دينا الأدغم بعد فوزه في الانتخابات الألمانية باكتساح، من المتوقع أن يحدث فريدريش ميرز طفرة غير مسبوقة نحو عصر جديد بدون واشنطن كحليف وثيق، بعد توتر العلاقات بين أوروبا ودونالد ترامب، بحسب ما أوردته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إذ فاز التحالف المسيحي المحافظ، بزعامة فريدريش ميرز، في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد في ألمانيا، متقدما على حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي حقق أفضل نتيجة له في تاريخه، وفق تقديرات أولية غير رسمية. يذكر أن التحالف المسيحي المحافظ يتكون من حزبين، وهما الحزب المسيحي الديمقراطي، بزعامة فريدريش ميرز وهو الحزب الأكبر، وشقيقه الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، بزعامة ماركوس زودر. وكشفت المؤشرات الأولية غير الرسمية أن حزب "البديل" اليميني الشعبوي حل في المركز الثاني، متقدما على الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، وبالفعل حصل التحالف على نسبة 28.6 في المئة، في حين حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على نسبة 20.8 في المئة، وهي نتيجة غير مسبوقة لحزب يميني متطرف في انتخابات اتحادية منذ الحرب العالمية الثانية. تشكيل الحكومة والتحديات المستقبلية أعلن زعيم التحالف المحافظ، فريدريش ميرز، رغبته في تشكيل حكومة "بأسرع وقت ممكن" لتجاوز أزمات ألمانيا. وقال ميرز، البالغ من العمر 69 عاما، في برلين بعد الانتصار: "العالم الخارجي لن ينتظرنا، ولن ينتظر مفاوضات ائتلافية مطولة... يتعين علينا أن نصبح جاهزين للعمل بسرعة مجددا للقيام بما هو ضروري على الصعيد الداخلي، لكي نصبح حاضرين في أوروبا مرة أخرى". وبالرغم من خلاف ميرز مع الإدارة الأميركية، هنئه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قائلاً "يوم عظيم لألمانيا" بعد فوز المحافظين في الانتخابات التشريعية هناك. وقال الرئيس الجمهوري على منصته "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي: "إنه يوم عظيم لألمانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية". وأضاف: "كما هي الحال في الولاياتالمتحدة، سئم الشعب الألماني من الأجندة غير المنطقية، خصوصا فيما يتعلق بالطاقة والهجرة". تاريخ ميرز وعلاقته بالولاياتالمتحدة وكان من المتوقع أيضاً أن يصبح فريدريش ميرز المستشار الألماني الأكثر ميلًا إلى الولاياتالمتحدة، إذ لم يسبق في التاريخ أن كان لرئيس حكومة ألماني مثل هذا القدر من التقارب مع الولاياتالمتحدة الأميركية. وسافر ميرز إلى الولاياتالمتحدة أكثر من مائة مرة، وفقًا لإحصائياته الخاصة، ويعتبر الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان أحد من يعتبرهم قدوته. في الوقت الذي يقترب فيه ميرز من تولي السلطة في ألمانيا، تحولت أميركا التي يحبها من صديق لا غنى عنه إلى عدو. ويرى ميرز وغيره من زعماء التيار السائد في أوروبا على نحو متزايد أن الولاياتالمتحدة لم تعد منارة "مضيئة كعادتها على القمة"، كما كان ريغان يحب أن يسميها - بل أصبحت قوة أخرى تنضم إلى روسيا والصين في محاولة لتقنين ديمقراطياتهما الهشة. تحول في رؤية العلاقات عبر الأطلسي وفى الفترة الأخيرة بعد الكابوس القاتم الذي شهدته أوروبا وبالأخص بعد كلمة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في خطابه أمام مؤتمر ميونخ للأمن وإنتقاده لأوروبا بسبب قمعها حرية التعبير، قال فريدريش ميرزعلى خشبة المسرح في مؤتمر ميونيخ للأمن: "إن هذا حقًا هو تغيير العصر". وأضاف: "إذا لم نسمع نداء الاستيقاظ الآن، فقد يكون الأوان قد فات بالنسبة للاتحاد الأوروبي بأكمله". ومن المرجح أن يسجل التاريخ الأوروبي ظهور فانس في ميونيخ باعتباره تحولاً تاريخياً لا يقل أهمية عن خطاب فلاديمير بوتن في عام 2007 في نفس المؤتمر، عندما أعلن الرئيس الروسي فعلياً الحرب على النظام الليبرالي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. والآن، أصبحت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب نفسها هي التي تدير ظهرها لهذا الإجماع. جذور ميرز ونشأته السياسية وُلِد ميرز بعد عقد من انتهاء الحرب العالمية الثانية في ساورلاند، وهي منطقة ريفية جبلية في ألمانياالغربية، إذ تأثر بالثقافة المحافظة الراسخة في المنطقة وانضم إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني الوسطي وهو لا يزال في المدرسة الثانوية. بعد أن أمضى فترة قصيرة في الجيش، التحق فريدريش ميرز بالجامعة في بون، عاصمة ألمانياالغربية آنذاك، حيث درس القانون. أصبح ميرز عضوًا محافظًا في البرلمان الأوروبي في عام 1989، وهو العام الذي سقط فيه جدار برلين، وبعد خمس سنوات انتُخِب لعضوية البوندستاج الألماني، حيث طور علاقة وثيقة مع فولفجانج شويبله، المناصر القوي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمدافع القوي عن تكامل الاتحاد