بسبب التكلفة المنخفضة للمواد البلاستيكية مقارنة بالفخار.. حول تكلفة الصناعة ومكاسبها، أوضح الفخرانى أن الأسعار لا تتناسب مع الجهد المبذول، حيث تختلف أسعار القطع حسب حجمها وتبدأ من 80 جنيهًا لتصل إلى 500 جنيه وأكثر.
الحرفيون: نحلم بمد خط غاز للقرى المُصنعة
«الفيوم».. إنتاج 100 نوع وتُصدر للغرب
فى قلب الفيوم، حيث يلتقى التراث العريق مع براعة اليد البشرية، تعكس حكايات الفخار المصرى نفحات الطين والموهبة، فى قريتى الغرورى بمركز طامية والنزلة بمركز يوسف الصديق، يُعاد إحياء فن عتيق يمتد إلى العصور الفرعونية، مقدماً منتجات تلامس الجمال وتصل إلى أسواق العالم، هذه القرى ليست مجرد تجمعات سكنية؛ بل هى معاقل ثقافية تحكى كل منها عن قصة كفاح وإبداع، حيث تُصَدَّر أعمالهم الفنية إلى جميع أنحاء العالم، من أمريكا إلى أوروبا، وتُسمَع صداهم فى الأسواق الدولية.. تعد الغروري، التابعة لقرية فانوس بمركز طامية، إحدى أهم قرى مصر فى إنتاج الفخار، حيث تنتج أكثر من 100 نوع بأحجام تتراوح بين 40 سم ومترين، مما جعلها مشهورة عالميًا بتخصصها فى القطع الضخمة.
وفقًا للمحاسب سالم فتيح، رئيس مركز ومدينة طامية، تُعد الغرورى مركزًا بارزًا لصناعة الفخار، حيث تُصدّر منتجاتها إلى العديد من الدول الأوروبية والعربية، بما فى ذلك الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا.
ويفتخر أبناء أحمد القراديشي، وهو من أبرز صانعى الفخار فى القرية، بتراثهم الذى يعود إلى العصور الفرعونية، يقولون إنهم وُلدوا ليجدوا أنفسهم مندمجين فى هذه الصناعة بحذافيرها، فهم يمثلون الجيل الرابع لعائلة مكرسة لهذا الفن، يعبر آل القراديشى عن فخرهم بصناعة أنواع مميزة مثل «زير قبرصي» و«على بابا»، التى تُستخدم فى تزيين الفيلات والقصور.. فى ورشتهم الكبيرة، يتحدث آل القراديشى بشغف عن تفاصيل صنع الفخار ويشرحون أنهم يستوردون الطين الطفلة من محافظة أسوان ليتم تشكيله وحرقه فى أفران خاصة، يؤكدون أن القرية تضم أكثر من 20 ورشة يعمل بها نحو 1200 عامل، مما يبرز أهمية هذه الصناعة لساكنيها، ينتج العامل الواحد بين 30 و40 قطعة أسبوعيًا، ويتلقى بنهاية الأسبوع مبلغًا قدره 1000 جنيه.
ولا تقتصر شهرة الفخار فى الفيوم على الغرورى فقط؛ فقرية النزلة بمركز يوسف الصديق تعد أيضًا إحدى القرى البارزة فى هذا المجال، تتميز هذه القرية بأسلوبها التقليدى الراسخ منذ العصور القديمة وتعتبر وجهة سياحية مشهورة.
يقول الحاج حسني، أحد أشهر صانعى الفخار بالنزلة، إن أغلب السكان احترفوا هذه المهنة ويصدرون منتجاتهم لدول أوروبية مثل إيطاليا وهولندا، تعد النزلة رمزًا للتراث الثقافى المصري، حيث يجمع أهلها بين الحفاظ على تقاليدهم وتجديدها باستمرار.
رغم الإنجازات، يطمح الحرفيون فى القريتين إلى تطوير صناعتهم، ويتحدث الحاج حسنى عن ضرورة إنشاء مدرسة لتعليم الحرفة للأجيال المقبلة لضمان استمراريتها، كما يطالبون بتحسين ظروف العمل وتوفير المعدات الحديثة مثل توصيل الغاز الطبيعى لتحسين الإنتاج وتقليل الاعتماد على الطرق البدائية الملوثة.
