رواية كتبت على أنغام صوت أم كلثوم، ليس مجازا، بل هو ما قام به الروائى شريف صالح بالفعل فى روايته «مجانين أم كلثوم»، التى صدرت مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية، لينسج عالم روايته ما بين سيرة الست وسيرة بطله فى نفس الوقت، سيرتان من أزمنة مختلفة، لكن البطل- الراوى كلثومى الهوى ينضم لجمعية سرية للحفاظ على تراث معشوقته، ويبحث عن الحب الكلثومى المستحيل فى خطين سرديين محكمين. شريف روائى وصحفى وناقد أكاديمى حاصل على عدة جوائز فى الرواية وله أكثر من عشرين كتاباً منها روايات: حارس الفيسبوك، ابتسامة بوذا، وكتاب بعنوان: «نجيب محفوظ وتحولات الحكاية»، وفى عمله الأخير يتجه للتجريب فى عالم الست، ويهدى محبيها «سيرة الحب» أو سيرتها على طريقته، نسأله: ■ كيف ولد عالم الرواية؟ وما ارتباطه بذكرى مرور خمسين عاماً على ذكرى وفاة أم كلثوم؟ - أعتبر نفسى من سميعة أم كلثوم ولا يفوت يوم دون الاستماع إليها، وتعودت أحيانًا تدوين انطباعات عن أغانيها وملحنيها فى صفحة على الفيسبوك. وشجعنى أصدقاء كثر فى الصفحة على تجميعها ونشرها وحين جمعتها اكتشفت أنها تزيد على عشرين ألف كلمة، لكننى ظللت حائرًا لأن معظمها بالعامية، ولا يوجد خيط مباشر يربط بينها خصوصًا أننى لم أرغب فى إضافة كتاب آخر إلى ما كُتب عن سيرتها وشعرائها وملحنيها حسمت أمرى بتوظيف تلك التدوينات فى نص روائى، كأن يكون البطل مهووسًا بها ويدون أشياء كثيرة عنها. ثم قلتُ لنفسى: ولماذا لا أجعله عضوًا فى جمعية سرية للحفاظ على تراث أم كلثوم؟ حين وجدت فكرة مقنعة ومحفزة للكتابة كان ذلك قبل تسعة أشهر تقريبًا، فألزمت نفسى بالكتابة يوميًا، للانتهاء منها خصوصًا أننى انتبهت إلى موعد الذكرى الخمسين لرحيلها فوجدتها مناسبة مواتية لإصدار الرواية برغم أن ذلك لم يكن واضحًا حين بدأت. ■ اخترت أعضاء جمعية حراس أم كلثوم السرية من طبقات مختلفة فى المجتمع المصرى.. كيف ينعكس ذلك على واقع جمهور الست؟ وهل تجد أننا نحتاج إلى مثل تلك الجمعيات «المتخيلة» لحماية تراثها؟ - طبيعى أن تتنوع طبقات أعضاء الجمعية السرية لأن أم كلثوم بالفعل كانت مطربة عابرة للطبقات من أثرياء وفقراء. وبعيدًا عن الفكرة المتخيلة لجميعة سرية تدافع عنها أعتقد بالفعل أننا بحاجة إلى عشرات الجمعيات الأهلية للدفاع عن الفنون والآداب والرموز الوطنية فى ظل هجمة الدعشنة التى طالت وعى الكثير من المصريين. ■ أشرت إلى نجيب محفوظ باعتباره رئيساً شرفياً للجمعية المتخيلة، لماذا اخترت محفوظ تحديداً لهذا المنصب؟ لأن الرواية تمزج ما بين التوثيق والتخييل، كان لابد من الإشارة إلى بعض المشاهير من «مجانين أم كلثوم» وفى مقدمتهم أديب نوبل نفسه والذى أطلق على ابنته اسم «أم كلثوم»، وذكرها مرارًا فى قصصه ورواياته، وارتبط بصداقة مع أحد كبار ملحنيها وهو الشيخ زكريا أحمد، وحضرت «الست» بنفسها عيد ميلاده الخمسين. لذلك افترضت مشهدًا متخيلًا يعرض فيه أعضاء الجمعية على الأستاذ نجيب أن يكون رئيسًا لها على سبيل التحية له. ■ الرواية مرثية للحب كما يراه البطل كلثومى النزعة، وليس مرثية للست.. كيف ترى ذلك؟ - استنتاج أتفق معه تمامًا، لأن البطل المغرم بأغانى الست والمتدبر لمعانى الأشعار، وقع فى تلك الإشكالية ما بين الحب كمفهوم وتصورات نظرية، والحب كواقع معيش وممارسة يومية مليئة بالتفاصيل المعقدة. بمعنى أن الحب فى الأغانى ليس هو ما نعثر عليه فى حياتنا للأسف. لذلك أعتبر الرواية مرثية لمشاعر البطل الكلثومى لأن الواقع لم يكن لطيفًا معه، ولم يعش الحب الذى ظل يحلم به فى شبابه. ■ كيف كانت لعبة النص أو التجريب الذى قمت به بين المتن والهامش؟ - بطبعى أحب اللعب فى مجمل نصوصى القصصية والروائية، بشرط أن يتسق اللعب جماليًا مع مقتضيات النص. هنا فى «مجانين أم كلثوم» كنت مشغولًا بقصص الجمهور ودوره فى صناعة ظاهرة اسمها «كوكب الشرق»، تدوين ذكريات ومعلومات تتقاطع مع سيرتها الشخصية، وتاريخ مصر الثقافى، وتحليل لأبرز أغنياتها طوال نصف قرن، إضافة إلى الخط الخاص بقصة حب جلال عاشور، وخط الجمعية السرية، وللتضفير بين هذه الخطوط كلها ما بين التوثيق والتخييل، توصلت إلى ضرورة وجود الحواشى الطولية، لتصبح نصًا هامشيًا موازيًا للمتن السردى، وبما يسمح لى بسرد معلومات توثيقية، وقصص وشذرات خاصة لجمهورها الحقيقى عبر العالم كله، وبما يثرى الخطوط السردية داخل المتن نفسه. فنحن لدينا نصان يتوازيان ويتقاطعان ويلعبان على التوثيق والتخييل معًا. ■ ثمة مقارنة بين شخصية زوجة البطل الريفية القادمة فى التسعينيات إلى المدينة والصاعدة بقوة بعد الثورة، مقابل صعود الست فى زمن مختلف بمفردات مختلفة؟ - هذا صحيح ومتعمد، والمقارنة تشير إلى فوارق مهمة بين عصرين، وثورتين، وشخصيتين.. امرأة تدعى وتستغل من أجل الصعود الاجتماعى وتجاوز جرحها النرجسى، مقارنة بأم كلثوم التى صعدت بقوة موهبتها وإرادتها الصلبة وقدرتها على الاستمرار فوق القمة، وحساسيتها الخاصة فى إدراك تبدل العصور والأذواق.