كتبت:دينا الأدغم حذّرت تقارير لمجلة «ذي ناشونال إنترست» الأمريكية من مساعي الصين لإقامة قواعد بحرية في المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي، وهي خطوة تُوسّع نفوذ بكين العسكري عالميًا، خاصة في المناطق البحرية القريبة من الولاياتالمتحدة، ووصفت المجلة هذه التحركات بأنها تمثل تحديًا كبيرًا قد يُعرقل العلاقات بين الصينوواشنطن. ووفقًا لموقع «إن سايد ديفينس» الأمريكي، يشعر الجيش الأمريكي بقلق متزايد من احتمال تحول منطقة الكاريبي إلى "سلسلة جزر هجومية" لصالح بكين، ويرجع ذلك إلى سعي الصين لتعزيز وجودها العسكري هناك، مما يمنحها قدرة أكبر على الوصول إلى مناطق النزاع وإبراز قوتها المحتملة. اقرأ أيضًا| الكرملين: الرئيسان الروسي والصيني يناقشان علاقات البلدين مع الولاياتالمتحدة وفي شهادة مكتوبة قُدمت أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، شدد الأدميرال ألفين هولسي، قائد القيادة الجنوبية الأمريكية، على خطورة موقف الصين، مشيرًا إلى محاولات بكين لإنشاء قواعد عسكرية في دول مطلة على الكاريبي، واعتبر هولسي أن هذه التحركات تهدف إلى تحويل تركيز الولاياتالمتحدة إلى الداخل وتقليص وجودها في المحيط الهادئ، مما قد يؤثر على توازن القوى العالمي. وفي تحذير صدر في 13 فبراير الجاري، أكد هولسي أن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي أصبحتا محورًا رئيسيًا في المنافسة الدولية، وأشار التقرير إلى أن موقف الصين يعكس محاولاتها لفرض وجودها على الساحة العالمية، حيث وضعت أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي على الخطوط الأمامية لصراع استراتيجي حاسم سيحدد مستقبل النظام العالمي. ويؤكد الأدميرال هولسي أن تحركات بكين في نصف الكرة الغربي ليست سوى جزء من استراتيجية هجومية تمتد على مستوى العالم، قائلا: "إن الصين تستهدف المصالح الأمريكية من جميع الاتجاهات وفي جميع المجالات، وتزيد بشكل متسارع من وجودها العسكري في أرخبيل البحر الكاريبي، مما يجعله سلسلة جزر هجومية محتملة". فقد تمركزت القوات الأمريكية بقوة على طول أول سلسلة جزر في آسيا منذ ما يقرب من ثمانية عقود من الزمان، الأمر الذي وضع خصما محتملا يحول دون وصول الصين إلى غرب المحيط الهادئ. وطبقا لتقارير صحيفة «وول ستريت» الأمريكية نشرت بالعام الماضي منفردة باعتراف نادر، صرحت تايوان بأن قوات أمريكية ستدرب جيشها، فوق جزيرة كينمن وغيرها من الجزر التي ستمثل الخطوط الأولى في حال نشوب نزاع مع جارتها الصين. ومع تصاعد التوترات مع الصين، قال وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشنج إن القوات الأمريكية ستنفذ هذه المهمة من دون ذكر المزيد من التفاصيل. وفى ذات السياق، رد تشيو على أسئلة حول دور القوات الأمريكية في جزر تايوان "من أجل المراقبة المتبادلة لتحديد المشاكل التي نواجهها، ومعرفة كيفية تحسينها، قائلا نتعرف على نقاط قوتها حتى نتمكن من التعلم منها". وكان تشيو يرد على تقرير تناقلته مواقع عسكرية، أكد أنه سيتم إرسال مدربي القوات الخاصة الأمريكية إلى كينمن وغيرها من الجزر، حيث تتمركز قوات النخبة التايوانية. نقاط غامضة للنوايا الأمريكية وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" مارتي ماينرز، إنه لن يعلق على عمليات أو تدريبات