فخارة «نقادة».. تحف فنية متوارثة
يشكل الحرفيون منتجات فخارية أشبه بالتحف الفنية، مستخدمين مواد أساسية كالطين والرماد، من هذه المنتجات: القلة القناوى والزبدية والمنطال والزير والطاجن، وهى تواجه بعض التحديات، أبرزها ضعف التسويق.
تُعتبر صناعة الفخار محلية فى قنا، وتعتمد عليها العديد من الأسر كمصدر رئيسى للدخل، مما يساعدهم فى المصاريف اليومية، كما أن الحرفيين يمارسونها حبًا فى المهنة التى تعلموها من الأجداد، خاصة فى مركز نقادة المشهور بهذه الصناعة وقرية الشيخ على التى تُعد موطن صناعة الفخار فى قنا.
رغم أن هذه المهنة كانت تقليديًا للرجال، إلا أن بعض النساء اخترقن المجال وبدأن بصنع منتجات الفخار، كما أن هناك شباب يعملون فيها لتوفير دخل لاستكمال تعليمهم.
تعتمد هذه الصناعة على موهبة الصانعين، بالإضافة إلى المواد مثل «التربة ورماد شركات السكر والعويل»، وهو رماد أفران الخبز المنزلية القديمة، مما يمكّن «الصنايعية» من تشكيل منتجاتهم.
من أبرز المنتجات الفخارية القلة القناوى التى ذاعت شهرتها بفضل أغنية سيد درويش: مليحة قوى القلل القناوي، تستخدم القلة ليس فقط لشرب المياه المثلجة ولكن أيضًا كديكور فى الأماكن التراثية والسياحية.
أيضًا، الزير يُعتبر جزءًا أساسيًا فى المنازل الريفية حيث يُستخدم لتبريد المياه ويأخذ شكلًا جمالياً فى القرى السياحية، هناك منتجات فخارية أخرى مثل الزبدية والمنطال والماجور والعلاوة والبلاص وقطرة الأرانب، بالإضافة إلى الحصالة والزهرية والفازة.
يشير عنتر حفني، وهو صانع فخار فى قنا، إلى أهمية الحفاظ على هذه المهنة التى تتعرض للاندثار بسبب التقنيات الحديثة، يواجه الحرفيون معوقات منها ضعف التسويق، وممارسة الصناعة فى أماكن غير مخصصة لها، ولذا هم يطالبون بتوفير ظروف قانونية مناسبة لمواصلة مهنتهم، مع تخصيص أراضٍ للاستثمار فى هذا المجال.
وأكد الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا، أن الدولة بدأت تتخذ خطوات جادة لدعم هذه الصناعات والحفاظ عليها من خلال برامج وطنية تهدف لتسويق الفخار والفركة والعسل الأسود وغيرها من المنتجات المحلية.. تعتمد ديمومة هذه الصناعة بشكل كبير على التزام الحرفيين بالحفاظ عليها فى مواجهة المنتجات البديلة التى تُصنع باستخدام تكنولوجيا حديثة، وعلى الرغم من سيطرة الرجال على هذا المجال، إلا أن عددًا من السيدات والشباب دخلوا إلى هذه المهنة ليعيلوا أنفسهم أو لمتابعة تعليمهم.
يواجه الحرفيون تحديات تسويقية وعدم توفر ورش عمل مخصصة مما يؤثر على تطور المهنة، ومع ذلك، بدأت الدولة مؤخرًا باتخاذ خطوات جادة لدعم هذه الصناعات التقليدية عبر برنامج التنمية المحلية للصعيد لتحسين تسويق المنتجات وتطوير الصناعة.
هناك مطالب أيضًا من الحرفيين بتوفير أوضاع قانونية مناسبة لممارسة صناعتهم بشكل صحيح ضمن مشروع يتم التخطيط له على مساحة 21 فدانًا فى الظهير الصحراوى لمدينة نقادة.
«الكولمن».. أحدث تقاليع الإسكندرية
فى كوخ صغير وسط الحقول فى قرية أبيس بمحافظة الإسكندرية، يتطلب منك السير لأكثر من كيلومتر على الأقدام بين الأراضى الزراعية للوصول إلى ورشة الفخار الخاصة بعم السيد محمد، ويبدأ السيد يومه الطويل وسط الطين والوحل، حيث يُحضّر المواد اللازمة لعمله، وحوله تجد بئر ماء وآخر يحتوى على الطين السائل الذى يقوم بعجنه وتنقيته من الشوائب بعناية، بعد ذلك ينقل الطين إلى حقل الوحل ليجف تحت أشعة الشمس، ثم يبدأ بتشكيله يدويًا وصنع الأوانى الفخارية باستخدام فرن يعمل بمخلفات قصب السكر.
