فوجئت إسرائيل بالتفاف الدول العربية حول الخطة البديلة فى قطاع غزة، وأبدت تل أبيب اندهاشًا من اعتزام وزراء خارجية مصر، والأردن، والسعودية، وقطر، والإمارات المتحدة، زيارة واشنطن قريبًا لإقناع إدارة دونالد ترامب بفاعلية الخطة التى استحالت إلى عربية بعد صياغتها وبلورتها فى القاهرة. بعد تلاوة البيان الختامى لقمة الدول العربية الأخيرة، تناغم الموقفان الإسرائيلى والأمريكى الرافض للخطة العربية، وبينما تبارى الجانبان فى وضع مبررات واهية تحول دون تمرير الخطة، رأت تل أبيب جديَّة عربية لحسم الملف الغزاوى بما يتسق وعربية القضية الفلسطينية. اقرأ أيضًا | مشروع إعمار غزة.. بين «التخطيط المتميز» و«التنفيذ السريع» «خلافًا للسوابق ربما يختلف الموقف العربى هذه المرة»، اختزلت تلك العبارة انطباع إسرائيل عن واقع الجهود العربية، الرامية إلى حلحلة الأزمة الغزاوية، ووضع بديل جاد لطرح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؛ فالدول العربية وفى سابقة هى الأولى من نوعها تآلفت وأجمعت على موقف موحَّد وهو رفض تهجير الغزاويين من القطاع، كما رفضت فى المقابل طرح سيناريو نظير فى الضفة الغربية؛ ويعزو الكاتب الإسرائيلى تسيفى بارئيل ذلك إلى تفعيل أدوات القوة العربية أمام ترامب صاحب طرح إخلاء قطاع غزة من قاطنيه. إذا كان تحليل بارئيل يجنح إلى عمق قراءة العرب لسيكولوجية قاطن البيت الأبيض، ومدى تعويله على أموال دول النفط، التى يمكن خسارتها إذا أصر على موقفه، فالباحث الإسرائيلى توفيا جرينج ذهب إلى بُعد آخر، حذر فيه حكومة نتانياهو من قوة الموقف العربى فى هذه المرة، وألمح إلى أن موقف الصين إزاء الصراع يساند منذ فترة ليست بالقصيرة القضية الفلسطينية، وازداد الخطاب الصينى حدة تجاه إسرائيل مع بداية حرب «السيوف الحديدية» فى قطاع غزة. وفى ورقة بحثية نشرها موقع «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، قال توفيا جرينج: طالما استمرت الحرب فى غزة وتزايد التنافس بين القوى، فمن المحتمل أن تفضل الصين «استخدام إسرائيل كعصا للتغلب على الأمريكيين»، حتى إذا كان ذلك على حساب العلاقات مع إسرائيل. لذلك، يتعين على تل أبيب تحديد الخطوط الحمراء للصين خلف الأبواب المغلقة، وأن تحافظ على حوار مباشر ومفتوح مع القيادة الصينية، بهدف تخفيف الاتجاهات السلبية، والحيلولة دون منح العرب مركز قوة يمكن من خلاله مواجهة نفوذ الولاياتالمتحدة ومن ورائه إسرائيل. وإلى جانب القوة العربية المستمدة فى أحد أركانها من دعم التنين الصيني، حسب تعبير الباحث الإسرائيلي، رأى الكاتب اليسارى جاكى خورى أنه رغم رفض إسرائيل والولاياتالمتحدة للخطة العربية، إلا أن الدول العربية ماضية فى تفعيل بنود الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، فضلا عن معارضة ساحقة لخطة التهجير التى طرحها ترامب. ووصف الكاتب الإسرائيلى لقاء الرياض الذى مهَّد لقمة أوسع فى القاهرة ب«لقاء الأخوة»، وعزا أهميته إلى قادة الدول المحورية المشاركة فيه؛ وبينما تجرى الجهود العربية على قدم وساق لإحباط مخطط تصفية القضية الفلسطينية، اعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تسريب أنباء عن مساهمة الدول العربية بمبلغ 20 مليار دولار، وتخصيصها لإعادة إعمار القطاع فى إطار الخطة العربية، محاولة لإغراء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الطامح دائمًا لإبرام صفقات من هذا النوع، لا سيما أن الشركات الأمريكية وغيرها سيكون لها نصيب فى إعادة الإعمار. وبينما تتصاعد لاءات رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام الخطة العربية المناوئة لطرح ترامب فى قطاع غزة، انقلب مبعوث الإدارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف على طرح رئيسه، وقال «كلام الرئيس لا يعنى أننا أمام خطة لإجلاء سكان قطاع غزة قسرًا». وفور تلاوة البيان الختامى لقمة الدول العربية فى القاهرة، رأى ويتكوف أنه «من الضرورى إجراء مزيد من النقاش حول هذه الخطة»، معترفًا بأنها بداية إيجابية. الكاتبة الإسرائيلية ليئور بن آرى أشارت هى الأخرى إلى أن الجهود العربية المبذولة لم تقتصر على الصمود أمام خطة ترامب فى قطاع غزة، وإنما سعت منذ فترة طويلة لحشد المجتمع الدولى من أجل فرض حل الدولتين. وفى تقريرها المنشور بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، تقول بن آري: «على مدار أشهر الحرب فى قطاع غزة، ينتقد الوزراء العرب السياسة الإسرائيلية خلال اجتماعاتهم حول العالم، ويحتجون على أن الهدف الإسرائيلى يكمن فى استمرار حالة الحرب إلى الأبد، وليس السعى إلى الحل. وتظهر تصريحات العرب خلال الربع الثانى من عام 2024، قفزة كبيرة فى خطاب الجهات الرسمية فى الدول العربية بشأن حل الدولتين. فى كل بيان رسمى صادر عن وزارات الخارجية العربية تقريبًا، توجد إدانة لإسرائيل، وتشير الكاتبة الإسرائيلية إلى أنه خلال شهر سبتمبر الماضي، وفى اليوم الذى تحدث فيه رئيس وزراء إسرائيل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان آل سعود عن تحالف دولى جديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية بغرض تعزيز حل الدولتين. خلال الشهر ذاته، اجتمع المنتدى الذى أسسته السعودية فى الرياض مع ممثلين عن المنظمات الدولية، بهدف وضع جدول زمنى لتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية حينها.