بعد 4 أيام فقط من انعقاد قمة لندن التى جمعت زعماء أوروبا لبحث الدفاع عن أوكرانيا خاصة بعد المشادة الكلامية بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى البيت الأبيض، عقد الزعماء الأوروبيون قمة أمنية فى العاصمة البلجيكية بروكسل لبحث سبل دعم أوكرانيا فى مواجهة الغزو الروسى وتعزيز الدفاعات الأوروبية. وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد أوقف المساعدات العسكرية الأمريكيةلأوكرانيا عقب انعقاد قمة لندن مباشرة. اقرأ أيضًا | الاحتياطي الاستراتيجي ل البيتكوين.. جدل كبير في خطوة ترامب الجديدة وتُعد الولاياتالمتحدة هى أكبر مانح فردى للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، حيث تقدم الأسلحة والمعدات والدعم المالى. ويُذكر أنه بين بداية عام 2022 ونهاية عام 2024، قدمت الولاياتالمتحدة 69 مليار دولار كمساعدات عسكرية فى حين بلغت قيمة المساعدات التى قدمتها الدول الأوروبية مجتمعة فى نفس الفترة 58 مليار دولار، وذلك وفقًا لمؤسسة كيل البحثية الألمانية. لقد كشف كل هذا النشاط الدبلوماسى المحموم عن التزام أوروبى قوى بدعم أوكرانيا فى مواجهة الغزو الروسى المستمر منذ أكثر من 3 سنوات. واعتبر القادة الأوروبيون فى تصريحاتهم خلال قمة بروكسل أن أوروبا وأوكرانيا تواجهان «لحظة حاسمة»، ووحّد القادة موقفهم الرافض لما وصفوه ب«السلام المفروض على أوكرانيا». وفى الوقت الذى أوقف فيه ترامب التعاون الاستخباراتى مع أوكرانيا، قال وزير الجيوش الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، إن فرنسا ستقدم معلومات استخباراتية عسكرية للأوكرانيين. لكن التحدى الأكبر يكمن فى قدرة أوروبا على تحمل عبء مواجهة الغزو الروسى لأوكرانيا بدون الولاياتالمتحدة، ولا شك أن الاعتماد الكبير على الدعم الأمريكى فى السابق يجعل من الصعب على أوروبا سد الفجوة بسرعة. وقد توفر اقتراحات مثل استخدام 200 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة فى أوروبا، وهو الاقتراح الذى أشارت إليه راشيل إيليهوس من معهد رويال يونايتد سيرفيسز، تمويلًا مؤقتًا، لكنها لا تحل مشكلة نقص المعدات العسكرية، كما أن الانقسامات الداخلية بين الدول الأوروبية، مثل تردد بعضها فى نشر قوات حفظ سلام، تُعقّد الجهود لتقديم دعم مستدام وشامل. وتعتقد أغلب الدول الأوروبية أن أمن أوروبا كلها، وليس فقط سيادة أوكرانيا، أصبح على المحك مع سعى روسيا إلى تفكيك التحالف الغربي، والذى ظل قائما منذ نهاية الحرب الباردة. وتبدو واشنطن، التى كانت تدعم أوروبا فى مجال الأمن والدفاع منذ الحرب العالمية الثانية، الآن «غير مهتمة بمصير أوروبا»، وفقا للرجل الذى من المقرر أن يصبح الزعيم المقبل لأكبر اقتصاد فى القارة، وهو الألمانى فريدريش ميرز. وقد طرح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فكرة استخدام سلاح بلاده النووى لحماية أوروبا من المخاطر الروسية. وعلى الجانب الآخر اعتبر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف الخميس أن تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن حزمة دفاع غير مسبوقة أطلق عليها اسم «إعادة تسليح أوروبا»، وقالت إن أوروبا مستعدة لتعزيز إنفاقها الدفاعى «بشكل هائل» و«بالسرعة والطموح اللازمين». وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبى يمكنه رصد 800 مليار يورو للإنفاق الدفاعى. ولقد طالبت بعض الدول، مثل بولندا ودول البلطيق، برفع ميزانيات الدفاع إلى أكثر من 2 فى المئة من الناتج المحلى الإجمالي، وهو الهدف الذى حدده حلف شمال الأطلسى «الناتو»، ولكن العديد من الدول الأوروبية الكبرى لا تزال مترددة فى تنفيذ هذه الزيادة على نطاق واسع. ويرجع ذلك إلى أن زيادة الإنفاق الدفاعى تواجه تحديات داخلية كبيرة، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها العديد من الدول الأوروبية، فالإنفاق الدفاعى يتطلب تحويل موارد مالية كبيرة من قطاعات أخرى مثل الرعاية الصحية والتعليم، مما قد يؤدى إلى اضطرابات سياسية داخلية. وتُعد إعادة صياغة العلاقات الأوروبية الأمريكية بعد التطورات الأخيرة أحد أكبر التحديات التى تواجه أوروبا فى ظل تراجع التزام الولاياتالمتحدة بأمن القارة. فقد ظهرت النزعة الانعزالية بشكل متزايد داخل السياسة الأمريكية، مما يثير تساؤلات حول مدى إمكانية الاعتماد على واشنطن كشريك استراتيجى موثوق. وقد كانت العلاقة مع الولاياتالمتحدة محورًا رئيسيًا فى النشاط الدبلوماسى الأوروبى مؤخرا، حيث أكد القادة الأوروبيون، مثل رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، أهمية الحفاظ على تعاون وثيق مع واشنطن. لكن تصريحات ترامب ومحاولاته للتقارب مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أثارت مخاوف من تهميش أوروبا فى مفاوضات السلام المحتملة، وردًا على ذلك، قدم الأوروبيون خطة «تحالف الراغبين» لدعم أوكرانيا، بهدف عرضها على أمريكا كجزء من ضمانات أمنية مشتركة. ويكمُن التحدى هنا فى إقناع الإدارة الأمريكية بأن أوروبا قادرة على لعب دور قيادى دون الاعتماد الكلى على واشنطن، وتعكس تصريحات الأمين العام لحلف الناتو مارك روته أن الولاياتالمتحدة «ملتزمة» بالحلف، مع تزايد الإنفاق الدفاعى الأوروبي، محاولة لتهدئة المخاوف، لكنها لا تغطى على الشكوك حول نوايا ترامب طويلة الأمد. وتتطلب إعادة صياغة العلاقة الأوروبية الأمريكية تحقيق توازن بين إثبات استقلالية أوروبا الاستراتيجية من جهة والحفاظ على الشراكة عبر الأطلسى من جهة أخرى.