الرسائل الجامعية تعتبر من أهم الوثائق الأكاديمية التي تمنحها الجامعات للطلاب ممن درسوا وجدوا سنوات عديدة وفقاً لخطط محكمة ومناهج رصينة، حتى يضيفوا للعلم والمعارف البشرية ما يثريهما. من هنا جاءت أهمية انعقاد لجان المناقشة للحكم على مدى جودة الرسائل العلمية، بل! والالتزام بالشكل والأعراف الجامعية أثناء انعقاد لجان المناقشة، حيث يرتدي أساتذة الجامعة عباءة الرهبان (الروب الجامعي) ويجلسون على منصة المناقشة حالهم حال القضاة في المحكمة، بل ويستوجب الأمر الاستئذان من رئيس الجلسة، إذا دعت الحاجة لخروج أحدهم من القاعة، وألا يبتعد كثيرا عن قاعة المناقشة، ثم ليعود سريعا ليستمع ويسجل ما يدلي به باقي أعضاء لجنة المناقشة من ملاحظات على الرسالة، كما تفرض عليه الأعراف ألا يتدخل في مناقشة زملاءه الا في حالة الضرورة القصوى وبعد الاستئذان من رئيس لجنة المناقشة . يتصدر قاعة المناقشة في العادة العديد من الأساتذة والمتخصصين وطلاب العلم في الصفوف الأولى أمام منصة المناقشين للاستماع لتلك الجلسة العلمية والاستفادة بما يأتي فيها من سجال علمي وملاحظات منهجية، ثم يتبعهم أقرباء الباحث وأصدقاءه، اللذين جاءوا للاحتفال معه بعد إعلان حصوله على اللقب العلمي. وهنا تبدأ المناقشة بعد أن يستعرض الباحث أبرز ما جاء برسالته في عرض موجز، ليقوم المناقشون بتقديم بعض الأسئلة والاستفسارات للباحث بعد أن أتيح لهم الوقت الكاف لقراءة الرسالة، حيث يفسح المجال للباحث للإجابة عن تلك التساؤلات، التي من خلالها يتم استكمال تقييم رسالته وأطروحته العلمية، حيث يكون بإمكانه إبراز قدراته وعلمه. ومن خلال عرض الباحث لرسالته والرد على الاستفسارات يتم تقييم مدىالتزامه بتحليل النصوص وربطها ببعضها وطريقته في تفكيكها ثم اعادة بنائها وفق اسس علمية رصينة تبعا لطريقة للمناهج والأدوات العلمية المعروفة في كل تخصص للوصول الى حقيقة أو ابتكار علمي، كما يتم تقييم كيفية اختياره للموضوع وجمع المصادر والمراجع ومن ثم قياس ما الأصالة وما تضيفه الرسالة العلمية من الابتكار. ومما لاشك فيه إن بعض الباحثين قد يصلون لمرحلة الابداع، وتكون رسالاتهم مثالا جيدا للالتزام بالمنهجية العلمية والتواصل مع الدراسات السابقة والأصالة والابتكار، ما يستطيع أن يقنع لجنة المناقشة بمقدرة الباحث العلمية، وتكون بمثابة دليل دامغ على جهده وطريقة تفكيره وشخصيته العلمية، وهنا تجتمع اللجنة العلمية لتخرج بتوصية بطباعة الرسالة على نفقة الجامعة وتداولها بين الجامعات. الأمر كما سبق شرحه، فالتوصية بطباعة الرسالة على نفقة الجامعة وتداولها بين الجامعات يبدو كأنه تكريم لبعض الرسائل المتفردة، بما حملته من ابتكار سبقه جهد واضح للباحث، أما أن يصر بعض المشرفين على أن تكون تلك التوصية بمثابة العبارة التي يتم إطلاقها في نهاية كل مناقشة مع تقديم العصائر والكيك والشيكولاته، فهو من الأمور التي أصبحت متداولة، لتفقد تلك العبارة معناها الحقيقي. حفظ الله مصر وحفظ الجامعات. كاتب المقال: أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بكلية الآداب جامعة الفيوم، خبير التنمية المستدامة بمنظمة اليونسكو.