محددة، حسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، لكنه أضاف: "التزامنا تجاه تايوان راسخ كالصخر، ويساهم في الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وداخل المنطقة". وقال تشيو إن تايوان تحتاج إلى مثل هذه التدريبات مع الجيوش الصديقة، لأن جيشها "قد يكون لديه بعض النقاط العمياء أو أوجه القصور". ووفقا لسو تزو يون، الزميل في معهد أبحاث الدفاع الوطني والأمن، وهو معهد عسكري في تايبيه، يركز تدريب القوات الخاصة الأمريكية على "تعزيز أمن تايوان، لا سيما منع محاولات التسلل من جانب الصين"، وتابع: "التعاون بين واشنطن وتايبيه يركز في المقام الأول على الدفاع". والجزر النائية، بما في ذلك كينمن، هي المكان الذي يتمركز فيه معظم قوات تايوان البرمائية، وجنودها المعروفون باسم "الضفادع البشرية". وكانت كينمن موقعا لسلسلة من التوترات البحرية بين الصينوتايوان خلال شهر فبراير الماضي، بعد وفاة صيادين صينيين انقلب قاربهما أثناء ملاحقته من قبل خفر السواحل التايواني. ووصف مسؤول صيني الحادث بأنه "عمل شرير"، وقالت بكين إنها ستكثف دورياتها في المنطقة. اقرأ أيضًا| الحرب بين الولاياتالمتحدةوالصين تتجه نحو التوسع سيطرة الصين على القوات الأمريكيةبتايوان وكانت "وول ستريت جورنال" ذكرت لأول مرة عام 2021، أن فرقة صغيرة من القوات الأمريكية بقيت في تايوان لمدة عام على الأقل، من أجل مهمة سرية لتدريب القوات التايوانية على الدفاع ضد هجوم محتمل للجيش الصيني، الذي كان يقيّم قدرته على ضم تايوان في صراع مسلح. وخلال خطابه السنوي الذي ألقاه في وقت سابق، كرر رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج التحذيرات الموجهة ضد الدعم الأمريكي لتايوان، قائلا إن الصين "ستعارض بحزم الأنشطة الانفصالية التي تهدف إلى استقلال تايوان"، وترفض "التدخل الخارجي". وأرسلت الصين عددا متزايدا من السفن والطائرات العسكرية لإجراء تدريبات منتظمة قرب تايوان، في تحركات وصفها محللون بأنها تدريب على صراع محتمل واختبار لقوة دفاعات الجزيرة، وفي عام 2022، أطلقت بكين تدريبات واسعة حول تايوان تهدف إلى محاكاة حصار محتمل . هيمنة الصين تجاريا وذكرت تقارير بحثية استراتيجية تفيد بأن الصين تعد الدولة الرائدة في مجال الموانئ وشبكات الشحن البحري كونها موطنًا لأكبر موانئ الحاويات في العالم وأكثرها اتصالًا، إلى جانب قدرتها على ضخ استثمارات ضخمة في شبكة موانئ الاقتصادات المتقدمة والنامية ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد العالمي، مما منحها نفوذًا جيواقتصاديًا على الممرات البحرية الدولية. حيث إنها بدأت مشروعها البحري من خلال السعي إلى التجارة التي تيسرها الدبلوماسية، فقبل أكثر من أربعة عقود من الزمان، شرع الزعيم الأعلى دنج شياو بينج في إصلاح الاقتصاد الصيني وفتحه للعالم، ولكي تحقق الازدهار، ألقت بكين ما أسماه ماهان "سلسلة" القوة البحرية. وقد تطور الإنتاج الصناعي في الداخل، مما جعلها أرض المصنع في العالم، كما جمعت قدرة لا مثيل لها في بناء السفن، وسعت إلى الوصول إلى الموانئ التجارية الأجنبية، ويُذكر أن، الإنتاج، والشحن، والقواعد الخارجية تلك هي "الروابط" في "سلسلة" القوة البحرية. وعززت الصين وجودها البحري في الشرق الأوسط بشكل مطرد منذ إرسالها أول فرقة عمل للمرافقة البحرية إلى خليج عدن في عام 