قبل نحو نصف قرن، وفي توقيت يشبه هذه الأيام قبل حلول العيد، كان الكثير من المصريين يبحثون عن أماكن جديدة لقضاء عطلة العيد فيها، ووقتذاك أعدت «آخرساعة» تقريرًا عن منطقة جميلة كانت حينذاك لا تزال بكرًا وهى «العين السخنة»، فقامت بزيارة لهذا المكان البديع، واستعرضت أروع ما فيه، لعله يكون متنفسًا لمن يبحثون عن متعة السفر والراحة والهدوء وسط الطبيعة.. نعيد نشر هذا التقرير بتصرف محدود فى السطور التالية: أين نقضى إجازة العيد؟.. من المؤكد أن هذا السؤال يتردد الآن فى عدد هائل من البيوت. إن «آخرساعة» تدعوك إلى مكان فريد من نوعه! إنه فى حضن الجبل.. وعلى شاطئ البحر.. إنها الجنة فى منطقة العين السخنة. ■ في حضن الطبيعة استسلم الناس للنوم في هذا المكان نحن الآن عند الكيلو 124 على طريق «مصر السويس».. اللافتة تشير إلى اليمين.. العين السخنة.. حوالى 60 كيلومترًا من هذه النقطة إلى مقصدنا.. أول ما يطالعك جبل عتاقة نقترب منه.. يأخذنا من تأمله.. قلعة صناعات مصرية فى حماه فإنه يبسط حمايته عليها.. أنابيب بترول.. معامل تكرير.. مصانع أسمدة.. محاجر.. بحر رائع فى هدوئه وألوانه، وبعد المرور فى هذه المنطقة يتبقى لك التأمل فى هذا الجبل الرهيب، وينتقل إحساسك بين الحرارة والحدة والعمل فى جبل عتاقة ومشهده الفريد.. وبين هدوء وصفاء وجمال مياه الخليج.. وعلى بُعد ترى ميناء «الأتاكة»، وهو اسم يبدو غريبًا ويُعتقد أنه ليس اسمًا أو مصطلحًا أطلقه الصيادون على مينائهم، إنما هو اسم أطلقه الأجانب على المنطقة ككل وهى منطقة «عتاقة» فتحورت إلى (أتاكة) ونطقها أهل المنطقة «أتاكة» بدون المد فى الألف. نترك ميناء الصيادين ونسير فوق هذا الشريط الضيق والبحر على اليسار والجبل على اليمين، ولا تملك إلا التأمل بين هذه التعاريج العميقة والأحجار الصلبة وألوانها العجيبة.. إنها ذات لون بنفسجى يميل إلى الاحمرار إلى اللون البنى وهكذا.. ونتأمل أيضًا الارتفاع الشاهق للجبل.. وفى الوقت نفسه ننظر إلى سلاسة الماء فى الخليج وبديع ألوانها الفيروزية والزرقاء، وقد تصل إلى حد الشفافية على الشاطئ، ولا أمواج هادرة ولا تيارات مزعجة.. إحساس واحد برغم اختلاف الطبيعة يجمع بين الجبل والبحر فى هذه المنطقة.. إن لكل منهما أعماقًا تحمل كنوزًا أو تحمل مخاطر هذا ما يعلمه الله خالق هذا الإبداع. ■ فتيات يستمتعن باللعب على الشاطئ ◄ متحف الأحياء المائية على يسارك الآن، متحف الأحياء المائية، يجمع أحياءً لم تعرف إلا الحياة فى البحر.. نماذج نادرة وفريدة من الأنواع والأشكال.. بعد قليل تجد ميناء «الأدبيّة»، وأيضًا على اليسار تجد مقامًا للشيخ السادات، وهو مزين بالأعلام الخضراء والبيضاء، فهذا الشيخ يقبع فى هدوء وسلام فى أرض طيبة، وقبل أن تصل إلى العين السخنة، ترى أبناء البادية وهم يتنقلون عبر الطريق، وتعرف أن هذه المنطقة اسمها «غابة اليوم» وهى عبارة عن عشش من البوص الجميل، سكانها عرب الصحراء.. وتصل إلى خط الأنابيب الجديد الممتد من العين السخنة حتى سيدى كرير.. وكنا نظن أن هذا المشروع سيساهم فى تلوث مياه البحر وإفساد جمال الشاطئ، لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فما زال البحر محتفظًا بروعته ونظافته. وطبيعة هذه المنطقة واحدة، ومكان الإقامة لليوم الواحد ممتاز.. سنترك موقع العين نفسها ونجتاز الطريق الغريب نوعًا ما على المصريين وهو مرتفع مع الجبل ترى المياه والصخور المتناثرة فيها ويزداد المشهد جمالًا، كلما ارتفع الطريق عن البحر تنكشف الألوان مع الأعماق، وتبدأ مرة أخرى فى الانحدار والهبوط ليطالعك مكان سوف تقسم مرارًا أنه أشبه بالجنة الموعودة.. تكوُّن رائع للجبل، وتبدو المياه كأنها فى أحضانه.. هواء جاف وشمس حانية. ◄ اقرأ أيضًا | «الوافدون» يحتفلون: «العيد في مصر حاجة تانية» ■ شباب في رحلة لاستكشاف المكان ◄ شعاب مرجانية ويهرع الناس إلى البحر.. لا خطورة من السباحة فى هذه المنطقة.. المياه ليست عميقة وملوحة البحر تساعد على الطفو.. ويخرج أحد الأطفال جريًا صارخًا بأعلى صوت: انظروا ماذا وجدت. ويلتف الجميع حوله.. إنها شعاب مرجانية.. ويغوص الكل تحت الماء ويأتى بأصداف، وقواقع غريبة، وإذا كنت قويًا