تعد الدراما المصرية واحدة من أهم بوابة التي ساهمت في اكتشاف وصقل المواهب الفنية على مدار عقود، حيث قدمت للساحة الفنية العديد من النجوم الذين أصبحوا رموزا في التمثيل, ومع التطور المستمر لصناعة الدراما، لا تزال المسلسلات التلفزيونية توفر فرصا ذهبية للممثلين الشباب، مما يجعلها ركيزة أساسية وأحد أهم المنابر لاكتشاف المواهب الجديدة. مسلسل "بوابة الحلواني" هو خير مثال على ذلك، إذ قدم على مدار أجزائه الأربعة وجوها شابة أصبحت لاحقا من أبرز نجوم الساحة الفنية, فمنذ عرض الجزء الأول عام 1992، كان المسلسل بمثابة أكاديمية فنية صقلت مواهب عديدة، إلى جانب كونه عملا دراميا تاريخيا وثق فترات مهمة من تاريخ مصر. تميز العمل بإعطاء الفرصة لعدد كبير من الوجوه الجديدة آنذاك، من بينهم ، خالد النبوي, فكان المسلسل نقطة انطلاق حقيقية للنبوي، الذي قدم من خلاله شخصية "حمزة الحلواني"، والتي ساهمت في شهرته الواسعة ومعرفة الجمهور به, وقد تحدث عن هذه التجربة في أحد لقاءاته، مشيرا إلى أن المسلسل شكل محطة هامة في حياته الفنية، رغم أنه تلقى عرضا آخر بأجر أعلى وقتها، إلا أن والدته نصحته بعدم التراجع عن التزامه، وهو المبدأ الذي تبناه طوال مشواره الفني. هذا الموقف يعكس كيف يمكن للأعمال الدرامية الكبرى أن تكون انطلاقة قوية للمواهب الصاعدة. كما شاركت نشوى مصطفى في الجزأين الأول والرابع، حيث قدمت دور "حفصة"، وهو أحد الأدوار التي لاقت إعجاب الجمهور وتركت بصمة مميزة لدى المشاهدين, واستعادت ذكرياتها مع العمل من خلال صورة نشرتها عبر حسابها على إنستجرام، مؤكدة أن "بوابة الحلواني" كان أحد الأعمال الهامة في مسيرتها، معلقة: "ذكريات البدايات... مسلسل بوابة الحلواني". هذا العمل كان أيضا بمثابة فرصة ذهبية للمطربة شيرين وجدي لإثبات موهبتها، ليس فقط في الغناء، بل أيضا في التمثيل, فقد خاضت تجربتها الأولى في التمثيل من خلال دور "ألمظ" وهي من الشخصيات المحورية فى أحداث المسلسل، الذي جسدته أمام علي الحجار الذي لعب دور عبده الحامولي, جاءت هذه الفرصة بدعم وتشجيع من الملحن الكبير بليغ حمدي، الذي آمن بقدراتها الفنية. وجاء ترشيحها لهذا الدور من قبل المخرج التلفزيوني إبراهيم الصحن، الذي رأى فيها القدرة على تجسيد الشخصية بما تحمله من أبعاد درامية وغنائية، خاصة وأن الدور تطلب أداء 13 أغنية ضمن أحداث المسلسل. وعندما عرض عليها السيناريو، وافقت على الفور، معتبرة أن هذه الفرصة ستساهم في تقديم موهبتها الغنائية والتمثيلية للجمهور، كما أنها ستمنحها انتشارا أوسع، لا سيما أن الأغنيات التي قدمتها في المسلسل كانت من ألحان الموسيقار الكبير بليغ حمدي، مما أضاف قيمة فنية كبيرة إلى تجربتها وأكسبها خبرة من خلال التعاون مع أحد أبرز الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية. كما ساهمت شخصية "الأمير توفيق" التى جسدها ياسر جلال خلال الجزء الثاني من "بوابة الحلواني", فى رسم ملامح المسيرة الفنية له, فكانت بمثابة انطلاقة حقيقية له نحو النجومية ونقطة تحول فى حياته الفنية، وهو الدور الذي لفت الأنظار إليه وجعل الجمهور يتعرف عليه بشكل أوسع رغم أنه شارك في أعمال درامية أخرى قبل ذلك، إلا أن هذا الدور كان علامة فارقة في مسيرته، ساهم في ترسيخ اسمه كممثل يمتلك حضورا قويا وموهبة لافتة. فتح "بوابة الحلوانى" أيضا أبواب الشهرة لعدد كبير من الفنانين من بينهم أحمد شاكر عبد اللطيف، لقاء سويدان التي قدمت دور "وديعة"، داليا إبراهيم بدور "الأميرة فاطمة"، بالإضافة إلى منال عبد اللطيف ونهى إسماعيل. وكانت هذه الأدوار بمثابة انطلاقة قوية لهؤلاء