(بعد 40 عاماً من حفل سيدة الغناء العربى وتحديداً عام 2007، كُنت هناك أشهد احتفاء «معهد العالم العربي» بذكرى الحفل الذى أقامه تحت عنوان «الهرم الرابع»). كان حفل سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى باريس (13 و14 نوفمبر 1967)، عقب شهور قلائل من هزيمة يونيو، وبينما الأجواء يغلب عليها الحزن وتسكنها مرارة الهزيمة، رأت أم كلثوم أن تسخر صوتها لمساندة الجيش المصري، وكانت باريس هى محطتها الأولى فى أوروبا لتقدم حفلات يخصص دخلها لدعم المجهود الحربي. وبرغم أنه كان حفلها الأول فقد اشترطت أن تحصل على أجر حددته قبل تعاقدها مع مدير مسرح الأوليمبيا حينذاك «برونو كوكاتريكس» لم يتقاضه مطرب قبلها، بل لم تحصل عليه مطربة فرنسا الأولى «إديث بياف». وكانت مفاجأة ذلك الحفل الأسطورى مذهلة، بما شهده من حضور كبير ونفاد تذاكره مبكراً، وما حققه من إيرادات هى الأعلى فى تاريخ المسرح الفرنسى فى ذلك الوقت، وقد أذهلت المطربة المصرية الفرنسيين بقدرتها على إبقاء الجمهور فى حالة انتشاء لمدة خمس ساعات ونصف، وكان حفلها هو الحدث الوحيد الذى سهرت لأجله فرنسا التى تقدس النظام وتُغلق المحال فى السابعة مساء. وبعد 40 عاماً وتحديداً عام 2007، كنت هناك أشهد احتفاء «معهد العالم العربي» بذكرى هذا الحفل الذى أقامه تحت عنوان «الهرم الرابع»، وتصدرته صورة أم كلثوم، لأرى كيف امتد تأثير كوكب الشرق بعد مرور كل هذه السنوات، ليتواصل الشغف بها، حيث بدا كل شيء حاضراً، الجمهور من الجاليات العربية بفرنسا والدول المجاورة جاءوا بنفس الترقب، مع تواجد لافت من الفرنسيين وقد اصطفوا جميعاً فى طوابير طويلة أمام أبواب الدخول منذ وقت مبكر صباح الافتتاح. كان صوت أم كلثوم يصدح فى جنبات المعرض، وأفلامها تعرض بقاعة أخرى، وأزياء حفلاتها تعرضها قاعة ثالثة بعدما جلبتها وزارة الثقافة من متحفها بالقاهرة، بخلاف صور عديدة لسيدة الغناء العربى من حفل باريس، وكأنها الحاضرة الغائبة. وحسناً فعل وزير الثقافة د. أحمد فؤاد هنو باستمرار الاحتفال بذكرى رحيل كوكب الشرق الخمسين لتمتد طوال هذا العام عبر فعاليات عدة، لعل أهمها فى رأيى إطلاق مسابقة بمختلف محافظات مصر لاكتشاف أصوات جديدة تتمتع بالموهبة، ولأن مصر كما يقولون «ولَّادة» بالمواهب، فسوف تكشف حتماً عن عناصر متميزة واعدة تواصل مسيرة الغناء المصري. تبقى أم كلثوم أيقونة الغناء العربي، ففى كل بلد عربى زرته، وجدتها بذات الحضور البهى الذى يشعر المرء بالفخر، كما وجدتها فى مقاهٍ تحمل اسمها ولا تبث سوى أغنياتها، مثلما وجدتها فى أحاديث وحكايات الناس، وفى أصوات عربية جديدة تلتمس السير على دربها. إبداع دراما رمضان مع إسدال الستار على السباق الدرامى الرمضاني، سيظل ما طرحه من أعمال درامية مثار جدل واهتمام لفترة طويلة، لاسيما وقد شهد هذا الموسم أعمالاً اتسمت بالجرأة والتنوع والصدق الفنى وطرح قضايا مهمة، صارت حديث الجمهور وهو يترقب يومياً ما يجرى لأبطالها بقلق كبير، بل وتبارى متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعى فى تحليل مشاهدها وتوقع مصير أحداثها، فهناك أعمال قدمت موضوعات حقيقية من نبض المجتمع على غرار «لام شمسية» للمخرج كريم الشناوي، الذى تعرض لقضية التحرش بالأطفال عبر سيناريو لورشة سرد بإشراف المؤلفة مريم نعوم، ما يجعلنا نعيد النظر لفكرة ورش السيناريو إذ يظل الفيصل مرهوناً بمدى جدية القائمين عليها وسعيهم للبحث والدراسة والاستعانة بخبراء، مثلما استعانت نعوم بأطباء أشرفوا على الجانب النفسى والطبى فى السيناريو. كذلك نجح مسلسل «ظلم