في مصر القديمة، لم تكن الحيوانات مجرد كائنات تعيش إلى جانب البشر، بل كانت تُعد جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية والدينية، إذ ارتبطت بعدد من الآلهة والأساطير، مما أضفى عليها مكانة قدسية بين المصريين القدماء. تلك العلاقة الوثيقة بين الإنسان والحيوان في الحضارة المصرية تجسدت من خلال الرموز والمعاني التي حملتها هذه المخلوقات، والتي عكست دورها الروحي والحضاري عبر العصور. اقرأ أيضا| أصل الحكاية| «مدينة رشيد» جوهرة البحيرة وتاريخ حافل بالآثار الإسلامية نُلقي الضوء في هذا التقرير على أبرز تلك الحيوانات التي كانت تُعبد وتُقدّس، وكيف صمدت قصصها ورموزها حتى يومنا هذا. 1- القطط: رمز الحماية والجمال كانت القطط في مصر القديمة تُعتبر حيوانات مقدسة وترتبط بشكل مباشر بالإلهة باستت، إلهة الحب والخصوبة والحماية. تلك المخلوقات الصغيرة التي كانت تعيش في البيوت والمزارع لم تكن مجرد رفقاء للإنسان، بل كانوا يحظون بتقدير ديني خاص، إذ كانت القطط ترمز إلى النعمة والحماية. ويُعتقد أن المصريين القدماء كانوا يتجنبون إيذاء القطط خوفًا من غضب الآلهة، وقد تصل عقوبة قتل القط إلى الإعدام. إضافةً إلى هذا، كانت القطط تقوم بدور عملي في المجتمع المصري من خلال حمايتها للبيوت والمحاصيل من القوارض والحشرات. لذلك، لم يكن من الغريب أن تُخلد القطط بعد وفاتها من خلال التحنيط وتدفن في مقابر مخصصة. يُعد معبد الإلهة باستت في مدينة بوباستيس مثالًا واضحًا على تلك المكانة، حيث كانت القطط تحظى باحترام بالغ وتُقدم لها القرابين. من المثير أن بعض السلالات الحالية من القطط في مصر تُعتبر امتدادًا لسلالات القطط التي كانت تُربى في مصر القديمة، وما زال تقدير المصريين لها مستمرًا. 2- الكلاب: حماة المقابر ورموز الوفاء لم تكن الكلاب أقل أهمية من القطط في مصر القديمة. فقد ارتبطت بالإله أنوبيس، إله التحنيط وحارس المقابر، وكانت الكلاب ترمز إلى الحماية في العالم الآخر. كانت الكلاب تُستخدم لحراسة المقابر وحماية المقتنيات الجنائزية من اللصوص. ويُعتقد أن الكلاب كانت تلعب دورًا في الطقوس الجنائزية لضمان وصول أرواح الموتى إلى الحياة الآخرة بسلام. الكلاب أيضًا كانت تُربى لأغراض الصيد والحراسة، وكان المصريون يولونها اهتمامًا خاصًا. اكتشف علماء الآثار مومياوات لكلاب دُفنت بجانب أصحابها، وهو دليل على مدى أهمية الكلاب في حياة المصريين القدماء. بعض السلالات المصرية القديمة من الكلاب ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، حيث تتميز بالذكاء والشجاعة. 3- التماسيح: قوة النيل وروح الخصوبة تمثل التماسيح أحد أقوى الرموز الدينية في مصر القديمة. كان يُعبد التمساح كإله "سوبيك"، إله النيل والخصوبة والقوة. ارتبطت التماسيح بالنيل، المصدر الرئيسي للحياة في مصر، وكانت ترمز إلى القوة والسيطرة على المياه. لم يكن غريبًا أن يتم الاحتفاظ بالتماسيح في المعابد وتقديمها كقرابين في بعض الطقوس الدينية. تماثيل التماسيح كانت تُستخدم كرمز للقوة والقدرة على حماية النيل، وقد حظيت تلك الحيوانات بتقدير خاص في المناطق المحيطة بالنيل، خاصة في فيوم، حيث كان التمساح يمثل إلهًا مركزيًا في حياة الناس هناك. حتى بعد مرور آلاف السنين، لا تزال التماسيح تعيش في مياه النيل وتحتفظ برمزيتها في الثقافة المصرية. 4 - الثعابين: حماة الملوك والآلهة الثعابين، وتحديدًا الكوبرا، كانت تحمل دلالة كبيرة في مصر القديمة. ارتبطت الثعابين بالإلهة "وادجيت"، التي كانت تُعد حامية مصر ومملكة الفراعنة. كان المصريون يعتقدون أن الثعابين تمتلك قوى سحرية تحمي من الأعداء والأرواح الشريرة. من أشهر رموز مصر القديمة هو "الكوبرا الملكية" التي كانت توضع على تيجان الملوك كرمز للحماية من المخاطر. كانت الثعابين تظهر أيضًا في النقوش الملكية والتماثيل، ما يدل على مكانتها في الطقوس الدينية وحياة الفراعنة. الثعبان لم يكن مجرد رمز للحماية، بل كان يُعتقد أن له دورًا في تجديد الحياة والخلود، لذا ارتبطت هذه المخلوقات بالطقوس الجنائزية والتحنيط. 5- الصقور: رموز العظمة والملكية كان الصقر رمزًا للإله حورس، إله السماء والملك الشرعي لمصر. الصقور في مصر القديمة كانت تُعتبر مخلوقات ملكية، إذ كان يُعتقد أن الفراعنة أنفسهم يتجسدون في صورة الصقور عند صعودهم إلى السماء بعد وفاتهم. التماثيل والنقوش التي تُظهر الفراعنة بأجنحة الصقر أو جالسين بجوار صقر، كانت تعبر عن القوة والعظمة الملكية. يُعد الصقر رمزًا للقوة والبصيرة في الثقافة المصرية القديمة، وكانت هذه الطيور تُقدس وتُعامل باحترام بالغ. 6- الثيران: رمز الخصوبة والقوة الثور كان يُعتبر رمزًا للخصوبة والقوة في مصر القديمة، وكان يرتبط بالإلهة "حتحور"، إلهة السماء والموسيقى والحب. كان يُعتقد أن الثيران تحمل طاقة خاصة تُعزز من الخصوبة والنمو الزراعي. ولهذا السبب، كانت تُقدم القرابين من الثيران في طقوس الزراعة والخصوبة. مصر القديمة تُعد واحدة من أولى الحضارات التي اهتمت بتربية الثيران واستخدامها في الزراعة، وكانت تُقدّر تلك الحيوانات لأدوارها الاقتصادية والدينية معًا. * ارتباط الإنسان بالحيوان في مصر القديمة كان للحيوانات دورٌ رئيسي في حياة المصريين القدماء، سواء من الناحية الدينية أو العملية. تلك المخلوقات لم تكن مجرد أدوات في الحياة اليومية، بل كانت تحظى باهتمامٍ روحيٍ وديني عميق. قدّس المصريون القدماء الحيوانات ورأوا فيها تجسيدًا لقوى الطبيعة والآلهة، وخلدوا ذكراها عبر النقوش والتماثيل التي بقيت شاهدة على تلك الحضارة العظيمة. من خلال الآثار والتماثيل التي تُعرض اليوم في المتاحف العالمية، لا يزال بإمكاننا التعرف على تلك العلاقة الفريدة بين المصريين القدماء وحيواناتهم المقدسة، وهي علاقة تُظهر الاحترام العميق للطبيعة وفهمهم العميق لدورها في حياتهم الروحية والمادية.