يقول عم السيد بابتسامة: «أنا أستخدم مخلفات القصب كوقود طبيعى بدل الغاز والفحم للحفاظ على البيئة ولإنتاج فخار نظيف وصحي»، يستغرق هذا العمل اليدوى حوالى 12 ساعة يوميًا، حيث يبدأ العمل مع شروق الشمس وحتى غروبها، يمسك بفأسه وينقل الطين، مشكلاً جميع أنواع الأوانى الفخارية من الأطباق والصحون إلى المزهريات والأكواب، وقد أدخل مؤخرًا فكرة صنع «الكولمن الفخاري» ليحل محل «الزير» التقليدي، ويفتخر قائلاً: «كل قطعة أخرجها من الورشة كأنها ابني، وأشعر بسعادة غامرة عندما أرى الناس راضية عن منتجاتي».
ورث السيد هذه المهنة من الأجداد، قائلاً: «جدى كان فخاريًا، علّم والدى وأنا تعلمت منه، والآن أعمل بنفس الحب والإتقان، لكن لدينا مشكلة فى العمالة؛ الشباب لا يرغبون فى العمل بالطين والتراب، وهذا يجبرنى على القيام بكل شيء بنفسي».. يشير إلى يديه الملوثة بالطين الأحمر ويقول: «العمل اليدوى له طعم خاص؛ لا توجد ماكينة تستطيع الوصول لجمال ودقة شغلى اليدوي، وأصنع الأوانى وأرسلها إلى محافظات عديدة ولدى زبائن من كل مكان»، يضيف بحزن بسيط: «عندما يأتى الزبون لاستلام البضاعة، أشعر أنها جزء مني، لكن المال الذى أحصل عليه يمكننى من صنع المزيد».
تساعده ابنته الكبرى أحيانًا، وتحضر له الطعام فى الورشة وتساعده فى ترتيب المنتجات لتكون جاهزة للشحن أو لإدخالها الفرن، وقد ذكر السيد أنه قضى سنوات طويلة فى صناعة الفخار وعمل فى دول عربية مثل لبنان، السعودية، سوريا، فلسطين، والأردن حيث كانت منتجاته مطلوبة.
يشرح عم السيد فوائد شرب الماء من الأوانى الفخارية قائلاً إن الماء فى الفخار يحافظ على الطاقة الحيوية ويزيد من قلوية الماء مما يعزز عملية الأيض فى الجسم، والفخار ليس فقط جميلاً بل له فوائد صحية أيضًا.
عم السيد ليس مجرد حرفى بل هو فنان بالفطرة، يحول الطين إلى أعمال فنية تعكس حبه وإتقانه لمهنته التى ورثها ويفتخر بها كل يوم.
«مكابس ورق العنب والمباخر»
الأعلى تصديرًا للدول العربية
الفرستق والناموس ليستا مجرد أسماء لأماكن، بل هما قريتان تعتبران مراكز لأشهر الصناعات اليدوية، وهى صناعة الخزف والأوانى الفخارية، قرية الفرستق تميزت بشعار «هذه يد يحبها الله ورسوله»، وتقع على ضفاف النيل بفرع رشيد فى محافظة الغربية التابعة لمدينة بسيون، كغيرها من قرى مصر، لا تعرف الفرستق المستحيل أو البطالة؛ فالكل يعمل بجد من أجل الرزق الحلال، ولكن عندما يُنفذ العمل بحرفية وفن، يجب أن نقف قليلاً للإعجاب.
تشارك الفرستق بانتظام فى معارض تراثية للحرف اليدوية تحت رعاية رئيس الجمهورية وجهاز تنمية المشروعات، خلال جولة بين أرجاء القرية، تحدث حمدى أبو جبل، أحد أعمدة الصناعة هناك وصاحب العديد من المصانع والورش، أوضح أن أهل القرية توارثوا حرفة صناعة الأوانى الفخارية والخزفية جيلاً بعد جيل، حيث تمتلئ البيوت بالكثير من البراميل والأوانى المزخرفة بفن.. وأضاف أبو جبل أن الفرستق أصبحت وجهة للمسؤولين دائمًا، إذ يحرص المحافظون على زيارتها لحل المشكلات التى تواجه القرية. بخصوص الغاز الطبيعي، أنشأت القرية جمعية للحرف اليدوية للحصول على حصة رجال الأعمال، مع أمل وصول الغاز الطبيعى للقرية لفتح آفاق جديدة ومضاعفة الإنتاج.
