دخل قطاع غزة مرحلة جديدة مع بدء سريان الهدنة المتفق عليها بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس بوساطة مصرية قطرية أمريكية، الأحد الماضى، إذ إن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على رصد حجم الدمار الذى أصاب القطاع ومنح متنفس للأبرياء بعيدا عن أصوات الدبابات والمدافع التى لم تتوقف على مدار أكثر من 450 يوما باستثناء أسبوع واحد فقط وقّع فيه الطرفان على هدنة قصيرة قبل أكثر من عام، وهو ما يضع القطاع والاحتلال أيضا أمام واقع جديد سوف تكشف عنه الأيام المقبلة وفقا لتطورات الأحداث على الأرض. ◄ التوقيع على الهدنة يفجر خلافات داخل حكومة نتنياهو وتستمر المرحلة الأولى من الهدنة 42 يومًا وتتضمن وقف كل أشكال القتال، كما يتعين على قوات الاحتلال الانسحاب من مدن غزة إلى «منطقة عازلة» على طول حافة القطاع، وسيتمكن الفلسطينيون النازحون من العودة إلى ديارهم، كما سيشهد القطاع زيادة ملحوظة فى عمليات تسليم المساعدات، وفى المرحلة الثانية، التى لم تحدد مدتها بعد، سيتم إعادة المحتجزين الأحياء المتبقين وإطلاق سراح نسبة مماثلة من الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب الانسحاب الإسرائيلى الكامل من القطاع، وسيتم فتح معبر رفح إلى مصر لمغادرة المرضى والجرحى، أما المرحلة الثالثة، التى قد تستمر لسنوات، فتتناول تبادل جثث المحتجزين القتلى، وخطة إعادة إعمار غزة، وبينما دعا جزء كبير من المجتمع الدولى إلى عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، رفض الاحتلال - مرارًا وتكرارًا - هذا الاقتراح. ■ فرحة ممزوجة بالحزن في غزة وفى المرحلة الأولى، من المقرر إطلاق سراح 33 محتجزًا خلال الأسابيع الستة المقبلة، مقابل نحو 1700 فلسطينى أسرى فى سجون الاحتلال، منهم نحو 1000 من غزة تم اعتقالهم بعد بدء العدوان الإسرائيلى على القطاع فى 7 أكتوبر 2023، وفى غزة، سيتم السماح للنازحين من منازلهم بالتنقل بحرية فى أنحاء الأراضى الفلسطينية، بدءًا من اليوم السابع، وستصل 600 شاحنة من المساعدات يوميًا لتخفيف الأوضاع الإنسانية المزرية فى القطاع، ورغم الجهود التى بذلها الوسطاء للخروج باتفاق متاسمك يضمن وقفا نهائيا لإطلاق النار غير أن الشكوك تساور عدم التزام جيش الاحتلال بالانسحاب، ووقف إطلاق النار الدائم، بذريعة أنه لن يحقق هدف الحرب المعلن المتمثل فى تدمير حماس بالكامل، وسط ضغوط من اليمين المتطرف فى إسرائيل. ◄ اقرأ أيضًا | «اليونيسيف»: أطفال غزة في حاجة مُلحة لرعاية صحية ونفسية ◄ حماس مهددة بفقدان ورقة الأسرى ودماء الفلسطينيين تلطخ إسرائيل ◄ الواقع الجديد ويمكن القول بأن الواقع الجديد الذى سيفرضه اتفاق الهدنة يتمثل فى أن حركة حماس التى كانت تناور بورقة الأسرى الذين كانوا بجعبتها منذ عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر عام 2023 قد لن تتمكن من اللعب بها مرة أخرى وهو نفس الأمر الذى تعوِّل عليه إسرائيل لإفقاد المقاومة ما تبقى لها من قوة، وبالتالى فإن الحركة سيكون عليها التهيؤ لمرحلة جديدة قد لا تجد فيها الدعائم الملائمة لتعزيز حضورها وقوتها على الأرض داخل القطاع أولا ثم التجهيز لأى مواجهة مستقبلية فى مواجهة الاحتلال، بخاصة أنها سوف تستفيق على وضعية جديدة لم يعد فيها المحور الذى يتشدق بشعارات المقاومة بنفس قوته، بل يمكن القول بأنه خسر الجزء الأكبر من قوته خلال أشهر الحرب السابقة، وكذلك فإن الاحتلال أيضا سيكون أمام واقع جديد هو الآخر لأن رئيس وزرائه الحالى بنيامين نتنياهو يواجه اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، وأن انكشاف طبيعة ما قام به الاحتلال من جرائم هدفت إلى تسوية القطاع على الأرض سيواجه بمزيد من حالات الغضب على المستوى الشعبى دوليًا. ولعل المشاهد الأولى من عودة المواطنين إلى منازلهم كانت كاشفة، ومن المتوقع أن تترسخ تلك الصور فى الأذهان، وإن حصل الاحتلال على الدعم الأمريكى اللازم لكى يظل بمعزل عن المحاسبة على جرائمه فإنه أيضا بعد كل ما ارتكبه أثبت أنه غير قادر على تحقيق كل أهدافه، وهو ما سيقود لمشكلات داخلية ظهرت بوادرها فى استقالة وزير الأمن القومى الإسرائيلى اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير، مع وزراء حزبه «القوة اليهودية» الثلاثة من حكومة نتنياهو احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، وقال