يواصل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي ضد الحلفاء قبل الخصوم، حيث يضع كندا في مرمى نيرانه التجارية. ورغم المفاوضات المُستمرة، تظل تهديداته بفرض تعريفات عقابية قائمة، ما يعيد للأذهان استراتيجيات اقتصادية تاريخية استخدمها الجمهوريون في القرن التاسع عشر لمحاولة إخضاع كندا للنفوذ الأمريكي، فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يتوقف ترامب عن الضغط على كندا من خلال الرسوم الجمركية، مستخدمًا التعريفات كأداة للضغط الاقتصادي. اقرأ أيضًا| هل يدفع الاتحاد الأوروبي ثمن استمالة ترامب على حساب علاقاته مع الصين؟ هل تصبح كندا الولاية الأمريكية رقم 51؟ فرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أحد قراراته الأخيرة تعريفات عقابية بنسبة 25% على السلع الكندية، لكنه سرعان ما وضع قرار التنفيذ قيد التعليق لمدة 30 يومًا، في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات الجارية بين البلدين، إذ يرى في الرسوم الجمركية وسيلة لإجبار كندا على التقارب مع واشنطن وربما حتى قبول فكرة الانضمام إلى الولاياتالمتحدة كولاية جديدة، وفق مجلة «تايم» الأمريكية. لكن، يثير هذا التصور الجدل، حيث تعكس تصريحاته نزعة إمبريالية شبيهة بتلك التي تبناها الجمهوريون في أواخر القرن التاسع عشر تجاه كندا، فهل يعيد التاريخ نفسه، وكيف حاول الجمهوريون ضم كندا عبر الرسوم الجمركية عبر التاريخ؟ رغم أن سياسات ترامب التجارية تبدو غير مسبوقة، إلا أنها ليست جديدة تمامًا، فقبل أكثر من قرن، حاول الجمهوريون في تسعينيات القرن التاسع عشر فرض سياسات الرسوم الجمركية على كندا لدفعها نحو الاتحاد مع الولاياتالمتحدة، حينها، جاءت تعريفة ماكينلي عام 1890 كأداة ضغط اقتصادية، حيث رفعت الضرائب على الواردات الكندية، ما شكل تهديدًا لاقتصادها. وفي أواخر القرن التاسع عشر، اعتقد الجمهوريون أن فرض الرسوم الجمركية على كندا سيجعلها تعتمد أكثر على السوق الأمريكية، مما سيدفعها للانضمام إلى الاتحاد الأمريكي، ولم تمنح تعريفة ماكينلي استثناءً للمنتجات الكندية، ما أدى إلى تصاعد التوترات الاقتصادية، وكان الهدف إجبار كندا على القبول بأن تصبح الولاية ال 45 لتجنب التعريفات العقابية. وكان وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جيمس ج. بلين، يرى أن استخدام الرسوم الجمركية وسيلة فعالة لإجبار كندا على الاتحاد مع الولاياتالمتحدة، فقد صرح علنًا بأنه يأمل في "حب أخوي أعظم"، لكنه في الوقت نفسه عمل على فرض سياسات تجارية صارمة تهدف إلى إضعاف الاقتصاد الكندي وإجباره على الخضوع للنفوذ الأمريكي. لم تمر تعريفة ماكينلي دون ردود فعل قوية، فقد وصفها نادي كوبدن، وهو تجمع بريطاني مؤيد للتجارة الحرة، بأنها "إساءة إلى الحضارة"، مُحذرًا من أنها ستؤدي إلى ضم كندا بالقوة الاقتصادية، كما اعتبر الليبرالي البريطاني، ليون بلاي فير، أن القانون يمثل "هجومًا سريًا على كندا"، مؤكدًا أن الولاياتالمتحدة تحاول التهامها اقتصاديًا. اقرأ أيضًا| حرب الرسوم الجمركية| هل يدخل الاتحاد الأوروبي في مواجهة مباشرة مع ترامب؟ ترامب والرسوم الجمركية..هل يعيد التاريخ نفسه مع كندا؟ iframe allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture; web-share" allowfullscreen="" frameborder="0" height="400" referrerpolicy="strict-origin-when-cross-origin" src="https://www.youtube.com/embed/IXRAS7bsdaQ" title="ترامب يرفع "عصا الجمارك" لحماية الدولار" width="600" واليوم، يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يسير على خطى الجمهوريين القدامى، مُستغلًا الرسوم الجمركية للضغط على كندا كما فعل أسلافه في القرن التاسع عشر، وبينما يدعي أن هدفه تصحيح الميزان التجاري، فإن تصريحاته حول إمكانية ضم كندا تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه مجرد لعبة سياسية، أم خطة اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية بعيدة المدى. يواصل دونالد ترامب، استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط على كندا، مُستلهِمًا من سياسات القرن التاسع عشر، حين حاولت واشنطن إجبار أوتاوا على التقارب معها عبر التعريفات العقابية، ولكن كما حدث في الماضي، «قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى نتائج عكسية، فتدفع كندا نحو شركاء اقتصاديين آخرين بدلًا من الرضوخ للمطالب الأمريكية». كيف قلبت الرسوم الجمركية الطاولة على واشنطن؟ رغم أن واشنطن اعتقدت أن الرسوم الجمركية ستجبر كندا على التقارب معها، إلا أن النتيجة جاءت عكسية تمامًا، فقد رأى القوميون الكنديون أن هذه السياسة ليست مجرد عقوبات اقتصادية، بل "حرب مالية" تهدف إلى تقويض الاستقلال الوطني لكندا، ووصفوها بأنها مُحاولة غير مبررة لإخضاع الاقتصاد الكندي لنفوذ الولاياتالمتحدة. بدلًا من أن تدفع الرسوم الجمركية كندا نحو الاتحاد مع أمريكا، عززت المشاعر القومية فيها، حيث رأى الكنديون أن تعريفة ماكينلي لم تكن مجرد أداة ضغط اقتصادي، بل مُؤامرة لإضعافهم وإجبارهم على قبول الضم، وكرد فعل، ازداد تمسكهم بالهوية الوطنية والإمبراطورية البريطانية، معتبرين أن هذه المحاولات لن تؤدي إلا إلى تعزيز استقلالهم. لكن، لم يقف رئيس الوزراء الكندي المحافظ، جون ماكدونالد، مكتوف الأيدي أمام هذه السياسة، بل سارع إلى الرد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الأمريكية، ودفع نحو تعزيز العلاقات التجارية مع بريطانيا، كما استخدم الأزمة سياسيًا، مُحولًا انتخابات 1891 إلى استفتاء على العلاقة مع أمريكا، مُتهمًا المعارضة الليبرالية بالتواطؤ مع الجمهوريين الأمريكيين. حينها، ومع تصاعد الرسوم الجمركية، بدأت كندا في إعادة توجيه اقتصادها نحو بريطانيا بدلًا من الولاياتالمتحدة، خلال عامين فقط، ارتفعت الصادرات الزراعية الكندية إلى بريطانيا من 3.5 مليون دولار إلى 15 مليون دولار، كما زادت صادرات المنتجات الزراعية والحيوانية بشكل كبير، في المقابل، بدأ المصنعون الأمريكيون في نقل عملياتهم إلى كندا لتجنب التعريفات الجمركية. وفق مجلة «تايم» الأمريكية، يبدو أن دونالد ترامب لم يستوعب درس الماضي، مع فرضه مجددًا رسوم جمركية على كندا، ما قد يؤدي إلى نتائج مشابهة لما حدث مع تعريفة ماكينلي، وبدلًا من الضغط على كندا للتقارب مع واشنطن، قد تدفعه هذه السياسة إلى انتخاب قادة كنديين أكثر تشددًا ضد واشنطن، وتعزيز العلاقات التجارية مع أوروبا وآسيا. اقرأ أيضًا| بين التفاوض والحزم.. ردود أفعال الدول على تهديدات ترامب الاقتصادية من هو الخاسر الأكبر في حرب الرسوم الجمركية؟ إذا استمر دونالد ترامب في نهجه التصعيدي تجاه كندا عبر الرسوم الجمركية، فإن النتيجة الحتمية ستكون ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الأمريكية، كما قد يضطر المستهلكون الأمريكيون إلى دفع المزيد مقابل المنتجات الكندية، بينما قد يقرر المصنعون الأمريكيون الانتقال إلى كندا لتجنب التعريفات الجمركية، مما يفاقم الأضرار الاقتصادية على الولاياتالمتحدة نفسها. وكما حدث في الماضي، قد تتحول الرسوم الجمركية من أداة ضغط إلى سبب لعزلة اقتصادية أمريكية، مما يدفع كندا نحو تعزيز علاقاتها مع منافسي واشنطن، وإذا لم يتعلم ترامب من أخطاء الماضي، فقد يجد نفسه مرة أخرى في مواجهة اقتصاد كندي مُتحرر من النفوذ الأمريكي، بينما يعاني الاقتصاد الأمريكي من تداعيات قراراته الحمائية.