من أوائل الدول المستوردة لمنتجات القرية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث يُفضل لديهم مكابس ورق العنب والمباخر الملونة نظرًا لشغفهم بالبخور والعطور.
أكد أبو جبل أن الفخار آمن للصحة وله فوائد طبية كونه مصنوعًا من مواد طبيعية غير مصنعة، وذكرت الحاجة إحسان أن صناعة الفخار ساعدت فى فتح بيوت عديدة وزواج شباب وفتيات القرية، حيث يبدأ الأطفال فى المساعدة قبل التعليم فى المدرسة.
أوضح رجب عرفة، صاحب ورشة فخار، أن هذه الصناعة تعتمد أساسًا على الطين والماء، حيث يتم تشكيلهما وفق القوالب ثم يجفف المنتج فى الشمس قبل حرقه فى الفرن بدرجات حرارة عالية، ويأتى الطين من أسوان ويُجهز فى القرية قبل تشكيله وإدخاله فى الأفران.
«الحرفة» اكتشفها أبوالبشر وطورها الفراعنة
معلومة قد تكون جديدة بالنسبة لك أن صناعة الفخار لم تبدأ مع الفراعنة العظام فى مصر، كما يدعى بعض الناس، فى الواقع، علمها الله عز وجل لسيدنا آدم منذ بدء الخليقة، حينما غاص قدمه فى الطين وترك أثراً، وعندما أصبح جافاً خطر له استخدامه لتحضير الطعام، وهذه الرؤية أكدها الله تعالى بقوله «وعلم آدم الأسماء كلها»، بهذه الكلمات، استهل يوسف عبد العظيم، أحد أمهر صناع الفخار فى الأقصر والحاصل على ليسانس فى الدراسات العربية والإسلامية، حديثه للأخبار عن الفخار.
يوسف لا ينكر أن الفراعنة كانوا بارعين فى صناعة الفخار، فهى جزء من تميزهم فى جميع مجالات العلوم، لقد حققوا تطوراً مهماً فى هذه الحرفة حتى تحولت إلى صناعة الخزف والألباستر، كما أظهرت اللوحات الأثرية وجدران المعابد والمقابر.. صناعة الفخار تُعتبر من أقدم الحرف التى صاحبت الإنسان منذ العصور الأولى، فهى تعكس تطور المجتمعات، يتم الحصول على الطمى اللازم لها من ضفاف النيل أو قنوات الري، ويتميز الفخار بتنوع خاماته ليخدم وظائف متنوعة كالطهى والتقديم.. عند سؤال يوسف عن كيفية الحصول على المواد الخام للفخار، يوضح أنها «الطمي» المأخوذ من نهر النيل والترع، يُضاف له رماد المنتج من أفران الخبز ويُخلط بالماء لتشكيل الفخار وتعطيه مرونته للتشكيل.
يتم تشكيل الفخار باستخدام عجلة كانت قديمًا من الحجر وأصبحت الآن من الخشب، وبناءً على الحاجة، تُشكَّل القطع وتتطلب بعض المنتجات عدة مراحل ووقتاً أطول للتصنيع مثل «الزير»، فبعد التشكيل وتجفيفها تحت الشمس، تأتى مرحلة «الحرق» فى الفرن حتى تكتسب اللون الوردى أو الأحمر.
يوضح يوسف أن هذه الحرفة تتطلب شغفاً حقيقياً وهى مهنة متوارثة تعلمها من أبيه وجده، مؤكدا على الرغم من أن الأرباح ليست عالية، إلا أنها توفر حياة كريمة ومستقلة تجعل الفرد يعتمد على نفسه، وأضاف أنه لا يبخل بتعليم الآخرين، وقد قام بإعطاء دورات تدريبية فى قصر الثقافة، مطالباً بضرورة دعم الدولة لهذه الحرفة من خلال الدورات التدريبية والتطوير، ويشدد على أهمية دمج الخبرة الحرفية مع الابتكار لتحقيق دخل وأرباح دولية للبلاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.