ناقشت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب مؤخراً، مشكلة كلاب الشوارع الضالة، التى تزايدت أعدادها بشكل لافت، وباتت تشكل تهديدًا للصحة العامة والسلامة المجتمعية. وأكدت د.منال عوض وزيرة التنمية المحلية أمام اللجنة، أن المجتمع المدنى هو الأقدر على التعامل، مع هذه القضية. وأشارت إلى أن تجربة تعاملها أثناء شغلها منصب محافظ دمياط، مع هذه المشكلة فى مدينة رأس البر، كانت مكلفة جدًا، حيث تبلغ تكلفة تعقيم أنثى الكلب 300 جنيه والذكر 100، ناهيك عن تكلفة العمالة والمعدات . د. دينا ذو الفقار: «الحكومة تخطط للقضاء على السعار «بحلول 2030» وكيل الإدارة المحلية بالنواب: لجنة عليا برئاسة وزير الزراعة للتعامل مع الظاهرة د. شرين ذكى: التوعية والتعاون الحل الأمثل د. محمد توفيق: التعقيم والنقل إلى أماكن إيواء بعيدة « الأخبار » فى هذا التحقيق تلقى الضوء على الظاهرة، وخطورتها، وتحاول صياغة رؤية واضحة من خلال الخبراء، لمعالجة المشكلة، كما تعرض التجارب الناجحة لبعض الدول فى التعامل معها. الإحصائيات غير الرسمية وتصريحات بعض المسئولين ومنهم أمين عام نقابة الأطباء البيطريين السابق د.محمد سيف، تكشف ان عدد الكلاب الضالة على مستوى الجمهورية يتراوح بين 15 - 20 مليون كلب . وتتزايد هذه الأعداد يوما بعد آخر، فى ظل عدم وجود حل حقيقى للمشكلة، رغم ما تسببه من مخاطر على المواطنين. فقد كشف تقرير أن حالات الإصابة التى نتجت من عقر الكلاب خلال عام واحد ، بلغت303 آلاف حالة منها 32 حالة سعار . ما يكشف جانبا من مخاطر المشكلة، التى نجحت بعض الدول فى تنفيذ حلول عملية لها. حيث اعتمدت هولندا برنامجًا يقوم على إخصاء الذكور وإزالة أرحام الإناث لمنعها من التكاثر، ونجحت هذه الإجراءات فى تحقيق التوازن البيئى وتقليل السلوك العدوانى لدى الكلاب، أما الأردن، فقد تبنت حلولًا سلمية للتعامل مع الكلاب الضالة، بما فى ذلك إنشاء مراكز إيواء وتبنى برامج للتوعية المجتمعية . إرهاب أطفال المدارس فى البداية تقول منى شاهين من البساتين، موظفة، تعول ثلاثة أطفال بمراحل عمرية أن هذه المشكلة تفاقمت بشكل كبير، حيث أصبح من المعتاد رؤية أكثر من ثمانية كلاب ضالة فى شارع واحد، مما يتسبب فى حالة ذعر لأبنائى أثناء الذهاب إلى المدرسة فى الصباح، تطالب بوضع حل لهذه المشكلة وأن تستجيب الجهات المسئولة لبلاغاتهم وتنقذ الأهالى من كابوس الكلاب الضالة . معاناة مستمرة أكد لطفى نجيب من حدائق حلوان، أن المعاناة مع الكلاب الضالة ليست جديدة، لكنها تفاقمت فى الفترة الأخيرة، مما جعلها كابوسًا يوميًا للسكان، يحكى لطفى تجربته المؤلمة عندما تعرضت ابنته لعقر كلب ضال، قائلًا: «بفضل العناية الإلهية تمكنت من إنقاذها بعد إعطائها الحقن اللازمة، لكن منذ ذلك اليوم والخوف لا يفارقها مهما حاولت تهدئتها». مدارس تحت الحصار يؤكد المهندس سامى رجب، أحد سكان المنيب، أن المشكلة تتفاقم يوميًا، خاصة فى المناطق المحيطة بالمدارس، حيث يذهب الأطفال صباحًا ليجدوا أمامهم عشرات الكلاب الضالة التى تثير