الفنانين، حيث استطاعوا من خلالها إثبات موهبتهم وتكوين قاعدة جماهيرية واسعة، ليصبحوا فيما بعد أسماء لامعة في الوسط الفني. مسلسل "بوابة الحلواني" من أبرز الأعمال الدرامية الرمضانية التي حققت نجاحا واسعا في مصر والعالم العربي منذ عرضه الأول عام 1992, امتد المسلسل على مدار أربعة أجزاء، استمر عرضها حتى عام 2001، وتمت إعادة بثها مئات المرات، لما تحمله من قيمة فنية وتاريخية، المسلسل من إخراج إبراهيم الصحن وتأليف محفوظ عبد الرحمن، وبطولة نخبة من الفنانين، من بينهم محمد وفيق، عزت العلايلي, إيمان الطوخي, سميرة عبدالعزيز، أحمد راتب، سناء يونس، صلاح قابيل، ليلى طاهر، خالد النبوي، حسن حسني، أسامة عباس, علي الحجار, سمية الألفي, هاني رمزي, رامز جلال, منال سلامة وغيرهم. نجح المسلسل في أن يصبح جزءا من الذاكرة الرمضانية، حيث لا يزال مرتبطا بمشاعر الحنين إلى الماضي، خاصة مع كلمات أغنيته الشهيرة "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني". يستعرض العمل رحلة أسرة الحلواني، التي تنحدر من قرية الفرما، والتي تحولت إلى مدينة بورسعيد بعد حفر قناة السويس, يربط العمل بين الأحداث التاريخية الكبرى في مصر، مثل حفر القناة، وبين الحياة الاجتماعية للمصريين في تلك الحقبة فى تسلسل درامي يوثق تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع المصري خلال بدايات القرن العشرين، يعكس في الوقت ذاته الطموحات السياسية والصراعات على النفوذ ومحاولات إقصاء الآخر, كما يتناول العلاقة العاطفية التي جمعت بين عبده الحامولي – الذي جسده علي الحجار – وألمظ، التي قدمتها شيرين وجدي. عرض الموسم الأول من المسلسل في رمضان عام 1992، حيث ركز على تاريخ أسرة الحلواني ودور عمال حفر قناة السويس وتأثير المشروع على حياة المصريين, تتابعت الأجزاء التالية لتعكس المزيد من التحولات الاجتماعية والسياسية، فصدر الجزء الثاني عام 1994، والثالث عام 1997، بينما جاء الجزء الرابع والأخير في عام 2001، ليختتم رحلة درامية كانت شاهدة على واحدة من أهم فترات التحولات التاريخية في مصر. على الرغم من أن مسلسل "بوابة الحلواني" عرض لأول مرة عام 1992، فإن جذور فكرته تعود إلى عام 1963، حينما كان يعمل الكاتب محفوظ عبد الرحمن في دار الوثائق بعد تخرجه. وخلال عمله في ترتيب الملفات والوثائق، سقط على رأسه بالصدفة ملف ضخم يضم عددا كبيرا من الأوراق، وأثناء جلوسه لجمعها، لفت انتباهه أنها تتعلق بفترة حفر قناة السويس, استحوذت هذه الوثائق على اهتمامه، وبدأ في قراءتها بتمعن، لينجذب بشدة إلى الأحداث والمواقف التاريخية التي سردتها, بقيت هذه التفاصيل حاضرة في ذاكرته لفترة طويلة، وظلت تتشكل كفكرة درامية لم تخرج إلى النور إلا بعد سنوات. وفي إحدى زياراته إلى مدينة بورسعيد برفقة زوجته، الفنانة سميرة عبد العزيز، استعاد محفوظ عبد الرحمن تلك الذكريات، ليقرر حينها أن يكتب عملا دراميا يوثق تاريخ بورسعيد وقناة السويس، وهو ما تجسد لاحقا في المسلسل الشهير "بوابة الحلواني". وعلى مدار أجزائه الأربعة، نجح المسلسل في أن يصبح جزءا من الذاكرة الرمضانية للمشاهدين، كما نجح في تقديم صورة درامية ثرية عن تاريخ مصر في حقبة مهمة، بأسلوب جمع بين الدقة التاريخية والتشويق الدرامي, ليظل واحدا من أهم الأعمال الدرامية في تاريخ التلفزيون المصري، ليس فقط لما قدمه من دراما ثرية ومحتوى تاريخي قيم، ولكن أيضا لأنه كان منصة لانطلاق عدد من المواهب التي أصبحت فيما بعد نجوما لامعة في الساحة الفنية. اقرأ أيضا: ياسر جلال: دبلجة «جودر» للغة الروسية انتصار للدراما المصرية | خاص