بعض الشيء فامكث برهة تحت الماء، وأنظر إلى مخلوقات الله الحيّة، كائنات تعتقد أنها صخور تتحرك وتتنفس، أسماك من كل الألوان والأحجام. ولطبيعة المغامرة فى الشباب والأطفال، فإنك إذا وقفت على الشاطئ ونظرت إلى الماء ستجد تبادل الغوص والطفو والكل يبحث وينقب وتذهب الدقائق والساعات، لتجد تكدسا حول وتحت الشماسي، إنها كميات كبيرة من الأعشاب المرجانية والقواقع والأصداف، ويذهب البعض إلى صيد السمك، إنها منطقة غنية تحتاج إلى إعادة اكتشاف، ننصح بأن تبدأها أفواج الشباب الذى يتسرب إلى نفسه الملل من تكرار واعتياد الحياة الروتينية، وأصحاب السيارات، لأن المكان ليس به أى استعداد لاستقبال الناس، فقط الطبيعة الساحرة تستضيفك، وبعملية حسابية يمكنك معرفة كم من الوقود تحتاج سيارتك، وستجد أن التكاليف قليلة جدًا بالنسبة للاستمتاع، ومن الممكن اشتراك مجموعات فى وضع الوقود وتكاليفه والخروج بأكثر من سيارة حتى تضمن الأمان طول الطريق، لأنه ليس مرصوفًا بالقدر الكافي، نظرًا للظروف التى مر بها، ولن نحذر من السرعة لأن جمال الطريق ومكوناته ستجعلك تبطئ دون أن تشعر. ونحن بين نارين كما يقال، هل نطلب من الأجهزة السياحية استغلال هذا المكان وتشجيع السياح وأبناء البلاد على ارتياده، فيصيبه ما أصاب معظم شواطئنا من إهمال، أم نلتزم الصمت ويستمتع به من هم أحق بذلك كالناس الذين يصطحبون أولادهم وزوجاتهم فى عربات خاصة. الحقيقة، أنه لا مجال للتفضيل ومن حق كل مواطن، عامل، منتج، أن توفر له الدولة أماكن للراحة والانطلاق واستعادة الحيوية لتنمية الطاقة، ومثل هذه الأماكن تحتاج إلى تنظيم وإشراف ورقابة أيضًا من أبناء البلد. ◄ الاستمتاع بالأعياد ونتساءل: لماذا لا تقام استعدادات لاستقبال الناس خصوصًا للاستمتاع فى الأعياد والمناسبات؟ فمثلًا من السهل إقامة مظلات كبيرة من البوص حتى نحافظ على جمال المنطقة وطبيعتها البكر وتكون بذلك أيضًا امتدادًا لغابة البوص، وهى لا تحتاج إلى بناء أو مسلح قد تكون تكاليفه عالية أو قد يساعد على تشويه الطبيعة ثم أنه لا يتلف سريعًا. ومن الممكن أن تمد أنواع الحصير أيضًا على الرمال لأنها فى وسط ونهاية اليوم تكون غير محتملة من ناحية السخونة. أما بالنسبة للخدمات، ففى القاهرة مثلًا نرى عربات خدمة اليوم الواحد.. مثل الأطعمة الخفيفة والوجبات الجافة والمرطبات أو المشروبات المختلفة، ونقترح أن يقام أيضًا على نفس المنطقة مكان صالح للمسابقات الخفيفة المرحة يشرف عليها إخصائيون فى هذا المجال وتقيم الفرق الموسيقية حفلات نهارية أشبه بالمهرجانات أو تعزف موسيقى هادئة، ومن الممكن إنشاء أندية لليخوت وألعاب الماء.. وهذا الاقتراح الأخير خاص بالسياح الأجانب أو للعاملين الأجانب فى المنطقة وهم كثيرون، خاصة بعد مشروعات الانفتاح والاستثمار.. إن الخدمات التى تقدّم لهؤلاء الناس أكبر عامل يساعد على التنمية والاستمرار وتشجيع الآمال لا يكون بالكلام أو الوعود، وإنما بالتنفيذ وبأسرع وأصلح تنفيذ، وهناك دول تصرف على الصناعة من دخل السياحة.. والأمثلة عديدة وفى المقدمة دول أوروبا التى لا تملك كل تاريخنا ولا بعض آثارنا ولا جزءًا من جمال وسحر طبيعة أرض مصر. ◄ رحلات منطمة الاقتراحات كثيرة والأجهزة المسئولة أقدر على التفكير والتنفيذ وعليها بالشباب كوسيلة للبناء والإشراف والحفاظ على رونق المنطقة.. إن الشباب قادر على التفاهم مع كل الأجيال، ومصر زاخرة بهذا النوع من الشباب الواعي.. اعتمدوا عليهم فى إعادة اكتشاف مناطق السياحة والانطلاق والاستجمام.. إن مثل هذه الرحلات المنظمة لا تكلف بتنفيذها أكثر من جهة وأكثر من ناد، فهى ستحدث فى نفسياتنا تغييرًا ملحوظًا، وستزيح عن صدورنا أعباء عديدة، وأهم من ذلك والذى لاحظناه بالفعل أن ينتهى اليوم والجميع يضحك ويشارك الآخرين متعتهم وتتحسن العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ويودعون المنطقة ويودعون بعضهم البعض على أمل لقاء ودى فى مرات قادمة.. حقيقة إنه أكبر خطأ أن يغلق الإنسان على نفسه ويدور فى محور مشاكله ومتاعبه اليومية.. إنه يحتاج إلى يد أمينة تدفعه للحرية والانطلاق والحياة وما أكثر هذه الأيادى فى مصرنا. («آخرساعة» 7 سبتمبر 1977)