داخل أروقة المتحف المصري بالتحرير، تكشف إحدى الكتل الحجرية عن مشهد مؤثر يعكس جانبًا مهمًا من الطقوس الجنائزية في مصر القديمة. ويظهر النقش سيدتين تحملان فوق رؤوسهن سلالًا مليئة بالقرابين، وهي مخصصة لمرافقة المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر. اقرأ أيضاً| إقبال كبير من الأجانب على المتحف المصري بالتحرير وتحت كل منهما كلمة "جرت"، التي تعني "نادبة"، مما يعبر عن دورهن الطقسي في الحزن والحداد. هذا النقش ليس مجرد عمل فني، بل شهادة على الاعتقاد الراسخ بالحياة بعد الموت، والتقاليد التي استمرت عبر العصور. ** نظرة عامة على النقش يعود هذا النقش إلى إحدى الفترات المتأخرة من تاريخ مصر القديمة، حيث كانت الطقوس الجنائزية تأخذ طابعًا خاصًا يعكس مدى اهتمام المصريين القدماء بمفهوم الخلود. يصور المشهد سيدتين تقفان بوضعية ثابتة، تحمل كل واحدة منهما سلة تحتوي على قرابين تشمل الطعام والزهور والرموز المقدسة. ** دلالة كلمة "جرت" كلمة "جرت" المكتوبة أمام السيدتين تشير إلى دورهن كنادبات، وهن النساء اللواتي كن يشاركن في الجنازات للتعبير عن الحزن والبكاء بشكل طقسي. هذه الكلمة تعكس دورًا اجتماعيًا ودينيًا كان له أهمية خاصة في تلك الحقبة، حيث كان البكاء والحداد يعتبران جزءًا من تكريم الميت وإعداد روحه للعالم الآخر. ** القرابين كرمز للحياة الآخرة السلال المحفورة في النقش والتي تحملها السيدتان فوق رؤوسهن تمثل القرابين التي كانت تقدم للمتوفى داخل المقبرة. تضمنت هذه القرابين غالبًا مواد غذائية مثل الخبز والفاكهة، بالإضافة إلى رموز دينية كالتمائم التي تعزز حماية الروح. ** الأهمية التاريخية والفنية النقش يعكس الدقة في النحت والتعبير عن التفاصيل الرمزية في الفن المصري القديم. تمثل السلال وأوضاع السيدتين التوازن والتناغم بين الجانب الروحي والمادي للطقوس الجنائزية. كما أن النقش يعكس تداخل الفن مع المعتقدات، وهو ما يجعل منه تحفة فنية تحمل قصة حضارية غنية. ويبقى هذا النقش شهادة على عظمة الحضارة المصرية القديمة التي اهتمت بكل تفاصيل الحياة والموت، حيث امتزجت الطقوس بالفن ليخلد الإيمان بالخلود. ويظل دور النادبات جزءًا مؤثرًا يعكس إنسانية المصري القديم وارتباطه العميق بروحانيات الحياة الآخرة.