المصطبة»، بأصالة فكرته والموضوع والأحداث المناسبة تمامًا مع المكان وطبيعته، من تأليف أحمد فوزى صالح، ومن إخراج هانى خليفة ومحمد علي، فى إعادة الدلتا إلى الساحة الدرامية بقوة، فالأحداث تدور فى محافظة البحيرة، ومدينة دمنهور تحديداً، بعدما كان الصعيد فى السنوات الأخيرة قد جذب صناع الدراما بثرائه الدرامي، وقصصه الملحمية، وأتذكر أن أول دراما جذبتنا فى بدايات التليفزيون كانت «الضحية» ودارت أحداثها فى الدلتا، وهى من تأليف عبد المنعم الصاوى وإخراج نور الدمرداش. كما حمل مسلسل «منتهى الصلاحية» فكرة جديدة مواكبة للعصر، حيث يندمج فيه العالم الافتراضى بالواقع فى أسوأ صوره، من خلال قضية شائكة تمثلت فى الإدمان على المراهنات الرقمية وتأثيرها المدمر على المجتمع، وهو من سيناريو وحوار محمد هشام عبية، وفكرة وإخراج تامر نادي، مع أداء متميز لنخبة من النجوم كشفوا بذكاء من خلال سيناريو مشوق، كيف أن هذه المراهنات الرقمية ليست مجرد ألعاب حظ، بل هى مخططات تديرها شبكات محترفة تستغل حاجة الأفراد للمال وتدفعهم إلى الإدمان عليها. رهان المسلسلات الخاسر بعد الفشل الذى لاحق مسلسل «شباب امرأة» أتمنى أن يتوقف هذا الرهان الخاسر الذى يتعلق به كتاب وممثلون وشركات إنتاج بإعادة تقديم أفلام تُعد من كلاسيكيات السينما المصرية الذين يسعون وراءها لعل يصيبهم شيء من نجاحها، والحقيقة أنهم يضعون أنفسهم فى مجال مقارنة لن تكون فى صالحهم بأى حال من الأحوال، لا أقول ذلك عن مسلسل الفنانة غادة عبد الرازق فقط، بل عن كل التجارب المماثلة الممتدة عبر سنوات وكان الفشل الذريع من نصيبها، لأن الجمهور يتمسك بالعمل الأصلى ولا يرضى عنه بديلاً وقد صار راسخاً فى وجدانه. وأتذكر أن الفنان العملاق محمود مرسى كان قد أقدم على إعادة تقديم ثلاثية نجيب محفوظ مع السيناريست الكبير محسن زايد والمخرج القدير يسرى مرزوق رحمهم الله، وقد اعترف محمود مرسى بعدها أنه أخطأ فى إعادة تقديمها، مؤكداً أن أحداً لا يمكن أن ينافس بطلها الأصلى الفنان يحيى شاهين فى أداء شخصية «سى السيد»، وأنه قد أداها أفضل منه، فهل يتوقف هذا الرهان الخاسر؟ تكريم فاروق حسنى يترقب العالم باهتمام قرب افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى يعد بالفعل أكبر متحف فى العالم، وقد أقيم على مساحة 117 فداناً، ووضعته منظمة اليونسكو كأحد أهم المشروعات الثقافية خلال هذا القرن، ويعرض للمرة الأولى المقتنيات الكاملة للفرعون الذهبى «توت عنخ آمون» التى تضم 5 آلاف قطعة أثرية، فيما يستقبلهم فى بهو المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني، أما حفل افتتاح المتحف فى 3 يوليو القادم فتجرى الاستعدادات له على قدم وساق، وقد شدد الرئيس السيسى على أهمية أن يكون حفلاً استثنائيا يليق بهذا الحدث المهم. وفى ظل هذا الإنجاز الكبير الذى حققته مصر، أتمنى أن يتم تكريم وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى صاحب فكرة إقامة هذا المتحف، والذى اختار موقعه بجوار الأهرامات، ليخرج السائح من المتحف ويواصل رحلته إلى الأهرامات وأبى الهول كجزء من الزيارة، وأجرى مسابقة دولية لتصميم مبنى المتحف وحصل على قرض من اليابان قدره 300 مليون دولار، ونجح فى إنهاء ثلثى المتحف وإقامة مبناه الرئيسى ومعامل الترميم قبل أن يغادر الوزارة، وقد كان المتحف أحد أحلامه الكبيرة لمصر بكل ما تملكه من زخم حضارى وثقافى، ولو أن فاروق حسنى لم ينجز سوى المتحف الكبير لاستحق تكريم الدولة، لكنه أنجز خلال سنوات الوزارة ما لم يحققه أى وزير ثقافة مصرى فى العصر الحديث.