رعبهم بنباحها المستمر. أما دعاء سالم موظفة من محافظة الشرقية، تروى موقفًا مأساويًا عن حادثة شهدتها بنفسها قائلة: «والله احنا تعبنا من الكلاب الضالة وكوارثها، شوفت بعينى ولدا صغيرا فى الشرقية، لم يكمل سبع سنوات، تعرض للعض أثناء ذهابه إلى المدرسة ولم نتمكن من إنقاذه، وتوفى وسط حزن والده الذى لا يوصف». تشريس الكلاب فى البداية تقول دكتورة دينا ذو الفقار، ممثل المجتمع المدنى للرفق بالحيوان، إن المشكلة الحقيقية ليست فى كلاب الشوارع، بل فى الفوضى المرتبطة بامتلاك سلالات أجنبية من الكلاب، والتى لا تتناسب مع البيئة المصرية، بالإضافة إلى غياب الضوابط المنظمة لاقتناء هذه الكلاب وتشريسها. توضح أن هناك فوضى فى عمليات تشريس الكلاب، والتى يجب أن تقتصر على أماكن محددة مثل المصانع والشركات، لكنها أصبحت تُجرى دون قيود واضحة، مما يؤدى إلى حوادث خطيرة. وترى أن استخدام مصطلح «الكلاب الضالة» غير دقيق، وأن المسمى الصحيح هو «كلاب الشوارع»، أما فيما يخص مرض السعار، فتشير إلى أن استراتيجية 2030 لمكافحة السعار تم وضعها بالفعل، وهى تسير فى الاتجاه الصحيح وفق أسس علمية للقضاء على المرض بشكل نهائي. التخلص من القمامة من جانبها تؤكد دكتورة شيرين زكى وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين، أن التخلص من القمامة بشكل منتظم يلعب دورًا رئيسيًا فى تقليل تجمعات الكلاب الضالة، حيث تبحث هذه الحيوانات عن الطعام فى أماكن تراكم المخلفات. وتشدد على ضرورة إزالة صناديق القمامة أولًا بأول، لمنع تشكل بؤر جذب لهذه الكلاب. وتطالب وسائل الإعلام بإطلاق حملات توعية حول كيفية التعامل مع الكلاب الضالة، مع التركيز على الأطفال، حيث إن بعض السلوكيات الخاطئة من الأطفال، مثل محاولة استفزاز الكلاب، قد تؤدى إلى ردود فعل عدوانية منها. وتؤكد فى ختام حديثها أن التوعية والتصرف الصحيح عند التعامل مع الكلاب الضالة يمكن أن يقلل بشكل كبير من الحوادث الناجمة عنها، ويخلق بيئة أكثر أمانًا للجميع. تكاتف الجهات المعنية يؤكد دكتور محمد توفيق، استشارى العناية والرفق بالحيوان، أن السبب الرئيسى وراء الأزمة هو التزايد الكبير فى أعداد الكلاب الضالة، مما يستدعى تدخلاً سريعًا للحد من هذا الانتشار، خاصة أن تجاوزها للمعدل الطبيعى يؤدى إلى أضرار جسيمة، أبرزها انتشار الأمراض مثل السعار، بالإضافة إلى تأثيرها السلبى على الزراعة، حيث اشتكى العديد من المزارعين من الأضرار التى تسببت فيها. ويضيف أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لها دور كبير فى تصاعد حوادث هجوم الكلاب الضالة، حيث تعتمد هذه الحيوانات على بقايا الطعام فى الشوارع، ومع ندرة الغذاء تلجأ إلى العدوانية بحثًا عن البقاء. كما أن تعامل بعض الأشخاص معها بعنف، مثل قذفها بالحجارة أو إثارتها بالخوف، يزيد من شراستها ويجعلها أكثر عدوانية تجاه البشر. يرى أن الحل يبدأ بنشر التوعية حول كيفية التعامل الصحيح مع الكلاب الضالة، إلى جانب تفعيل اللجنة الخماسية بالتعاون مع جمعيات الرفق بالحيوان، لتنسيق جهود