"التهجير طوعًا بدلًا من جعله قسرًا" مصطلحٌ صاغته دوائر صناعة القرار السياسي في تل أبيب في محاولة التفافية لتنفيذ مخطط أكبر لم يخرج من رؤوسهم بعد يرمي إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه في قطاع غزة، ضمن الحرب الواسعة في كل الاتجاهات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة. اعتادت إسرائيل قلب الحقائق والمعطيات والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات لتحقيق مآربها وفق أهوائها، وحينما تواجه مقاومة من أصحاب الأرض الحقيقيين تنعت ذلك بالإرهاب، وهي مهما قتلت من الأبرياء وسفكت من الدماء وخلفت من خرابٍ ودمارٍ لم تُوصم بهذا الفعل أبدًا. ووافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي "الكابينت" على مقترح مثير للجدل بإنشاء "هيئة التهجير الطوعي" لتسهيل هجرة الفلسطينيين من غزة "بشكلٍ طوعي"، كما يزعمون، في خطوة تفتح الباب أمام إخراج أهل غزة واقتلاعهم من أرضهم تحت وطأة القصف والعدوان، الذي عاد مرة أخرى في القطاع المنكوب. وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، إن مجلس الوزراء الأمني المصغر وافق على اقتراح وزير الدفاع إسرائيل كاتس لتنظيم "النقل الطوعي لسكان غزة الراغبين في الانتقال إلى دول ثالثة، وفقا للقانون الإسرائيلي والدولي، ووفقا لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، على حد تعبيره. اقرأ أيضًا: البرلمان العربي يدين إعلان الاحتلال إنشاء وكالة لتهجير الفلسطينيين من غزة دائرة تطهير عرقي وردًا على ذلك، أكد ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم جبهة الإصلاح بحركة "فتح"، أن هذا المخطط الإسرائيلي بتشكيل هذه الهيئة هدفه التطهير العرقفي للشعب الفلسطيني من غزة. وقال دلياني، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، إنه "ليس هناك هيئة تهجير طوعي.. هذا المُسمى لا يعكس الحقيقة. إنها دائرة تطهير عرقي". واعتبر دلياني أن إعلان وزير مالية الاحتلال عن تشكيل مديرية للتطهير العرقي في غزة يشكّل "لحظة مكاشفة أيديولوجية خطيرة، تجسد إضفاء الطابع المؤسسي الرسمي على مشروع تطهير عرقي لطالما كان جزءًا أساسيًا من العقيدة الاستعمارية الابادية الصهيونية التي قامت عليها دولة الاحتلال". وأضاف دلياني أن "ما نشهده اليوم هو الامتداد الطبيعي للسياسات الإسرائيلية المبنية على الأيديولوجية الصهيونية"، منوهًا إلى أنه "لم يعد المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون عن تهديد مصدره المقاومة الفلسطينية فحسب، بل باتوا يعتبرون مجرد وجود الشعب الفلسطيني تهديدًا وجوديًا لهم". وتابع قائلًا: "هذه ليست مجرد سياسات استعمارية توسعية، بل هي أيديولوجيا قائمة على الإبادة الجماعية، تعتبر الوجود الفلسطيني ذاته خطرًا لا يمكن التعايش معه. إنها عقيدة محو منظمة، تتجلى في الأدوات القانونية التي يختلقها نظام تشريعي قائم على إلغاء الإنسانية من الفلسطيني والفلسطينية، وتُطبَّع عبر الخطاب السياسي، وتُنفَّذ بوحشية غير مسبوقة". تهجير قسري «باسم مزيف» وفي إطار القانون الدولي، الذي اعتادت إسرائيل أن تضرب بما جاء في سطوره وأوراقه عرض الحائط، أكد الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن إنشاء هيئة التهجير الطوعى الإسرائيلية بمثابة "شهادة ميلاد لجريمة دولية موثقة"، حسب تعبيره. وأضاف مهران، ل"بوابة أخبار اليوم"، أن مشروع التهجير هذا هو "تهجير قسري ولكن باسم مزيف"، مشيرًا إلى أن مواد القانون الدولي تتحدث عن التصرفات وليس المسميات، وأن تصرفات إسرائيل تؤكد فكرة التهجير القسري. وأوضح الخبير في القانون