الأوروبي، وتحت وصاية شويبله، ارتفع مكان ميرز واعتُبِر مرشحًا محتملًا لمنصب المستشار. مسار مهني متقلب انحصر صعوده في عام 2002، عندما خسر صراعًا على السلطة مع أنجيلا ميركل الأكثر وسطية. ولما رأى فريدريش ميرز أنه لا دور له في الحزب الديمقراطي المسيحي تحت قيادة ميركل، انسحب إلى المقاعد الخلفية، وفي خضم الأزمة المالية العالمية في عام 2008 نشر قصيدة مدح للأسواق الحرة بعنوان "الجرأة من أجل المزيد من الرأسمالية"، وبعد عام واحد ترك البوندستاج للعمل كمحامي شركات، بينما تولى أيضًا قيادة مجموعة "أتلانتيك بروك"، وهي جماعة ضغط تدافع عن العلاقات عبر الأطلسي. أثناء عمله مع شركة أتلانتيك بروك، دفع ميرز باتجاه إبرام اتفاقية تجارية بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة - الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي - وأقام علاقات أوثق مع الولاياتالمتحدة، وتواصل مع الساسة الأمريكيين وقادة الشركات. وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان في القطاع الخاص، جلس فريدريش ميرز في سلسلة من مجالس إدارة الشركات، بما في ذلك فترة عمل لمدة أربع سنوات مع شركة إدارة الأصول الأمريكية بلاك روك، وهي الفترة التي يعتبرها من أسعد فترات حياته. أزمة الإدارة الأوروبية والتحديات الداخلية شهدت السنوات الأخيرة انخفاضاً ملحوظًا في الدور الألماني داخل الاتحاد الأوروبي، إذ عانت برلين، التي طالما اعتُبرت "الدولة التي لا غنى عنها"، من صراعات داخلية حادة في حكومتها الائتلافية بحسب ما كشفته تقارير لصحيفة "الجارديان" البريطانية. وأدى هذا الوضع إلى تذبذب المواقف، ما انعكس سلبًا على علاقاتها مع شركائها الأوروبيين. تأثرت العلاقات الألمانية-الفرنسية بشكل خاص، خلال فترة المستشار أولاف شولتس، إذ افتقرت علاقته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى الدفء والتناغم المعهود، ما أضعف المحور الفرنسي-الألماني، الذي يعد بمثابة المحور الرئيسي للاتحاد الأوروبي. وشهدت العلاقات مع بولندا توترًا ملحوظًا، بسبب خلافات حول الدفاع الجوي الأوروبي ومظالم تاريخية. تحديات الأمن والدفاع ويواجه "ميرز" مجموعة مُعقدة من التحديات الأمنية والدفاعية، إذ وعد بتقديم صواريخ توروس بعيدة المدى لأوكرانيا، في تحول لافت عن سياسة سلفه شولتس، الذي طالما رفض هذه الخطوة، وفقًا للصحيفة البريطانية. كان ذلك بسبب وعوده للرئيس الأوكراني زيلينسكى في ديسمبر الماضي بحسب ما أوردته إذاعة "صوت أميريكا" تجاه تزويد أوكرانيا بصواريخ توروس وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد بينه وبين زيلينسكى أثناء زيارته بكييف في التاسع من ديسمبر الماضي. ونقلت أيضاً "الجارديان" البريطانية عن يانا بوجليرين، مديرة مكتب برلين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن فريق ميرز يدرك حجم التحديات العالمية وضرورة وجود حكومة ألمانية فاعلة في أقرب وقت ممكن. وتضيف أن هناك إجماعًا بين الأحزاب الرئيسية على أنه "لا يمكن التخلي عن أوكرانيا"، لكنها تتوقع "مفاوضات ائتلافية صعبة" حول تمويل المساعدات. مستقبل العلاقات الدولية وبعد تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات نائبه جيه دي فانس، معتبرا أن حرية التعبير في تراجع في أوروبا التي تواجه أيضا مشكلة هجرة كبرى، في تصعيد لانتقاداته لحلفاء بلاده التقليديين، وبعد إنتقاد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس اللاذع لخطاب فانس، أفادت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى تحول مهم في موقف ميرز من التعامل مع إدارة ترامب. وعن العلاقات الدولية تشير يانا بوجليرين، مديرة مكتب برلين في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى موقف ألمانيا المتأرجح تجاه الهجمات على الاتحاد الأوروبي، ما قد يدفع برلين نحو تعزيز التكامل الأوروبي. وفي السياق نفسه، يتوقع يانيس إيمانويليدس، نائب الرئيس التنفيذي للمركز الأوروبي للسياسات، أن يتمتع ميرز بعلاقات أفضل مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك والرئيس الفرنسي ماكرون. الضغوط الاقتصادية وملف الهجرة يواجه فريدريش ميرز تعرقلات اقتصادية وسياسية، إذ يتعين عليه الموازنة بين التزاماته المحافظة ماليًا وضرورات الإنفاق المتزايد، إذ أبدى انفتاحًا على إصلاح "كابح الديون" الألماني، الذي يحد من الاقتراض الحكومي السنوي بنسبة 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أظهر مرونة تجاه فكرة السندات الأوروبية المشتركة للدفاع. وفي ملف الهجرة، تتوقع "ذا جارديان" أن يتراجع "ميرز" عن بعض مواقفه المتشددة، مثل فرض رقابة دائمة على الحدود الألمانية ورفض جميع طالبي اللجوء، خاصة أن مثل هذه الإجراءات قد تضر بالعلاقات مع دول الجوار. وسبق أن انتقد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إجراءات مماثلة، واصفًا إياها بأنها "غير مقبولة".