2008، وفي ذلك الوقت، كان الهدف من التواجد الصيني هو مكافحة القرصنة ولكن على الرغم من تضاؤل تهديدات القراصنة، إلا أن الصين عززت تواجدها في المنطقة واستمرت في استخدام قواتها البحرية الحديثة لتعزيز مصالحها في المنطقة. على الرغم من أن العديد من المشاريع العسكرية العالمية الطموحة للصين مرتبطة بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينج، إلا أن بروز هذه التطلعات بشكل فعلي يعود إلى عهد الرئيس هو جينتاو في عام 2008. وكان ذلك هو العام الذي أطلقت فيه بكين أول مهمة بحرية حديثة لها في الخارج، وشهد نشر قوات "البحار البعيدة" في عام 2008 إبحار ثلاث سفن حربية تابعة ل "بحرية جيش التحرير الشعبي" إلى خليج عدن كفرقة عمل مستقلة لمكافحة القرصنة وذلك ضمن "المهام التاريخية الجديدة" التي أعلنها هو جينتاو للمرة الأولى قبل المهمة بأربع سنوات. ومنذ ذلك التاريخ، أطلقت "بحرية جيش التحرير الشعبي" اثنين وأربعين فرقة عمل مرافقة بحرية للهدف المعلن المتمثل في مكافحة القرصنة على الرغم من التراجع السريع للهجمات التي تستهدف النقل البحري بحلول عام 2015. وتزعم وسائل الإعلام الحكومية الصينية أن القوات البحرية رافقت "أكثر من 7000 سفينة صينية وأجنبية"، "أنشأت آليات غير رسمية لتبادل المعلومات" مع القوات البحرية الأجنبية، وعلى الرغم من أن "بحرية جيش التحرير الشعبي" لا تزال على هامش التحالفات الدولية لمكافحة القرصنة، إلا أنها تجري مناورات بحرية مع دول مثل باكستان وروسيا. وفي غضون ذلك، أنشأ "جيش التحرير الشعبي الصيني" أول قاعدة خارجية له في جيبوتي عام 2017. وفي البداية، وصفتها بكين بأنها منشأة لوجستية تدعم مهام مكافحة القرصنة، إلا أنها أقرت في وقت لاحق بأنها منشأة دعم عسكري و"نقطة قوة استراتيجية"، وبالإضافة إلى احتواء هذه القاعدة على معدات جمع المعلومات الاستخبارية، تم توسيعها لاستيعاب حاملات الطائرات والسفن الهجومية البرمائية التابعة ل "بحرية جيش التحرير الشعبي"، وهي قدرات غير ضرورية لمكافحة القرصنة وتمت إضافتها بعد فترة طويلة من انحسار شبح هذا التهديد. ويشير اهتمام "بحرية جيش التحرير الشعبي" في الحصول على موطئ قدم للقيام بعمليات في مناطق المحيط الهندي والخليج العربي إلى أن قاعدة جيبوتي لن تكون الأخيرة. كذلك، تضمنت فرق عمل المرافقة البحرية الصينية سفنا لا تتناسب بالضرورة مع مهام الأمن البحري، الأمر الذي يعزز فرضية أن عمليات النشر هذه لها هدف استراتيجي أكبر من مجرد تأمين التجارة، فقد تضمنت فرقة عمل مرافقة بحرية صينية تم نشرها في عام 2010 سفينة إنزال من طراز "يوجاو" (Yuzhao)، وهي سفينة مصممة للهجوم البرمائي وليس لمطاردة القراصنة. وفي عام 2014، أرسلت "بحرية جيش التحرير الشعبي"غواصة هجومية تعمل بالديزل والكهرباء من طراز "سونج" (Song) من هاينان للقيام بدوريات في شرق المحيط الهندي، وعلى الرغم من أن تلك الحادثة لم تكن الأولى التي يتم فيها نشر غواصة من قبل دولة تقوم بعمليات مكافحة القرصنة (قامت هولندا بمثل هذا النشر في عام 2010)، إلا أن ذلك كان بمثابة امتحان هام لقدرة الصين على إبراز قوتها بعيدا عن شواطئها كما أحدث ذلك حالة من الذعر الشديد في الهند. وعلى نحو لافت، أشار مخطط استراتيجي صيني سابقًا إلى مهام فرقة العمل كوسيلة لتعزيز "قدرة البحرية على إجراء عمليات شبه قتالية في