الأجهزة المحلية فى توفير سيارات لجمع الكلاب الضالة ونقلها إلى أماكن إيواء بعيدة عن التجمعات السكنية، ويفضل أن تكون فى مناطق صحراوية. كما يقترح تنفيذ عمليات «القتل الرحيم» للكلاب المريضة التى لا علاج لها، ويؤكد على ضرورة الإسراع فى إصدار قانون الرفق بالحيوان، الذى تقدمت به النقابة العامة للأطباء البيطريين بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني. التوازن البيئى يقول الدكتور خالد العمري، نقيب عام البيطريين السابق، أن الحديث عن زيادة كبيرة فى أعداد الكلاب الضالة غير دقيق، ولا يتناسب مع التوسع العمرانى الحالي، ويشدد على ضرورة اتباع طريقة علمية دقيقة لحصر الأعداد الحقيقية لهذه الحيوانات، مع الأخذ فى الاعتبار مدى تأثيرها على التوسع العمراني، قبل إصدار أى قرارات بشأنها. يوضح أن الكلاب الضالة والقطط تلعب دورًا هامًا فى الحفاظ على التوازن البيئي، مشيرًا إلى أن التخلص العشوائى منها قد يؤدى إلى ظهور حيوانات أكثر خطورة، مثل الثعابين، الثعالب، والزواحف الأخرى. ويرى نقيب البيطريين السابق أن المشكلة الأساسية ليست فى وجود الكلاب الضالة بحد ذاتها، وإنما فى الكلاب المصابة بالسعار، والتى تحتاج إلى حصر دقيق من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية، لمعرفة مدى خطورتها على الصحة العامة. كما يوضح العمرى أن هناك سوء فهم لطريقة احتساب حالات العقر، حيث تحسب وفقا لكميات الأمصال المنصرفة وليس بناءً على تقارير دقيقة، مما قد يؤدى إلى تضخيم الأرقام، خاصة أن بعض الحالات تتلقى المصل كإجراء احترازي، دون تأكد من أن الإصابة جاءت من كلب مسعور. ويؤكد أن الحل الحقيقى لأزمة الكلاب الضالة يكمن فى دعم الهيئة العامة للخدمات البيطرية، والتي، إذا توافرت لها الإمكانيات المادية المناسبة، ستتمكن من إدارة الأعداد بطريقة علمية. ويختتم حديثه بالتأكيد على أن التعامل مع أزمة الكلاب الضالة يحتاج إلى نهج علمى مدروس، وليس قرارات عشوائية، لضمان تحقيق توازن بيئى دون تعريض حياة المواطنين للخطر. تنفيذ حلول الأزمة أكد النائب وفيق عزت، وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن الحل المعتمد دوليًا لمشكلة الكلاب الضالة، وفقا لقوانين الأممالمتحدة، يقوم على اصطياد الكلاب وفرزها للكشف عن المصابة منها بمرض السعار، والتخلص الرحيم من الحالات الميؤوس منها، وذلك بناء على فتوى من مفتى الجمهورية وبالتنسيق مع جمعيات الرفق بالحيوان. وأوضح أن اللائحة التنفيذية لمشروع القانون الجديد ستلزم جميع مربى الكلاب بترخيصها، مع فرض عقوبات صارمة على أى مالك يتسبب حيوانه فى إيذاء المواطنين أو التعدى عليهم، كما سيشمل القانون حظر استيراد بعض الكلاب والحيوانات الخطرة، بسبب سوء استخدامها فى أعمال الترهيب، العقر، والمراهنات غير القانونية التى تتم على أسطح المنازل من خلال معارك الكلاب. وكشف عزت عن توصية هامة تتمثل فى تشكيل لجنة عليا برئاسة وزير الزراعة، لمواجهة انتشار الحيوانات الضالة فى الشوارع، بمشاركة ممثلين من عدد من الوزارات المعنية.