فى خطوة غير متوقعة، أجرى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مكالمة هاتفية مطولة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين استمرت 90 دقيقة. المكالمة، التى وصفتها موسكو بأنها «إيجابية وبنّاءة»، أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل الحرب فى أوكرانيا، خصوصًا أنها جاءت وسط تكهنات عن تغيير جذرى فى الموقف الأمريكى من الصراع. فهل تمثل هذه المحادثة إشارة إلى تحول حقيقى فى سياسات البيت الأبيض؟ وهل اقتربت الحرب الأوكرانية من نهايتها فى ظل مقاربة ترامب الجديدة؟ لم يكن ترامب يخفى منذ حملته الانتخابية رغبته فى إنهاء الحرب فى أوكرانيا، لطالما انتقد الدعم المفتوح لكييف، واعتبره استنزافًا للموارد الأمريكية دون مقابل واضح، وعلى الرغم من أن خطابه السياسى كان فى البداية مجرد شعارات انتخابية فإن وصوله إلى البيت الأبيض وإجراءه هذه المكالمة مع بوتين يؤكد أن نواياه تجاه أوكرانيا ليست مجرد تصريحات، بل جزء من استراتيجية أوسع. ووفقًا لما نشرته صحيفة التايمز البريطانية فقد ناقش ترامب مع بوتين إمكانية وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات فورية، وهو أمر لم تكن إدارة بايدن مستعدة للقبول به، فهل هذا يعنى أن واشنطن بصدد التخلى عن موقفها المتشدد تجاه موسكو؟ من ناحية أخرى، فإن بوتين، الذى طالما راهن على الانقسامات داخل الغرب، قد يرى فى ترامب فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب سياسية دون الحاجة لمزيد من التصعيد العسكرى، فبالنسبة لموسكو فإن أى تخفيف للعقوبات، أو حتى تباطؤ فى الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا، قد يكون بمثابة انتصار استراتيجى دون إطلاق رصاصة واحدة. كيف استقبلت أوروبا وأوكرانيا هذه المكالمة؟ المكالمة الهاتفية أثارت مخاوف عميقة فى أوروبا، حيث تعتمد الدول الأوروبية على الدعم الأمريكى كركيزة أساسية فى المواجهة مع روسيا. صحيفة «التايمز» البريطانية وصفت المكالمة بأنها «ضربة قوية للوحدة الغربية»، فيما اعتبر مسئولون فى الاتحاد الأوروبى أن أى تراجع أمريكى قد يترك أوروبا وحدها فى مواجهة موسكو. أما فى كييف، فقد قوبلت المكالمة بقلق شديد من الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، الذى كان يأمل استمرار الدعم الأمريكى غير المشروط، لم يُخفِ خيبة أمله، وأكد أن «أى مفاوضات لا تضمن استعادة أوكرانيا لجميع أراضيها هى انتصار لروسيا». وبحسب تقرير نشره موقع «سى إن إن بالعربية»، فإن كييف تخشى أن تؤدى سياسات ترامب الجديدة إلى إجبارها على تقديم تنازلات قد لا تكون مستعدة لها، مثل الاعتراف بسيطرة روسيا على بعض المناطق التى احتلتها خلال الحرب. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: عالم على أطراف أصابعه هل تغيرت قواعد اللعبة؟ إذا كان فوز ترامب بالانتخابات قد ألقى بظلاله على الحرب الأوكرانية، فإن مكالمته مع بوتين جاءت كإعلان صريح بأن قواعد اللعبة قد تتغير لكن لا تزال هناك أسئلة مفتوحة: هل يملك ترامب النفوذ الكافى لفرض تسوية سياسية؟ هل سيتراجع الدعم العسكرى الأمريكى لكييف، أم أن واشنطن ستستمر فى دعم أوكرانيا لكن بشكل أكثر انتقائية؟ كيف سترد موسكو على هذه الانفتاحات؟ وهل ستحاول استغلالها لتحقيق مكاسب أكبر قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ الواضح أن هذه المكالمة لم تكن مجرد اتصال عادى بين رئيسين، بل قد تكون إشارة إلى بداية مرحلة جديدة فى الحرب الأوكرانية، مرحلة قد لا يكون فيها الدعم الأمريكى لكييف أمرًا مسلمًا به كما كان خلال عهد بايدن. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: ليس إرضاءً لأطراف دولية هل تستطيع أوكرانيا الصمود دون الدعم الأمريكي؟ إذا قررت إدارة ترامب تقليص أو إنهاء الدعم العسكرى لأوكرانيا، فإن كييف ستكون فى موقف صعب لم تواجهه منذ الأيام الأولى للحرب حتى الآن، تعتمد القوات الأوكرانية بشكل كبير على الأسلحة الأمريكية المتطورة، خاصة أنظمة الدفاع الجوى والصواريخ الدقيقة، التى لعبت دورًا رئيسيًا فى صد الهجمات الروسية، لكن إذا تم تقليل هذا الدعم فإن أوكرانيا ستحتاج إلى البحث عن بدائل، سواء من خلال تعزيز التصنيع العسكرى المحلي، أو الاعتماد بشكل أكبر على الدعم الأوروبى. لكن المشكلة الأساسية أن أوروبا نفسها ليست مستعدة لتغطية الفجوة التى قد تتركها واشنطن، فمع تزايد الأزمات الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي، وتصاعد الضغوط الداخلية على بعض الحكومات، قد تجد أوكرانيا نفسها فى موقف دفاعى غير مسبوق، ما لم تتمكن من تحقيق اختراق استراتيجى على الأرض قبل أن يبدأ تأثير السياسة الأمريكية الجديدة فى الظهور. مناورات أم بداية لصفقة كبرى؟ بالنظر إلى شخصية ترامب ونهجه فى السياسة الخارجية فإن المكالمة مع بوتين قد تكون مجرد اختبار لموقف موسكو، أكثر من كونها مقدمة لاتفاق فعلى، فالرئيس الأمريكى الجديد يدرك أن إظهار مرونة تجاه روسيا قد يمنحه مساحة لمفاوضات أوسع تشمل قضايا أخرى، مثل أسواق الطاقة، والحد من النفوذ الصينى، وإعادة تشكيل العلاقة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين. أما بوتين، فإنه يعرف أن التعامل مع ترامب ليس كسابقيه، فالرئيس الأمريكى الجديد لا يتعامل مع السياسة الدولية من منطلقات أيديولوجية، بل كمجال للمساومة والمكاسب المتبادلة؛ لذا قد يكون الكرملين حذرًا فى تفسير نوايا ترامب، حتى لا يقع فى فخ التنازلات المجانية. اقرأ أيضًا| إسلام عفيفى يكتب: كوبرى السيدة عائشة.. متى يسقط جسر الموت؟ السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل المكالمة الهاتفية كانت مجرد بالون اختبار؟ أم أن الطرفين يهيئان الأرضية لاتفاق أكبر قد يغير ملامح الحرب الأوكرانية بالكامل؟ الأيام والأسابيع المقبلة ستكون كفيلة بالإجابة. ماذا بعد؟ فى ظل التطورات الأخيرة، يبدو أن الحرب فى أوكرانيا دخلت مرحلة جديدة من التفاوض السياسي. فبينما تسعى موسكو لاستغلال الوضع لصالحها، تجد أوروبا نفسها مضطرة لإعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية، بينما تحاول أوكرانيا التأقلم مع واقع جديد لم يكن فى حساباتها. ترامب، الذى يروج لنفسه كرجل صفقات، قد يكون بالفعل على وشك إبرام أكبر صفقة فى تاريخه السياسي، لكن يبقى السؤال: هل ستكون هذه الصفقة لصالح السلام، أم مجرد إعادة توزيع لمكاسب الحرب؟ فى كل الأحوال، الأيام القادمة وحدها ستكشف ما إذا كانت هذه المكالمة الهاتفية مجرد بادرة حُسن نية، أم خطوة أولى نحو إنهاء الحرب بشكل لم يكن أحد يتوقعه.