الحزب إن زعيمه بن غفير ووزيرين آخرين من أعضائه استقالوا من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، لكنه لن يحاول إسقاط الحكومة فى الكنيست، أسف وزير المالية الإسرائيلى المُتطرف بتسلئيل سموتريتش «للفشل بمنع صفقة غزة الخطيرة على إسرائيل»، قائلًا «فعلنا كل ما بوسعنا»، وأكد أن «الحرب لن تنتهى إلا بتحقيق أهدافها كاملة، وأكد العودة « للقتال بعد تسلم الرهائن.. وهذه مهمتى الآن». ◄ الفرا: وقف الحرب المكسب الأوحد للفلسطينيين ◄ المكسب الأوحد وقال السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق بالقاهرة، إن وقف الحرب هو المكسب الأوحد للفلسطينيين بعد أن ذاق المواطنون فى غزة ويلات العذاب منذ اندلاعها، وأن الأمنيات تنصب على أن يصمد الاتفاق بعد أن أثبت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأنه شخص غير موثوق به، ومن الممكن أن يتلاعب بتفاصيل الاتفاق، لأنه مع وصولنا إلى اليوم ال 16 من الهدنة ينبغى أن يبدأ التفاوض على المرحلة الثانية من الاتفاق، لكنه فى تلك الحالة ممكن أن يتنصل، وما يطمئن بأن دول مصر والولايات المتحدة وقطر وهم الضامنون للاتفاق يمكن أن يلعبوا أدوارا ضاغطة لإرغامه على الوقف النهائى للحرب، وأوضح أن مصر رسخت لأن يكون للسلطة الفلسطينية حضور فى مستقبل قطاع غزة باعتباره ضمن كتلة واحدة مع الضفة الغربية والقدس، وأصرت مصر على أن يكون هناك حضور للسلطة على معبر رفح، والشكر موصول للرئيس عبدالفتاح السيسى لأنه لم يتوقف يوما عن تقديم الدعم للفلسطينيين وقام بإدخال الجزء الأكبر من المساعدات لأبناء القطاع ووقف خطط التهجير الإسرائيلية بمختلف أشكالها كما أنه تبنى مؤتمر المانحين لإعمار غزة. وشدد الفرا، على أن التكهن بمستقبل قطاع غزة صعب للغاية ولا يوجد خطة مستقبلية حتى الآن للتعامل مع اليوم التالى لوقف الحرب، وهناك تواجد لحركة حماس فى غزة ولكن السلطة الفلسطينية هى المعترف بها دوليا وفقا لاتفاق أوسلو، ولا يجب أن يعود مرة أخرى الانقسام بين غزة والضفة لضمان السير فى اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية، وأن تمكين السلطة من تأمين القطاع وإدخال المساعدات يجب أن يكون الشغل الشاغل بعد وقف الحرب، وذكر أن تدمير القطاع بشكل كامل يخصم من رصيد حماس لأنها من تولت مسئوليته منذ عام 2007 وانتهى الوضع بما آلت إليه الأوضاع الآن، وأن الكلفة كانت باهظة للغاية على مستوى أعداد الشهداء أو البنية التحتية التى تدمرت بشكل شبه كامل، مشيرا إلى أن التخوف الأكبر فى المستقبل يتمثل فى أن الحياة داخل القطاع أضحت صعبة للغاية بعد أن تهدمت منازل المواطنين، والاستمرار بالتواجد فى خيام لا توفر الحماية من المطر والبرد سيواجه صعوبات جمة. ◄ الحرازين: مزيد من الضمانات للاتجاه للمرحلة الثانية ◄ شلال الدم وقال القيادى بحركة فتح جهاد الحرازين، إن الهدنة التى ترعاها الأطراف الدولية تعد مقدمة لوقف شلال الدم مع استهداف كافة المواطنين الفلسطينيين، وبعد أن عاثت إسرائيل فسادا، وأن التعويل على أن تصمد المرحلة الأولى من الاتفاق مع تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمتابعة تنفيذها، وأن المطلوب خلال الفترة المقبلة هو أن يكون هناك مزيد من الضمانات للاتجاه إلى المرحلة الثانية دون وضع مزيد من العقبات مع أهمية الحصول على توضيح من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن حديث نتنياهو على أنه لديه ضمانة للعودة إلى القتال حال خرق الاتفاق، وأكد أن الحياة أضحت مدمرة فى غزة وهو ما يتطلب تعاونا كاملا من جانب المجتمع الدولى لإدخال المساعدات بشكل فورى والمواد الطبية والإغاثية فى محاولة لإنقاذ الأبرياء مع أهمية تمكين الحكومة الفلسطينية لتقديم الخدمات المطلوبة لأبناء القطاع وهى جاهزة بكافة أطقمها للعمل، مع ضرورة تغليب حماس للمصلحة الوطنية ومصلحة الشعب المكلوم لكى لا تسهل مزيدا من الذرائع التى قد تقود لعرقلة دخول المساعدات أو إفشال الاتفاق بشكل كامل. وأوضح الحرازين، أن بقاء حماس فى سلطة غزة يمنح المبررات للولايات المتحدة وأوروبا من خلفهم إسرائيل كذريعة لعدم الانسحاب من القطاع، وأن انزواء الحركة ولو بشكل مؤقت سيكون مطلوبا خلال الأيام المقبلة، وأن ترسيخ فكرة انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية أثبتت أنها مهدد رئيسى لحل القضية الفلسطينية.