المحيطات البعيدة". وهناك أيضا وفقا لمجلة"ناشيونال إنتريست" الأمريكية في فبراير الماضي تقارير أخرى، تؤكد أن الصين لم تعد قوة صاعدة فحسب، بل باتت قوة عسكرية متطورة تسعى إلى فرض سيطرتها على المسرح العالمي. وتوضح ايضا أن الجيش الصيني، المدعوم بأكبر قوة صناعية في العالم، يعمل على بناء غواصات بمواصفات عالمية لمواجهة الانتشار العسكري الأمريكي في المحيطين الهندي والهادئ، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. اقرأ أيضًا| «واشنطن» تستهدف الرقائق والتكنولوجيا الصينية.. وبكين ترد بقيود على «أشباه الموصلات» والدليل على ذلك، ظهور الغواصة الصينية الجديدة التي أثارت تكهنات واسعة، حيث يعتقد أنها جزء من عائلة الغواصات "041 – فئة تشو"، التي تتميز بتقنيات متطورة تشمل نظام دفع هجينا يجمع بين الطاقة التقليدية والنووية، مما يمنحها قدرة عالية على التحمل أثناء العمليات القتالية، كما تم تجهيزها بنظام إطلاق عمودي يسمح لها بإطلاق صواريخ "كروز" وصواريخ باليستية مضادة للسفن، وهو ما يعزز قدراتها الهجومية. هذه الخطوة تأتي في إطار رد الصين على نشر الولاياتالمتحدة منظومة صواريخ "تايفون" في الفلبين، كانت قد أُرسلت في البداية للمشاركة في المناورات العسكرية المشتركة "سالاكنيب 2024"، إلا أن القوات الأمريكية قررت الإبقاء عليها بشكل دائم، في خطوة اعتبرتها بكين استفزازًا مباشرًا. وأشارت إلى أن نشر هذه المنظومة يعكس استراتيجية واشنطن في سد الفجوة بين الصواريخ قصيرة المدى والأسلحة فرط الصوتية التي تطورها القوى الكبرى، حيث تعتمد منظومة "تايفون" على نظام الإطلاق العمودي البحري "إم كيه 41"، مما يمنحها القدرة على إطلاق صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى وصواريخ "إس إم-6′′، التي تستطيع ضرب السفن الحربية الصينية. وفي ظل هذه التطورات، تسعى الصين إلى فرض سيطرتها الكاملة على بحر الصين الجنوبي، الذي أصبح نقطة اشتعال رئيسية بين بكين ومانيلا، حليفة الولاياتالمتحدة. ووفقًا للتقرير، فإن الصين حققت مكاسب استراتيجية هائلة في المنطقة منذ بدأت ببناء الجزر الاصطناعية عام 2009، مما يجعل من الصعب على أي قوة أخرى كبح نفوذها هناك، وأبرز أن نشر الغواصات الجديدة، المزودة بصواريخ تفوق سرعة الصوت، قد يمنح الصين تفوقًا بحريًا مؤقتًا، وهو ما قد يمكنها من السيطرة على بحر الصين الجنوبي فترة كافية لشن أي عملية عسكرية ضد تايوان أو لتشديد قبضتها على الممرات البحرية الاستراتيجية. وأكد أن الولاياتالمتحدة، رغم نشرها منظومة تايفون، لا تزال متأخرة عدة خطوات عن الصين في سباق التسلح بالمنطقة، خاصة أن بكين تواصل تطوير أسلحتها فرط الصوتية بوتيرة متسارعة، مشيرا إلى أن الغواصة الجديدة تعكس توجه الصين نحو استراتيجية هجومية أكثر جرأة، حيث تسعى إلى كسر الهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة، وتأمين مصالحها الاستراتيجية دون أن تخشى الردع التقليدي الذي تمارسه واشنطن. في ظل هذا التصعيد، حذر من أن بحر الصين الجنوبي يقترب من أن يصبح "بحيرة صينية"، حيث تفرض بكين سيطرتها تدريجيًا عبر نشر مزيد من القطع البحرية المتطورة، مما يضعف موقف الولاياتالمتحدة وحلفائها. ومع استمرار هذا السباق العسكري تبقى المنطقة على حافة مواجهة غير مسبوقة قد تكون لها تداعيات كبرى على الأمن والاستقرار.