الدولي أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949 تنص على: يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيًا كانت دواعيه". وتابع قائلًا: "كما تضيف الفقرة الثانية: على أنه يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع". وتحدث مهران عن أن هناك عدة مسارات قانونية يمكن من خلالها مقاضاة إسرائيل تتمثل في اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية وللمدعي العام للمحكمة، واستخدام إنشاء هذه الهيئة كدليل على النية في ارتكاب جريمة التهجير القسري، واعتباره جزءًا من الأدلة في التحقيق الجاري حاليًا في الوضع في فلسطين، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في إنشاء الهيئة أو الإشراف عليها. رؤية ترامب ويتماشى القرار الإسرائيلي مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أفصح عنها سيد البيت الأبيض مع عودته لسدة الحكم مجددًا، بتهجيير الشعب الفلسطينيني من أرضه في غزة إلى دول مجاورة، وتحديدًا مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، بذريعة إعادة تأهيل القطاع وإعمار من آثار الحرب الإسرائيلية. وبعد أسابيع من تمسك ترامب بخطته بدا أنه تراجع عن خطته تلك في تصريحات لصحيفة "فوكس نيوز" الأمريكية، في منتصف مارس/ آذار الجاري، حينما قال إنه لن يفرض خطته بشأن غزة، وإنه لا أحد يريد طرد الفلسطينيين من غزة، وذلك بعد ان اصطدم بجدارٍ صلبٍ تمثل في موقف الفلسطينيين خطته لتهجيرهم ووقوف مصر والأردن في وجه مخطط ترامب واستبداله بخطة مصرية تم اعتمادها من قبل مجلس جامعة الدول العربية خلال قمة العربية الطارئة بالقاهرة على مستوى الزعماء، والتي جرت في مطلع الشهر الجاري. لكن قرار الحكومة الإسرائيلية الجديد بإنشاء هيئة موكلة بمهمة تهجير الفلسطينيين من غزة طوعًا - كما يدّعون - جعل الأذهان تستحضر على الفور مخطط ترامب في قطاع غزة، خاصةً أن الرئيس الأمريكي، وفقًا لمسؤولين بالبيت الأبيض، هو من أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف حربها في غزة بدءًا من 18 مارس/ آذار، وسبق أن توعد بتحويل غزة إلى "جحيم" إذا لم يتم إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لدى المقاومة. وما زاد من وضوح الأمر أكثر ما قاله سموتريتش، وهو يعلن الموافقة على مقترح تشكيل هيئة التهجير الطوعي، وحديثه عن أن ذلك وفق رؤية الرئيس الأمريكي، كما أشرنا سلفًا. وقال أكرم جودة، منسق مبادرة "كوشان بلدي"، التي تنشط في غزة على مدار السنوات الماضية للمطالبة بحق العودة للشعب الفلسطيني، "لا أعتقد أن مشروع ترامب فشل بالنسبة له لكن هو يعطي انتباه لمستوى ردة فعل الحكومات العربية والجهات الفلسطينية الرسمية، ولاسيما أن تصريحاته تتناقض مع برنامجه عن السلام، الذي أعلنه". وأضاف جودة، ل"بوابة أخبار اليوم"، "لذلك نشهد أنه (ترامب) متناقض ولكن هو مصمم على توقيت مشروعه والتقاء ذلك مع حكومة اليمين الإسرائيلي، وهم على نفس المسافة من هذه الأطروحات المتعلقة بتهجير الفلسطينيين.. وهم مصمومون على ذلك". وأشار جودة إلى أن ردة فعل الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة عامة على خطط التهجير القسري من غزة بأن هناك استياء كبيرًا لدى الشعب من خطاب ترامب وحكومة إسرائيل بخصوص تهجير الشعب الفلسطيني من غزة. وأردف قائلًا: "أنا أسمع وأرى أبناء شعبنا وهم يتحدثون أن لغزةوفلسطين ملاك وشعب هم الفلسطينيون، ولا يستطيع أي من كان المساومة أو الحديث باسمهم عن شيء مرفوض لديهم وهو التهجير، في ظل أن شعبنا متمسك بهذه الأرض لأنها تمثل الهوية والكرامة وأرض المقدسات بالنسبة لنا".