مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يومه التاسع للمرحلة الأولى منه، يبرز ملف تبادل الأسرى والتي فشلت الحرب الإسرائيلية في تحريرهم ضمن أهداف الحرب على القطاع، ما زاد من الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال بضرورة إنجاز اتفاق يحرر الأسرى. اقرأ أيضا: الخارجية الفلسطينية: سياسة التهجير تعكس محاولات الاحتلال لخلق الفوضى ووفق جهود لتنظيم ملف الأسرى بعدم تقديم المزيد من التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين سعيًا لمكاسب سياسية وأمنية، يتجدد في الأفق دور "لجنة شمغار" لتقصي الحقائق حول كيفية التعامل مع قضايا التبادل ووضع الضوابط لتجاوز الأخطاء السابقة، إذ تعد واحدة من اللجان ذات التأثير الكبير على الأمن والسياسة في إسرائيل، ونتائجها تركت أثرًا كبيرًا على طريقة تعامل الدولة مع القضايا الأمنية والداخلية. - مجزرة الحرم الإبراهيمي ترجع بدايتها منذ عام 1994، أنشأتها الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي، وترأسها القاضي المتقاعد مئير شمغار(1925- 2019)، الذي شغل منصب رئيس المحكمة العليا في إسرائيل، للتحقيق في مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية، بعد استشهاد 29 شخصًا وإصابة 150 آخرين. خلصت نتائجها باستغلال باروخ غولدشتاين، الثغرات الأمنية لقوات الحراسة، وأوصت بأهمية تشكيل وحدة شرطة خاصة بالحرم الإبراهيمي، مع منع دخول المصلين بالأسلحة، وفصل مناطق الصلاة بين المسلمين واليهود، وهو ما أدي لاحقًأ إلي تقسيم الحرم إلى قسمين بين المسلمين واليهود. وخلال عام 1995، عند اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، تشكلت لجنة أخرى برئاسة القاضي شمغار لتقصي الأوضاع التي أدت إلى الحادث، وتوصلت اللجنة إلى أن جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، لم يقم بما فيه الكفاية لمنع وقوع عملية الاغتيال قبل أن توصي بإقالة رئيس الجهاز، الذي قدم استقالته بعدها. وفي ظل الجدل الدائر حول استعادة الجندي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة حماس عام 2006، والثمن الذي يجب أن تدفعه لاسترجاعه، وجهت الحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود أولمرت عام 2008، بتشكيل لجنة شمغار لوضع قواعد التفاوض وتقديم التوصيات بشأن سياساتها في صفقات تبادل الأسرى مع التنظيمات الفلسطينية وغيرها مقدمة إطارًا عامًا لإدارة الصفقات مع التركيز على تقليل المخاطر الأمنية. - توصيات متشددة أنهت لجنة مئير شمغار أعمالها المتعلقة بوضع معايير لصفقات تبادل الأسرى في أوائل عام 2010، وقدمت تقريرًا سريًا يتألف من 100 صفحة إلى وزير الدفاع آنذاك، إيهود باراك. ورغم ذلك، لم يتم نشر هذه التوصيات على الفور، بل بقيت سرية حتى بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى مع الجندي شاليط في عام 2011. وفي عام 2012، أُعد تقرير شامل من قبل اللجنة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تتبن استنتاجاته أو تناقشه بشكل علني وجاءت توصياته كالآتي: 1. تشديد الموقف الإسرائيلي في المفاوضات المستقبلية، بحيث لا يتم الإفراج عن أعداد كبيرة من الأسرى مقابل جندي واحد، والاكتفاء بعدد محدود، حتي لا ينتج عن المفرج عنهم الرجوع إلى محاربة الكيان مرة أخرى. 2.الحفاظ على سرية المفاوضات وتجنب التأثير الإعلامي أو الضغوط الجماهيرية. 3.تشكيل هيئة ثابتة تحت إشراف رئيس الوزراء للإشراف على المفاوضات، بدلاً من تعيين مبعوث خاص لكل عملية تفاوض. 4.عدم الإفراج عن أسرى "بأيدي ملطخة بالدماء" معتبرة الأمر بأنه يضعف الردع الإسرائيلي ويؤثر على ثقة الجمهور بالحكومة. 5.رفض المساومة تحت الضغط وعدم الانجرار وراء الضغوط الإعلامية. 6.تعزيز الردع لمنع عمليات الاختطاف وتأمين الجنود والمدنيين سيما عند تنفيذ عمليات عسكرية. -تجاهل أم تغافل ورغم التوصيات التي أقرتها اللجنة إلا أن المجلس الوزاري المصغر "الكابنيت" لم يتبناها بشكل رسمي، وظلت سرية لفترة طويلة، ولكن بعام 2016، أُعيد طرحها مرة أخرى، عند مناقشة الكابنيت معايير عقد صفقات تبادل الأسرى، دون أن يتم الإعلان عن تبني التوصيات بشكل كامل. في حين أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن اعتراضهم على تبني توصيات اللجنة. على سبيل المثال، المنسق الحكومي لشؤون الأسرى والمفقودين، ليئور لوطين، اعتبر أن التشدد المفرط في المعايير قد يعيق استعادة الجنود والمواطنين المدنيين. -مفارقة محسومة ومن المفارقات في ملف تبادل الأسرى إثر استعادة الجندي جلعاد شاليط، وما أثير حوله من الضغط حول ما إذا كان على قيد الحياة أم لا، بثت حركة المقاومة "حماس" فيديو لشاليط تؤكد تمتعه بصحة جيدة ما أدي إلى الإفراج عن 20 أسيرة فلسطينية وذلك في أكتوبر 2009، وذلك في عهد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وقتها، وهو ما أعتبر كبادرة للإفراج بعدها عن 1027 أسير فلسطيني مقابل الجندي شاليط في عام 2011، في صفقة اعتبرت من أكبر صفقات تبادل الأسرى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما تظهر مواقف نتنياهو تجاه صفقات تبادل الأسرى تباينًا بين تبني توصيات لجنة شمغار والضغوط السياسية والشعبية التي قد تؤثر على قراراته. - لجان مشابهة ليست شمغار وحدها التي أنشئت لملف تبادل الأسرى بل يوجد أكثر من لجنة معنية بوضع سياسات التعامل مع قضايا الأسرى، والمحتجزين لدى أطراف أخرى أبرزها: -لجنة وينوغراد(1985): كانت أول محاولة لبلورة معايير تبادل الأسرى، وشكلت بعد صفقة جبريل التي أفرجت فيها إسرائيل عن 1150 أسيرًا فلسطينيًا مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين أسرى لدى منظمة التحرير. -لجنة فيردغور(1995): أنشئت لتحليل عملية التفاوض مع "حزب الله" في قضايا الأسرى والمفقودين. -لجنة جلعاد شاليط (2011): لم تكن لجنة رسمية، ولكنها تضمنت فريقًا خاصًا للتفاوض بقيادة الوسيط الإسرائيلي دافيد ميدان مع "حماس". -لجنة شبيط (2016): أُنشئت للتعامل مع ملف الجنود الإسرائيليين المفقودين في قطاع غزة (مثل هدار غولدين وأورون شاؤول) والمفاوضات غير المباشرة مع "حماس". وركزت على تحسين آليات التفاوض واستعادة الأسرى مع تقليل المخاطر السياسية والأمنية. وهنا يكمن التساؤل هل من الممكن أن يخلق وضع الأسيرة أربيل يهود مثلما حدث مع شاليط، بالإفراج عن المزيد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وسط الضغوطات الدولية والجماهيرية؟